ربما لن نندهش ولو قليلاً حين تلتقط آذاننا كلمة طلاء أظافر إسلامي فقد اعتادت نفس الآذان من قبل: بادي «إسلامي»، ومايوه «إسلامي»، وأيضًا بنك «إسلامي». لم يتم إطلاق كلمة «إسلامي» علي الشيء هباءً منثورًا، فالكلمة تستهدف فقط من يبحث عنها ويتشبث بها حتى لو كانت فارغة المضمون فتأتيه على طبق من فضة وتعفيه من حرج الوقوع فيما اعتقد سابقًا أنه من المحرمات، وتصبغ تلك المحرمات بصبغة دينية تمكّن المتلهفين على فعل الشيء من فعله دون تردد أو شعور بالذنب، كما يقول المثل الشعبي: «علّقها في رقبة عالم واطلع سالم».

ظهرت البنوك الإسلامية في مصر في فترة السبعينات وروّجت لفكرة توافقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية في جميع المعاملات والمنتجات التي توفرها لعملائها، سواء كانت هذه المنتجات ودائع استثمار أو صكوك استثمار إسلامية أو حسابات توفير. كما يلبي البنك الإسلامي مختلف احتياجات التمويل الخاصة بالعميل من خلال توفير العديد من الخيارات مثل: المرابحة (عقد التكلفة الإجمالية)، المشاركة (المشاريع المشتركة) والإجارة (التأجير)، فضلاً عن توفر خيارات إسلامية لخطاب الضمان وخطاب الاعتماد والبطاقات المغطاة التي يتم تغطيتها. وللبنك الإسلامي هيئة فتوى ورقابة شرعية تتكون من فقهاء الشريعة ذوي الإلمام المصرفي والقانوني والاقتصادي، حيث يصدرون الفتاوى والقرارات الشرعية بخصوص جميع جوانب المعاملات المصرفية القائمة والجديدة. وفيما يعتبر تناقضًا لفكرة تلك البنوك الأساسية وهي تحريم الربا أخذًا أو عطاءً، تكشف القوائم المالية لتلك البنوك استثمارها مبالغ ضخمة من أموال المودعين بنسبة تصل إلى 43% في أدوات دين حكومية وتحديدًا في أذون الخزانة التي تعتمد عليها الدولة في تمويل عجز الموازنة العامة وذلك في مقابل فائدة ثابتة محددة سلفًا تحصل عليها تلك البنوك فيما تدفع البنوك لعملائها عائدًا متغيرًا.

لطالما اهتم المصريون بجميع مظاهر التدين وخصوصًا اهتمامهم بالملابس المحتشمة للنساء، كما أن أكبر أمل لدى المصريين إذا سألتهم خصوصًا كبار السن هو حج بيت الله الحرام، ويحرص المصريون على تحفيظ أبنائهم ما تيسر من القرآن وكل ذلك له بعد تاريخي قد يتمثل في امتلاكنا لأهم جامعة إسلامية في العالم وصنعنا لكسوة الكعبة حتى عام 1962. وقد أجبر أحمد نظيف في عهد مبارك على التراجع عن التصريح بعلمانية الدولة بعد غضب مبارك نفسه من التصريح!، لكن مظاهر التدين تلك لم تمنعنا من احتلال المرتبة 88 من أصل 168 دولة على مؤشر الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية العام الماضي، ولم تمنعنا من احتلال المرتبة الثانية عالميًا في التحرش بنسبة تتجاوز 64% من نساء مصر إلى الحد الذي قد لا تستطيع أي امرأة -مهما كان زيّها- أن تمشي آمنة في الشارع دون أن ينتظرها متحرش والذي غالبًا ما يبرر فعلته النكراء بأزياء النساء المثيرة!، وفي أحيان كثيرة يجد من يتعاطف مع ذلك التبرير ليتحول الجاني إلى ضحية واستنادًا على أساس ديني أيضًا!. وإذا ولّينا وجوههنا أقصى اليمين فسنجد أن الدواعش وغيرهم من الجماعات المتطرفة يلجأون لتأويلات خاطئة في النصوص الدينية لتبرير وحشية وعنف يتبرأ الإسلام منها كقتل المصريين في ليبيا، أما إذا ولينا وجوههنا يسارًا فستجد فتوى لأحد الأزهريين يعتبر فيها الراقصة التي تموت أثناء عملها «شهيدة»، فالكل بحاجة إلى غطاء ديني لأفعاله أيًّا ما كانت ومن ثَمّ ينطلق كما يشاء يمينًا ويسارًا.

ربما يسعى كثيرون في كل زمان ومكان وكل دين إلى التدين؛ إما حبًا في الدين فقط وربما سعيًا أيضًا لاكتساب ذلك اللقب الجذاب «متدين» حسب أصول وتعاليم كل دين خصوصًا إذا كان ذلك اللقب وما يتبعه من احترام وتبجيل من المحيطين لن يكلف صاحبه أي عناء أو مشقة سوى إضافة بعض الرتوش للملابس والمظهر والتلفظ ببعض العبارات الدينية. وفي الشارع قد تجد السباب والحدة والعنف لأتفه الأسباب كما قد تجد استعلاءً من بعض «الملتزمين بزي ديني» على من سواهم واعتبارهم أشد خطأً من امرأة العزيز. وعلى الجانب الآخر قد تجد تربصًا واضحًا من «غير الملتزمين بالزي الديني» بكل من هو ملتزم بهذا الزي علي اعتبار أنهم -أي الملتزمين- لابد ألا ينقصهم سوى أجنحة الملائكة وعليهم ألا يخطئوا أو يغضبوا كباقي البشر وإلا اعتبروا أشد نفاقًا من عبد الله بن أبي بن سلول!.

يعدّ الدين البوابة الأقرب لقلوب المصريين وعقولهم ومن ثمّ اختراقها وبث ما لا يخطر على قلب بشر من أفكار. وليكتسب المتحدث في الدين جاذبية، فغالبًا ما يلجأ لكلمتين: حرام، وغير شرعي؛ خصوصًا إذا طل علينا المتحدث عبر شاشة التلفاز فسيجد آلاف الآذان المنصتة والعقول الخاضعة المستسلمة إلى أن نهي أحدهم عن تعليم البنات فوق الإعدادي لما يراه من خطر الاختلاط المحرم بالشباب -فيما لم يطالب هذا الشخص الحكومة مثلاً بتوفير جامعات خاصة بالبنات-، كما أن هذا الشخص نفسه وكل من على شاكلته يسارع إلى طبيبة حين تمرض زوجته، ويرفض الذهاب بها إلى طبيب، فلا أعلم كيف السبيل لتحقيق الشيئين معًا؟!، وعادة يلوم هؤلاء «المُحرِّمين» على المرأة دومًا أي فساد أخلاقي في المجتمع متناسين عن عمد أن الدين الإسلامي جعل القوامة في يد الرجل وأنه هو المنوط به إصلاح من يفسد في أسرته.

ومع اتساع رقعة المحرمات، ولأن النفس البشرية بطبعها تمل القيود وتسعى إلى التهرب منها ولكن لابد أن يتم ذلك دون نزع ورقة التوت بالكامل، يلجأ كثيرون إلى الميسِّرين «الوسطيين» كما يطلقون على أنفسهم، والذين غالبًا لن نجد في قواميسهم وجودًا كبيرًا لكلمة حرام، وغالبًا ما يقدمون وجبتهم الدينية على شكل نصائح أطباء التخسيس، فإذا التزمت فبها ونعمة، وإذا لم تلتزم فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ومنهم من حاد عن هذا الطريق ووصل به الأمر إلى ادعاء أن الخمر حلال ما لم تسكر!؛ لذلك ربما ليس علينا أن نتعجب إن سمعنا يومًا ما عن خمر تُتبَع بكلمة «إسلامي».

قد يتبع بعضنا نهج «المحرِّمين»، وقد يتبع آخرون نهج «الوسطيين»، أو قد ينتهج البعض أحدهما أحيانًا ثم يتركه ويذهب للآخر أحيانًا أخرى حسب الأهواء والظروف، فلا يعنينا في الأمر سوى كلمة حلال أو حرام ولا نكترث كثيرًا علام استند قائلها من أسانيد شرعية تدعم فتواه وتدحض فتاوى الآخرين، طالما في الأمر ولو قليل من التصبّغ بالدين وتلقت آذاننا كلمة «إسلامي».