رغم وجود عدد غير قليل من المختصين والباحثين والمستشرقين الإسرائيليين في القرآن الكريم سواء المنتمون لمؤسسات أكاديمية إسرائيلية أو غير أكاديمية، إلا أن البروفيسور أوري روبين Uri Rubin الأستاذ الفخري المتخصص في علوم القرآن ودراسات التراث الإسلامي القديم، التفاسير والسيرة النبوية، بقسم الدراسات العربية والإسلامية بكلية الآداب بجامعة تل أبيب؛ يحتل الأهمية الأبرز والأكبر من بين المستشرقين الإسرائيليين المعاصرين المختصين في القرآن الكريم.

بنظرة سريعة على السيرة العلمية الذاتية للبروفيسور روبين ومؤلفاته ونشاطاته العلمية المتعلقة بالقرآن الكريم؛ نجد أنها الأبرز والأغزر وكذلك الأكثر تأثيرًا وأهمية سواء داخل إسرائيل أو خارجها، وفي مقدمتها وأبرزها ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى العبرية التي صدرت في تل أبيب في مارس 2005 وصدرت طبعتها الثانية عام 2016، والتي أصبحت الترجمة العبرية الأكثر اعتمادًا وانتشارًا داخل إسرائيل لمعاني القرآن الكريم حتى وقتنا الحالي، فقد تحولت إلى المرجع الأساسي لكل الكتابات العلمية والصحافية بل واللقاءات الإعلامية والإذاعية حول القرآن الكريم في إسرائيل.

يزيد من أهمية روبين وتأثيره أنه لا يكتب باللغة العبرية وحسب، محدودة الانتشار والاستخدام، والتي تعد اللغة الرسمية الأولى في إسرائيل وموجهة للقارئ الإسرائيلي المتقن لها فحسب؛ لكنه يكتب بعدة لغات أجنبية عالمية واسعة الانتشار والاستخدام ومنها الإنجليزية والإيطالية والألمانية، علاوة على درايته الكاملة بالعربية بحكم تخصصه، وبحكم نشأته وترعرعه في وسط عربي داخل فلسطين قبل الاحتلال، إضافة إلى تكوينه الدراسي والأكاديمي الذي جعله يتعلم العربية وهو في سن صغيرة نسبيًا.


كيف قدم روبين القرآن للغرب؟

تربط بين الاستشراق الإسرائيلي والاستشراق الغربي سمة الامتداد والتكرار، بمعنى أن الاستشراق الإسرائيلي يعد امتدادًا للاستشراق الغربي، فقد خرج من رحمه وتعلم رواده في نفس مدارس الاستشراق الغربي، كما كرر الاستشراق الإسرائيلي نفس شبهات وفرضيات الاستشراق الغربي حول الإسلام ومصادره الأساسية وفي مقدمتها القرآن الكريم.

ورغم كون روبين ينتمي إلى مدرسة الاستشراق الإسرائيلي، إلا أنه لم يكن امتداد المدرسة الاستشراق الغربي؛ إذ كون مدرسة خاصة به أمدت الغرب بعدد من الأفكار المختلفة عن القرآن الكريم، تلك المدرسة التي تجمع بين أسلوب المدرسة الألمانية في الاستشراق الذي يتصف بالدقة والموضوعية لاسيما في دراسة المصطلحات والألفاظ القرآنية، وما بين المدرسة الإسرائيلية في الاستشراق التي تعمد للبحث عن عناصر يهودية وإسرائيلية في كل ما هو إسلامي، فمن المعروف أن الاستشراق الغربي دار في فلك فكرة أن القرآن الكريم مقتبس من مصادر دينية يهودية، وهي الفكرة التي رغم اعتماد روبين لها فإنه لم يناقشها بنفس وجهة النظر الغربية؛ اذ اعتبر أن القرآن له سمت خاص به وإعجاز لغوي خاص به، ومن الصعب أن يكون في مجمله مقتبس من مصادر أخرى، مركزًا في هذا الصدد على محاولة فهم القرآن من خلال مصادر إسلامية مبكرة ومعتمدة، تتمثل في عدد من التفاسير أو الكتب المرجعية الإسلامية التراثية.

فعلى سبيل المثال أشار روبين في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى أنه حاول رسم صورة قريبة ومن الداخل عن القرآن الكريم لدى القارئ الإسرائيلي البسيط، وبالتالي استعان بعدد من أهم التفاسير الإسلامية المبكرة لتعينه على الترجمة، وهي:

1. تفسير «بحر العلوم» لـأبي الليث السمرقندي، المُتوفَى عام 375هـ/985م.

2. تفسير «زاد المسير» لـعبد الرحمن بن الجوزي، المُتوفَى عام 597هـ/1200م.

3. تفسير «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» لـلقاضي البيضاوي، المُتوفَى عام 685هـ/1286م.

4. تفسير «الجلالين» لجلال الدين السيوطي، المُتوفَى عام 911هـ/1505م، وجلال الدين المحلي، المُتوفَى عام 846 هـ/1459م.

أما في أبحاثه المكتوبة بلغات أجنبية غير العبرية؛ فقد اعتمد روبين على عناصر الإسرائيليات الموجودة في كتب التفاسير الإسلامية والموجودة فيما سماه بالتراث الإسلامي المبكر، لإثبات وجهة النظر الاستشراقية القائلة بوجود تأثر إسلامي بالمصادر الدينية اليهودية، ولم يعتمد في هذا الصدد – كما هو معتاد- في الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية على أسلوب المقارنة أو منهج التأثير والتأثر وحسب بين ما جاء في القرآن الكريم وبعض المصادر الدينية اليهودية لاسيما حول قصص الأنبياء للقول بأن القرآن الكريم مقتبس من اليهودية أو حتى من المسيحية.

بل إنه استخدم أسلوب مقارنة الأفكار الكبرى ببعضها البعض وليست النصوص أو القصص أو الشرائع، بمعنى مقارنة أفكار دينية مشتركة بين اليهودية والإسلام، مثل مكانة الأنبياء، لاسيما مكانة محمد في الإسلام وموسى باليهودية عليهما السلام.

ففي كتابه الذي حمل عنوان: «بين الكتاب المقدس والقرآن: أبناء إسرائيل والصورة الذاتية الإسلامية»

”Between Bible and Qur’an: the Children of Israel and the Islamic Self-Image”, Princeton, 1999 (318 pp.).

استخدم روبين أسلوبه البحثي الخاص لتحري ما اعتبره الدور الذي لعبه كل من اليهود والنصارى في تشكيل «التصورات الدينية والتاريخية المختلفة للمسلمين» إبان مرحلة مبكرة من ظهور الإسلام، إذ إنه قدم هذا الكتاب للمهتمين – من غير المسلمين – بالتفاسير القرآنية والتراث الإسلامي القديم ومعرفة التأثير اليهودي والمسيحي عليهم.

تعرض روبين من خلال الكتاب لتاريخ العلاقات بين يهود ونصارى ووثنيي شبه الجزيرة العربية بالإمبراطورية البيزنطية عن طريق مملكة «الحيرة» العربية في سوريا، ثم ناقش العلاقات بين عرب ما قبل الإسلام ومن سماهم «الإسرائيليين» ويقصد بهم يهود شبه الجزيرة العربية.

كما ناقش روبين ما سماه «قضية الجواسيس» التي يقصد بها دخول بعض الإسرائيليات إلى كتب التفاسير الإسلامية القديمة عن طريق اليهود الذين دخلوا الإسلام عن غير اقتناع، ممثلًا بذلك تفسير الآيات 20-26 من سورة المجادلة، ومستعرضًا من خلال الكتاب كذلك أوجه الاختلاف والشبه بين النظرتين اليهودية والإسلامية لمدينة القدس.

ويقدم في نهاية الكتاب دراسة لتاريخ الفرق الطائفية عند المسلمين وظهور فرق الشيعة والخوارج مقارنًا إياها بنموذج الانقسامات الدينية عند بني إسرائيل.


كيف وظف روبين القرآن سياسيًا؟

ورغم كون روبين ينتمي إلى مدرسة الاستشراق الإسرائيلي، إلا أنه لم يكن امتداد المدرسة الاستشراق الغربي؛ إذ كون مدرسة خاصة به أمدت الغرب بعدد من الأفكار المختلفة عن القرآن الكريم.

ظهر بوضوح استخدام روبين السياسي للقرآن الكريم في «الإسقاطات السياسية» التي كانت في عدد من تعليقات ترجمته العبرية لمعاني القرآن الكريم وهوامشها، ولاسيما المتعلقة منها بالقتال والجهاد والفتوحات الإسلامية.

ظهر بوضوح استخدام روبين السياسي للقرآن الكريم في «الإسقاطات السياسية» التي كانت في عدد من تعليقات ترجمته العبرية لمعاني القرآن الكريم وهوامشها، ولاسيما المتعلقة منها بالقتال والجهاد والفتوحات الإسلامية.

ظهر بوضوح استخدام روبين السياسي للقرآن الكريم في «الإسقاطات السياسية» التي كانت في عدد من تعليقات ترجمته العبرية لمعاني القرآن الكريم وهوامشها، ولاسيما المتعلقة منها بالقتال والجهاد والفتوحات الإسلامية.

ظهر بوضوح استخدام روبين السياسي للقرآن الكريم في «الإسقاطات السياسية» التي كانت في عدد من تعليقات ترجمته العبرية لمعاني القرآن الكريم وهوامشها، ولاسيما المتعلقة منها بالقتال والجهاد والفتوحات الإسلامية.

من أمثلة ذلك تعليق روبين في ترجمته العبرية لمعاني القرآن الكريم، على الآية 5 من سورة التوبة: «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ…»، والتي وصفها بأنها «آية السيف»، وأضاف في هامش الترجمة: هناك من يقولون إن هذه الآية حددت أنه مع نهاية هذه الأشهر، التي يحرم خلالها سفك الدماء، يُهدر دم هؤلاء الكفار الذين لم يكن لهم معاهدات دفاع مع المسلمين.

وقال روبين في إحدى مقابلاته الإذاعية حول ترجمته لمعاني القرآن الكريم للعبرية، وفي إجابته حول ترجمة وتفسير هذه الآية تحديدًا، إن المفسرين المسلمين رأوا أن هذه الآية نسخت كل الآيات التي تدعو إلى الاعتدال في القرآن، رابطًا بين ذلك وما اعتبره النهج الفكري والسياسي السائد في العالم الإسلامي في الوقت الحالي والذي يمثله كل من بن لادن وحسن نصر الله، والذي يتصف بالعنف والوحشية في التعامل مع غير المسلمين، على عكس ما كان سائدًا في فترة العصر الوسيط التي حظي فيها اليهود بالرعاية والأمن في ظل الإسلام.

كما علق روبين في حاشية ترجمته للآية 39 من سورة الحج: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»، بالقول: «يُقاتَلون»، هناك من يقرؤونها وفق تشكيل آخر وهو «يُقاتلِون»، وبالتالي فإن الآية تعطي إذنًا للمقاتِلين وليس للمقاتَلين للخروج إلى الحرب، وهناك من يفسرون أن الآية تبيح للمرة الأولى الحرب المقدسة/ الجهاد، بعد أن كانت محظورة عليهم طوال الوقت لأنهم لم يكونوا أقوياء بالشكل الكافي ليحاربوا .

يشير روبين كذلك في بحثه بعنوان: «بين مكة والقدس: حول المصادر القديمة لقدسية القدس بالإسلام». ”בין מכה וירושלים: על מקורותיה הקדומים של קדושת ירושלים באסלאם“ إلى أن القدس لم تكن ذات مكانة مقدسة لدى المسلمين منذ قديم الأزل، وأنها كانت مكانًا مهملًا وغير مهتم بها سياسيًا أو حتى دينيًا، وأنه لم يظهر لها أي بعد سياسي خلال فترة الاسلام المبكر، مشيرًا إلى الآية 1 من سورة الإسراء: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»، بالقول: هناك بعض الكتب التراثية الإسلامية القديمة التي تقلل من مكانة القدس، وورد بها أن المسجد الأقصى موجود بالسماء وليس بالقدس. مضيفًا – أي روبين- أن القرآن قلب لفظ ”המקדש“ أي «المَعْبَد» بالعبرية إلى لفظ «مَسْجد»، معتبرًا أن ذلك دليل قرآني على الأصل اليهودي للأقصى وللقدس.