محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2016/11/01
الكاتب
جوزيف نيفينز

ينتقل الهندوراسيون الذين يعانون من الفقر والعنف – يشكلون غالبية المشاركين في «قافلة» يقدر عددهم بين 7 و 8 آلاف شخص -، ينتقلون، ببطء عبر المكسيك على أمل الوصول إلى الولايات المتحدة وأن يحظوا باللجوء.

رد الرئيس ترامب بوصفه القافلة بأنها، من بين أشياء أخرى، «حملة عنيفة» و«اعتداء» على الولايات المتحدة. هذه التصريحات التي لا تميز بدقة طبيعة ودوافع المهاجرين، دفعت العديد من وسائل الإعلام إلى دحض ادعاءاته الكاذبة. غالبًا ما يقلل السرد العام للأحداث لمثل هذه التحركات من أسباب الهجرة، إلى عوامل أصيلة في دول المهاجرين الأصلية. في الواقع، غالبًا ما تكون الهجرة دليلًا على وجود علاقة غير متكافئة واستغلالية بشكل عميق بين الدول التي يهاجر منها الناس ودول المقصد.

كما تعلمتُ خلال سنوات عديدة من البحث في مجال الهجرة و شرطة الحدود، فإن تاريخ العلاقات بين هندوراس والولايات المتحدة، هي مثال أساسي على هذه الديناميات، وفهم ذلك أمر حيوي، لجعل سياسة الهجرة أكثر فعالية وأخلاقية.


الجذور الأمريكية للهجرة الهندوراسية

زُرتُ هندوراس لأول مرة عام 1987 لإجراء البحوث، وأثناء تجولي في مدينة كوماياغوا، ظن الكثيرون أني جنديٌ أمريكي، وذلك لأني رجل أبيض ذو شعر قصير في العشرينيات من عمره، هذا بسبب تمركز المئات من الجنود الأمريكيين في قاعدة بالمارولا الجوية القريبة في ذلك الوقت، وحتى قبل وصولي بفترة وجيزة، كان العديد منهم يترددون على كوماياغوا، لا سيما «المنطقة الحمراء» للنساء المشتغلات في الجنس.

يرتبط الوجود العسكري الأمريكي في هندوراس وجذور هجرة الهندوراسيين إلى الولايات المتحدة ارتباطًا وثيقًا، إذ بدأ الأمر أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، عندما أصبحت مقرات شركات الموز[1] الأمريكية الرئيسية هناك. وكما كتب المؤرخ والتر لافيبير في كتابه «الثورات الحتمية: الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى»، قامت الشركات الأمريكية «ببناء السكك الحديدية، وأنشأت أنظمتها المصرفية الخاصة، وقدمت رشاوى للمسؤولين الحكوميين بوتيرة مذهلة»، ونتيجة لذلك، أصبح ساحل البحر الكاريبي «مسيطرًا عليه من الأجانب، والذي أدى بمنهجية إلى تحويل هندوراس بأكملها إلى اقتصاد المحصول الواحد، ونُقلت ثروتها إلى نيو أورليانز ونيويورك وبعد ذلك بوسطن».

بحلول عام 1914، كانت شركات الموز الأمريكية تمتلك ما يقرب من مليون فدان في أفضل أراضي هندوراس، ونمت هذه الحصص خلال عشرينيات القرن العشرين إلى حد أنه – كما يؤكد لافيبير – «لم يكن لدى فلاحي هندوراس أمل في الوصول إلى تربة بلدهم الجيدة». على مدى عقود قليلة، جاء رأس المال الأمريكي أيضًا للسيطرة على قطاعي البنوك والتعدين في البلاد، العملية التي سهلها ضعف حالة قطاع الأعمال المحلي في هندوراس، واقترن ذلك بالتدخلات السياسية والعسكرية الأمريكية المباشرة لحماية المصالح الأمريكية في عامي 1907 و1911.

مثل هذه التطورات جعلت الطبقة الحاكمة في هندوراس تعتمد على واشنطن للحصول على الدعم، وكان ولا يزال العنصر المركزي لهذه الطبقة هو الجيش الهندوراسي، وبحلول منتصف ستينيات القرن الماضي، أصبح – على حد تعبير لافيبير – «أكثر المؤسسات السياسية تطورًا»، وهي مؤسسة لعبت واشنطن دورًا رئيسيًا في بنائها.


عصر ريغان

كان هذا هو الحال خاصة في ظل رئاسة رونالد ريغان ثمانينيات القرن الماضي، ففي ذلك الوقت، كانت السياسة العسكرية والسياسية الأمريكية ذات تأثير كبير، حتى أن الكثيرين أشاروا إلى دولة أمريكا الوسطى بـ «هندوراس الأمريكية» و «جمهورية البنتاجون».

كجزء من جهودها للإطاحة بالحكومة الساندينية في نيكاراغوا المجاورة، و«استعادة» المناطق الخاضعة لسيطرة الحركات اليسارية، عينت إدارة ريغان «مؤقتًا» مثات الجنود الأمريكيين في هندوراس. علاوة على ذلك، درّبت ودعمت متمردي «كونترا» من نيكاراغوا على أراضي هندوراس، مع زيادة المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة إلى الدولة بشكل كبير.

كما شهدت سنوات ريغان إنشاء العديد من القواعد والمنشآت العسكرية الهندوراسية الأمريكية المشتركة. مثل هذه الخطوات عززت عسكرة المجتمع الهندوراسي بشكل كبير، وبدوره،ازداد القمع السياسي، وكان هناك زيادة كبيرة في عدد الاغتيالات السياسية و«حالات الاختفاء» والاعتقالات غير القانونية.

كما لعبت إدارة ريغان دورًا كبيرًا في إعادة هيكلة اقتصاد هندوراس، عبر الضغط بقوة من أجل إصلاحات اقتصادية داخلية، مع التركيز على تصدير السلع المصنعة، كما ساعد ذلك في تحرير وزعزعة استقرار تجارة البن العالمية، التي اعتمدت عليها هندوراس بشدة. هذه التغييرات جعلت هندوراس أكثر استعدادًا لمصالح رأس المال العالمي، إذ عطلت الأشكال التقليدية للزراعة وقوضت شبكة أمان اجتماعي هي أصلًا ضعيفة.

مهدت هذه السنوات من تورط الولايات المتحدة في هندوراس الطريق لهجرة الهندوراسيين إلى الولايات المتحدة، والتي بدأت في الزيادة بشكل ملحوظ في تسعينيات القرن الماضي.

في حقبة ما بعد ريغان، ظلت هندوراس دولة خاضعة لجيش عنيف و انتهاكات هائلة لحقوق الإنسان و تفشي الفقر. مع ذلك، وفرت توجهات تحرير الحكومات المتعاقبة والضغط على المستوى الشعبي فرصًا للقوى الديمقراطية.

على سبيل المثال،ساهمت في انتخاب الإصلاحي الليبرالي مانويل زيلايا، كرئيس عام 2006، والذي قاد إجراءات تقدمية كرفع الحد الأدنى للأجور، كما حاول تنظيم استفتاء للسماح للجمعية التأسيسية بأن تحل محل دستور البلاد، الذي كتبته حكومة عسكرية. مع ذلك، أثارت هذه الجهود غضب الأوليجاركية الحاكمة في البلاد، ما أدى إلى إطاحة الجيش به في يونيو/ حزيران 2009.


هندوراس بعد الانقلاب

يوضح انقلاب 2009، أكثر من أي تطور آخر، الزيادة في هجرة الهندوراسيين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية. لعبت إدارة أوباما دورًا هامًا في هذه التطورات، على الرغم من تنديدها رسميًا بإقالة زيلايا، إلا أنها كانت غامضة حول ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا، الأمر الذي كان سيتطلب من الولايات المتحدة التوقف عن إرسال معظم المساعدات إلى الدولة.

أرسلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون – تحديدًا – رسائل متعارضة، و عملت على ضمان عدم عودة زيلايا إلى السلطة، ما يتعارض مع رغبات «منظمة الدول الأمريكية»، المنتدى السياسي الرئيسي النصف كروي، الذي يتكون من 35 دولة من الأمريكتين، بما فيها منطقة الكاريبي. بعد أشهر من الانقلاب، أيدت كلينتون إجراء انتخابات مشكوك بمصداقيتها، بهدف إضفاء الشرعية على حكومة ما بعد الانقلاب.

تستمر العلاقات العسكرية القوية بين أمريكا وهندوراس، إذ تتمركز المئات من القوات الأمريكية في قاعدة سوتو كانو الجوية، المعروفة سابقًا ببالمرولا، تحت مسمى خوض حرب المخدرات وتقديم المساعدات الإنسانية.

بعد الانقلاب،كتبت المؤرخة دانا فرانك: «رفعت الإدارات الفاسدة المتعاقبة يدها عن السيطرة على الفساد المستشري في هندوراس، بين جميع موظفي الحكومة كبيرهم وصغيرهم». اعتراف إدارة ترامب في ديسمبر/ كانون الأول 2017، بإعادة انتخاب الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز – بعد عملية تتسم بالمخالفات الشديدة والاحتيال والعنف – يستمر هذا تحت رغبة واشنطن قديمة الأزل في التغاضي عن الفساد الرسمي في هندوراس، طالما أن النخب الحاكمة في البلاد تخدم ما يعرف بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية الأمريكية.

تتداخل الجريمة المنظمة وتجار المخدرات والشرطة بشدة، ونادرًا ما تجري المعاقبة على عمليات القتل المتكررة ذات الدوافع السياسية. في 2017، وجدت منظمة «جلوبال ويتنس» – منظمة دولية غير حكومية – أن هندوراس كانت أخطر دول العالم على نشطاء البيئة. وعلى الرغم من انخفاض معدل جرائم القتل التي كانت مرتفعة على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن النزوح المستمر للعديد من الشباب يدل على أن العصابات العنيفة لا تزال تعصف بالأحياء الحضرية.

في الوقت نفسه، كثفت حكومات ما بعد الانقلاب شكلًا متزايدًا من أشكال السوق الحرة للرأسمالية، وهذا يجعل الحياة غير مجدية بالنسبة للكثيرين، عبر تقويض شبكة الأمان الاجتماعي المحدودة أصلًا في البلاد وزيادة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير. على سبيل المثال، انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم في هندوراس، وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل الفقر في البلاد بشكل ملحوظ، ما يساهم في زيادة الضغوط التي تدفع الكثيرين إلى الهجرة.

ماذا سيحدث للآلاف الذين يهاجرون شمالًا الآن؟ إذا كان الماضي القريب مؤشرًا، فمن المحتمل أن يبقى الكثيرون في المكسيك.

ما ستفعله إدارة ترامب في النهاية مع أولئك الذين يصلون إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة غير واضح، وبغض النظر عن ذلك، يثير الدور الذي تلعبه أمريكا في تشكيل أسباب هذه الهجرة تساؤلات أخلاقية حول مسؤوليتها تجاه من يفرون الآن من ويلات السياسات التي ساعدت هي على إنتاجها.


[1] شركات الموز الكبرى متعددة الجنسيات Chiquita و Del Monte و Dole و Fyffes و Noboa، وهي هيكل توريد الموز إلى السوق العالمية.