من وقتٍ لآخر، تتفجّر فضيحة جنسية على مواقع التواصل الاجتماعي، غالبًا، ما يكون بطلها فتاة– أو مجموعة فتيات- تعرضن للتحرش من شخصٍ يتمتّع بشُهرة أو بمنصبٍ عام يجعل إقدامه على هذه التصرفات أمرًا غير متوقع.

أثبتت هذه الطريقة فعاليتها، بعد ما كانت سببًا– في أغلب الأحيان- في إثارة حالة من الجدل حول حادثة التحرش، محل التفاعل الاجتماعي.

ودائمًا، ما نتج عن هذا الجدل حالة تعاطف كُبرى مع الضحايا، وتحركات قضائية لاحقت المتهمين.

فهل يُمكننا اعتبار أن «السوشيال ميديا» بات الخيار الأول لضحايا التحرش، وليس ساحات القضاء؟

السكوت خيارنا الأول

باتت شكاوى الاعتداء الجنسي ضيفًا منتظمًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تكاد تمرُّ فترة زمنية دون أن نقرأ شهادة مكتوبة لإحدى الفتيات، أو نشاهد تسجيلًا مصورًا لأخرى تتحدث فيه عن حالة التحرش التي تعرضت لها في الشارع، أو من أحد الأصدقاء، أو حتى من الأقارب.

لزمن طويل، كانت أغلبية الفتيات تفضل السكوت، ووفقًا للإحصائيات فإن أقل من 25% من حالات الاعتداء الجنسي يتم إبلاغ الشرطة بها.

الآن منحت مواقع التواصل الاجتماعي القُدرة للفتيات على مشاركة قصصهن على نطاق واسع، ما يسمح لشكواهن بالوصول إلى أعمق طبقات المجتمع، لأشخاص ربما لا تعرفهم بالأساس ولم يتقابلوا معًا أبدًا، لكنهم يتأثرون معها بشدة، وربما يقترحون حلولاً لها.

نتكلم حتى نتخلص من آثار الصدمة

حتى نفهم سبب لجوء النساء لمواقع التواصل الاجتماعي، علينا معرفة الآثار النفسية للاعتداءات الجنسية على النساء.

أبرز هذه الأعراض، هي: الشعور بالإهانة، الانتهاك الجسدي، الخزي، الغضب، العجز، والكراهية.

هذه الأعراض تتحدّ معًا، لتُسبِّب للضحية ما يُعرف بـ«حالة اضطراب ما بعد الصدمة»، هذا الاضطراب، بدوره، يُسبِّب للضحية العديد من الأعراض السلبية الإضافية، مثل:

  • استعادة ذكرى الحادث بشكل متكرر، بما في ذلك استعادة مشاعر الخوف والألم.
  • اليأس من وجود مستقبل أفضل لا تسيطر عليه ذكرى الحادث.
  • الابتعاد عن الأصدقاء والأسرة والشعور بعدم جدوى العلاقات الشخصية.
  • مشاكل في النوم والتركيز والعمل.
  • الخوف بشكل مستمر.
  • سهولة الاستثارة والشعور بالغضب لأقل الأسباب.

وتستمر هذه الأعراض في الوجود ما لم تلجأ الضحية للعلاج النفسي للتخلص منها.

أثبتت عدة أبحاث نفسية، أن من أفضل الطرق لمواجهة هذه الآثار السلبية هي التحدث عن الجريمة وتفاصيلها، حيث يساعد هذا الأمر على التخلص من الشعور بالخزي والذنب، وتسمح للضحية باستعادة السيطرة على حياتها.

عقلية لوم الضحية

على الرغم من تأكيد الدراسات النفسية أهمية مصارحة الفتيات بتعرضهن لحالات اعتداء.

تشير الدراسات الاجتماعية، بخصوص المصارحة، إلى أن أغلبية النساء اللاتي قمن بمصارحة الأهل، تعرضن لردود فعل سلبية تراوحت بين لوم الضحية، الاتهام بالكذب، أو التقليل من شأن ما حدث.

وهنا يجب الإشارة، إلى أن ردود الفعل السلبية تلك لا تقتصر على دولة معينة، أو ثقافة معينة، أو مستوى اجتماعي معين، بل تتشابه في كل مكان على الأرض.

ومن واقع هذه الدراسات، يُمكننا تفهم أسباب عدم لجوء ضحايا الاعتداء الجنسي للأهل لطلب المساعدة.

لكن لماذا لا يتوجهن للهيئات القضائية مُباشرة؟

عدم كفاءة النظام القضائي

كشفت دراسة أُجريت في كندا، أن أقل من 10% من حالات الاعتداء الجنسي التي يتم إبلاغ الشرطة عنها تصل إلى المحكمة، وأقل من 5% يحصل فيها المعتدي على حكم بالسجن.

وفقًا للدراسة، فإن النساء، بشكلٍ عام، يتهيّبن التعامل مع الأجهزة القضائية، ويعتبرن أن أعضاءها– أغلبهم رجال- لن ينصرونهن على مرتكبي الجريمة- الرجال.

رسّخ هذا الشعور عند النساء– محل الدراسة- أنهن عرفن أن ضحايا التحرش تعرض في أقسام الشرطة لنفس ردود الفعل السلبية، التي تعرضوا لها من الأهل.

فغالبًا ما لا يستطيع رجال الشرطة التفاعل مع بلاغات الاعتداء الجنسي بفاعلية، بسبب الطبيعة الخاصة لهذه النوعية من الاتهامات، والتي يصعب في أغلب أحيانها الحصول على أدلة جنائية قاطعة تثبت ارتكاب المتهم للجريمة.

وفي غياب هذه الأدلة، لا تستطيع الأجهزة القضائية القيام بدورها كما يجب.

مواقع التواصل الاجتماعي: مصارحة وعلاج

في الماضي، وفي ظِل عدم فعالية اللجوء إلى الأهل أو الشرطة، فضّلت النساء الصمت كلما تعرضن لمثل هذه الحوادث، وهو ما تغيّر في السنوات التالية.

بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، باتت القُدرة على مشاركة هذه الضحايا أسهل.

فالدوائر الاجتماعية التي تُحيط بالضحية، توفّر بيئة آمنة، إلى حدٍّ ما، تستطيع فيها الضحية أن تشرح ما حدث لها، دون أن تضطر للتعامل مع نظرات اللوم أو الاستهزاء، بل في الغالب ستجد دعمًا من النشطاء والأصدقاء في الفضاء الرقمي بشكل لم يكن ليحدث أبدًا في العالم الحقيقي.

تشير الدراسات النفسية إلى أن التواصل مع ضحايا آخرين، والشعور بالانتماء للجماعة، حتى وإن حدث عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، يقلل من الشعور بالوحدة والعجز، كما يعطي الضحية شعورًا بالقوة وبقدرتها على تخطي الأمر والاستمرار في حياتها بشكل طبيعي، كما يساهم في تقليل أعراض إضراب ما بعد الصدمة بشكل كبير.

ولأن هذه المواقع، تُسهّل التواصل مع عدد كبير من الناس، قد يصل عددهم إلى الملايين بشكل عابر للحدود، فإن التأثير الإيجابي لمثل هذه المصارحات يكون أكبر بكثير من أي تأثير تحصل عليه الضحية من بعض الأصدقاء المتفهمين خارج نطاق مواقع التواصل الاجتماعي.

في دراسة أجريت 2020، أكدت أن الحملات الإلكترونية للتضامن مع ضحايا الاعتداءات الجنسية ساعدت الضحايا كثيرًا.

أسهمت هذه الحملات في زيادة الثقة بالنفس، والشعور بالقدرة على مواجهة الحياة بعد الحادث، كما أسهمت بشكل كبير في إزالة الشعور بالخزي بشكل كامل، وتحويل المشاعر السلبية لدى الضحايا إلى مشاعر إيجابية وطاقة للعمل من أجل مستقبل أفضل.

كما ساعدت هذه الحملات الإلكترونية النساء عامةً– حتى من لم يتعرضن لحوادث تحرش- فوفقًا للدراسات رفعت هذه الحملات من معدلات الشعور بالأمان والثقة، وتطور الأداء الوظيفي والدراسي، وانخفاض معدلات الشعور بعدم الكفاءة.

وترجع هذه الآثار الإيجابية إلى حقيقة احتياج البشر بشكل عام للشعور بالقبول من المجتمع المحيط بهم، وهي مشاعر يحصل عليها الضحايا بشكل مكثف، وفي وقت قصير، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

بينما يصعب كثيرًا الحصول عليها في نطاق حياتهن الاجتماعية خارج نطاق الفضاء الرقمي، ففي أفضل الأحوال، عندما لا تتعرض الضحية للوم والتقريع، فإنها تتعرض لمشاعر الشفقة والأسى، وهي مشاعر سلبية تدفعها أكثر نحو الانعزال عن المجتمع ككل.

بسبب هذه المزايا النفسية الكبيرة، بدأت مجموعات كبيرة من النساء اللاتي اخترن الصمت في الماضي، أن يتحدثن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن العديد من الحوادث القديمة، ليفرغن شحنة سنواتٍ من الكبت والشعور بالذنب والخزي، أملاً في إزاحة هذا العبء النفسي عن صدورهن، وتجاوزهن مشكلة حسبن أنها لن تفارقهن أبدًا.

المراجع
  1. National Sexual Violence Resource Center (2000)
  2. (2) DiMauro, J., & Renshaw, K. D. (2021). Trauma-Related Disclosure in Sexual Assault Survivors’ Intimate Relationships: Associations With PTSD, Shame, and Partners’ Responses. Journal of Interpersonal Violence, 36(3–4), NP1986-2004NP.
  3. Mayo Clinic. (2018, July 6). Post-traumatic stress disorder (PTSD) – Symptoms and causes. Mayo Clinic; Mayo Clinic.
  4. Feiring, C., & Taska, L. S. (2005). The Persistence of Shame Following Sexual Abuse: A Longitudinal Look at Risk and Recovery. Child Maltreatment, 10(4), 337–349.
  5. (5) Filipas, H. H., & Ullman, S. E. (2001). Social reactions to sexual assault victims from various support sources. Violence and Victims, 16(6), 673-92. Retrieved from
  6. صالح، سعاد.  جريدة الأمن والحياة، عدد 374، ص 50، تحقيق التحرش الجنسي.pdf (nauss.edu.sa)
  7. (7) Rotenberg, C. (2017, October 26). This Juristat measures the ‘fall-out’ of sexual assault cases in the Canadian criminal justice system in order to provide vital context for how sexual assaults are handled in the justice system. Retrieved from
  8. Banks, Amy. (2018, January) #MeToo—Changing Brains, Relationships and Power Dynamics | Psychology Today Canada. (n.d.). Www.psychologytoday.com. Retrieved June 19, 2021.
  9. Alaggia, Ramona, Wang, Susan (2020). “I never told anyone until the #metoo movement”: What can we learn from sexual abuse and sexual assault disclosures made through social media? Elsevier Child Abuse & Neglect, Volume 103.