استيقظ متابعو وسائل التواصل الاجتماعي صباح يوم الإثنين على تغريدة للكاتب الصحفي والعضو البرلماني مصطفى بكري المقرب جدًا من الأجهزة الأمنية، أعلن خلالها انتحار المستشار وائل شلبي، الأمين العام لمجلس الدولة، والذي كان قد تم قبول استقالته من المجلس والقبض عليه من قبل هيئة الرقابة الإدارية على خلفية اتهامه بتلقي رشوة فيما بات يُعرف بقضية الرشوة الكُبرى بمجلس الدولة، إلا أن الملابسات الغامضة لواقعة وفاته أثارت شكوك الكثيرين من المتابعين للقضية.


بداية القصة

بدأت القصة باقتحام قوة من هيئة الرقابة الإدارية يوم الثلاثاء الماضي 27 ديسمبر/كانون الأول لمنزل مسؤول المشتريات بأحد الجهات الحكومية والعثور على مبالغ ضخمة تنوعت بين ملايين الجنيهات المصرية وملايين أخرى من الدولارات وغيرها من العملات الأجنبية والمشغولات الذهبية، إذ تحفظت المصادر في بداية الأمر على اسم المتهم والجهة التي يعمل بها، ليتضح بعد ذلك أن «مغارة علي بابا» كما وصفها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تخص جمال الدين محمد إبراهيم اللبان، مدير عام مشتريات مجلس الدولة، ليتم اتهامه بالرشوة بالاشتراك مع 2 من ملاك الشركات، لتتسع دائرة الاتهام شيئًا فشيئًا.

عقب تلك الواقعة أصدر مجلس الدولة بيانًا قال فيه إن المتهم يعمل موظفًا إداريًا بمجلس الدولة وليس من أعضاء الهيئة القضائية، وأن المبالغ التي تم ضبطها مع المتهم تخصه ويقع عليه عبء إثبات مصدرها، وهو البيان الذي وصفه عدد من قُضاة مجلس الدولة لـ موقع الوطن بالضعيف ولا يُحقق الآمال من المؤسسة العريقة التي من المفترض منها حماية الحقوق والحريات، مُشيرين إلى أن البيان حاول تبرئة ساحة المجلس من المتهم كما لو أنه يعمل بجهة أخرى غيره.

وأضافوا أن المتهم يشغل وظيفة مدير عام المشتريات بالمجلس وحاصل على تفويض من الأمين العام بعمل كل شيء؛ مثل شراء فرش الديوان العام وفروع مجلس الدولة بالمحافظات، والطباعة لمستلزمات القضاة، وأجهزة التكييف وجميع المشتريات كان مفوضًا فيها، ووسيط بين المتعاقدين وبين إدارة المجلس، وكل الطلبات يؤشر عليها الأمين العام بعبارة «السيد جمال اللبان لاتخاذ اللازم».

إلا أن أهم ما جاء في تعليق القُضاة الذين رفضوا ذكر أسمائهم، أن المتهم كان يتمتع بكل تلك الصلاحيات وفق عضويته في لجنة المشتريات بالمجلس والتي يرأسها الأمين العام للمجلس ويشغل هو عضويتها بالاشتراك مع المستشارين محمد نشأت وإسلام محروس، والأخير هو من قام بكتابة البيان «الضعيف» وتوزيعه على منتديات التواصل بين قضاة مجلس الدولة، مُتعجبين من إصدار بيان باسم مجلس الدولة من اللجنة الواجب إقالتها ومحاسبتها.


قضية رأي عام

وخلال كلمته أثناء افتتاح مشروع الاستزراع السمكي بالإسماعيلية علق عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية على الواقعة قائلاً: «لابد أن تكون هذه قضية رأي عام لأنها تثبت محاولات الدولة لمحاربة الفساد»، وهو ما تم بالفعل.

بعد أن أعلنت جهات التحقيق تورط شخصيات إدارية بمجلس الدولة في القضية بينهم شخصية إدارية قيادية، ليستدعي رئيس المجلس الأمين العام ويُطالبه بالاستقالة بناءً على خطاب من نيابة أمن الدولة العليا تُفيد بتورطه في القضية، ليصدر المجلس الخاص بمجلس الدولة عقب ذلك قرارًا بقبول استقالة الأمين العام للمجلس المستشار وائل شلبي، وتعيين المستشار فؤاد عبد الفتاح منتدبًا للقيام بمهام الأمين العام، والذي أعقبه زيارة من رئيس مجلس الدولة ونائبه المستشار يحيى الدكروري للنائب العام المستشار نبيل صادق في مكتبه صباح يوم الثلاثاء سلماه خلالها طلبًا برفع الحصانة عن الأمين العام.

وذلك وفق ما نشره أيضًا مصطفى بكري، على حسابه الرسمي بموقع تويتر، والذي أضاف بأن قوة من هيئة الرقابة الادارية قامت بتفتيش عدد من المكاتب بالمجلس، ثم قامت بالقبض على المستشار وائل شلبي عقب خروجه من المجلس بعد رفع الحصانة عنه.


وائل شلبي: الرجل الحديدي بمجلس الدولة

ظهر اسم المستشار الراحل وائل شلبي خلال مذكرة تقدم بها عدد كبير جدًا من قضاة مجلس الدولة في مارس/آذار 2011 للمجلس العسكري والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء حينذاك، تتهمه هو وعددًا من قضاة المجلس بالتربح من وظائفهم والجمع بين عدد كبير من الوظائف.

حيث ذكر القضاة وفق ما قالته مصادر قضائية لـ موقع الوطن أن شلبي كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس فضلاً عن ندبه إلى أكثر من 10 جهات حكومية منها المستشار القانوني لجامعة المنوفية وعضو مجلس إدارة شركة الاتصالات، ممثلاً عن مجلس الدولة، وعضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك ممثلاً عن المجلس موجهين له تهم الاشتراك في ضياع حقوق المستهلكين فضلاً عن كونه مستشارًا قانونيًا لمحافظ الشرقية وأمين عام مجلس الدولة سابقًا المستشار يحيى عبد المجيد المقرب من المخلوع، والذين قالوا إن شلبي يمثل ذراعه الأيمن، وهو الذي تبناه وألحقه بالمكتب الفني لرئيس مجلس الدولة.

إضافة إلى عضويته في اللجان الضريبية ومجالس التأديب التي يشارك فيها إضافة إلى كونه المتحكم في حركة الانتدابات والإعارات للمستشارين داخل المجلس، واتهامه بإهداره المال العام من خلال التوريدات وإخفاء جميع العمليات المحاسبية الخاصة بالمجلس وإقراره للعديد من العمليات بالمخالفة للقانون من بينها إسناد تجديد المقر الرئيسي لمجلس الدولة لإحدى شركات المقاولات بالأمر المباشر.

فضلاً عن توريد الأثاث المكتبي ومستلزمات المقار وهدايا رأس السنة الميلادية وغيرها مع سرية هذه المحاسبات، وأكد القضاة في مذكرتهم بأن شلبي يحصل على أرباح سنوية تتجاوز عشرات الملايين، فحصل -مثالاً- على أرباح سنوية من جهاز الاتصالات عام 2009 بلغت المليون ومئة وسبعين ألف جنيه.

ورغم كل تلك الاتهامات وغيرها التي تجددت في الأعوام التالية حافظ الراحل على منصبه ومكانته حتى تم ترقيته لمنصب أمين عام مساعد للشؤون المالية والإدارية في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ثم منصب الأمين العام للمجلس في مايو/أيار 2015، إلى أن جاءت قضية الرشوة التي أطاحت به من المجلس قبل أن تُطيح به من الحياة.

إلا أن الغريب في واقعة وفاته أن بعض المواقع قد تداولت تهديده بالانتحار أثناء التحقيق معه مساء أمس، وهو ما يستدعي تشديد الرقابة عليه أثناء حبسه إن كان قد قال. كما أن أ خبارًا قد تم تداولها قبل ساعات من وفاة شلبي أفادت برفض النائب العام لحظر النشر في القضية، إلا أن قرارًا بحظر النشر قد صدر منه بعد ساعات من خبر الوفاة.

ووفق شهادة بعض قُضاة المجلس فإن شلبي واللبان كانا يقومان بتلك الأعمال بناءً على عضويتهما في اللجنة التي تضم كلاً من المستشارين محمد نشأت وإسلام محروس وهما لم يتم ذكر اسميهما في القضية حتى الآن.

كما أن وقائع القضية برمتها تأتي متزامنة مع نظر مجلس الدولة لواحدة من أهم القضايا في تاريخ مصر، وهي قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، التي حكمت محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية واحتفاظ مصر بالجزر وهو ضد ما تسعى إليه السلطة والنظام في مصر، ومع اقتراب المحكمة الإدارية العليا للحكم في القضية نهائيًا خلال هذا الشهر

كما أنها تأتي متزامنة مع الخلاف الحاد بين مجلس الدولة وكتلة كبيرة داخل البرلمان معروف عنها صلتها بالأجهزة الأمنية على مشروع قانون الهيئات القضائية، والذي كان قد أصدر نادي قضاة مجلس الدولة بيانًا برفضه ووصفه بـ«المشبوه».

كما أشار أحد المتابعين ويُدعى «أحمد عياد» بأن الحجز داخل الرقابة الإدارية يكون مزودًا بكاميرا مراقبة قائلاً: «بما إني صاحب تجربة.. هقولك إن الحجز بتاع الرقابة قانوني.. لأنه صادر بيه قرار من وزير الداخلية.. من أيام قضية الحباك.. وظروفه الإنسانية أفضل بسنين ضوئية من سجون الداخلية.. كل محتجز في غرفة صغيرة لوحده.. الغرفة بها سرير ومكتب ومروحة.. وكاميرا! كاميرا واخد بالك إنت لكنه فقط مكان احتجاز لحين استكمال التحقيقات.. بعدها بيشحنوهم عَى طرة».

كما شكك الكثيرون من المتابعين في واقعة الانتحار لصعوبة أن يقوم الراحل بقتل نفسه مستخدمًا كوفية مع ضخامة جثته، ومتشككين في أن يكون هناك أسماء ورموز أكبر لها يد في ذلك الحادث لإخفاء بعض الحقائق على شاكلة فيلم «واحد من الناس».