بين قتلٍ وتشويه، اعتداءات جسدية وأخرى جنسية، تعذيب وتجنيد إجباري، تتراوح تفاصيل حياة ما يُقارب من 350 مليون طفل يعيشون تحت وطأة النزاعات والحروب في بقاع العالم المختلفة.

يواجه هؤلاء يوميًا أخطارًا جمّة تتعدى حدود الألم الجسدي إلى وجع الروح وانهيار الذاكرة والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. ففي سوريا، والتي جاءت في مقدمة أكثر بلدان النزاعات والحروب انتهاكًا لحقوق الطفل، أُجبر الأطفال على أن يكونوا جزءًا من صراعات الحكم والسياسة، قهرًا حملوا على أكتافهم النحيلة السلاح.

وفي اليمن، يموت الأطفال جوعًا ويُستغلون في سوق العمل بشكلٍ مهين، كما يُحرمون من التعليم ويعانون من سوء التغذية وأمراض خطيرة، هناك أيضًا يتم تجنيدهم واستخدامهم لأغراضٍ عسكرية من قبل الحوثيين، ويُزجون في نزاعات القوة دون أن يملكوا سبيلًا للنجاة.


الحرب على الأطفال

الأطفال في أحاديث الأرقام التي تُصدرها المؤسسات المعنية بالطفولة في مناطق النزاع كـ «اليونيسيف»، يواجهون اضطهادًا يفوق قوتهم البدنية والنفسية، فداخل سوريا حُرم أكثر من 3 مليون طفل من التعليم بسبب القصف والتدمير، بينما استُغل 60% منهم في سوق العمل ما أضر بصحتهم، وفي اليمن بات نحو 1 مليون و700 ألف طفل عرضة لخطر سوء التغذية، فيما انقطع 1 مليون و800 ألف طفل عن التعليم بشكل مؤقت أو دائم جراء إغلاق المدارس واستهداف بعضها، كما ارتفعت حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل المجموعات المسلحة في تولي الحواجز وحمل السلاح.

وتقول منظمة «أنقذوا الأطفال» الدولية الخيرية في تقريرٍ لها بعنوان «الحرب على الأطفال»: إن طفلاً من بين ستة أطفال في العالم يعيشون في مناطق تشهد نزاعات وحروب، وأن أعدادهم تزايدت بنسبة 75% خلال السنوات الـ 25 الأخيرة.

ويُبين التقرير أيضًا أن أكثر المناطق التي يتعرض لها الأطفال للخطر هي بقعة تمتد لمسافة 50 كيلو مترًا في منطقة الشرق الأوسط؛ تبدأ من سوريا والعراق وتمر باليمن وتتجه إلى ليبيا. أما على صعيد العالم، فتتصدر دول: سوريا وأفغانستان والصومال، ترتيب الدول العشر الأكثر خطورة، فيما يذكر تقرير آخر أن نسبة الأطفال المشوهين تزايدت منذ عام 2010 بسبب الحروب حتى وصلت إلى 300% تقريبًا.

وبحسب «هيل ثورنينغ شميدت»، المديرة التنفيذية لمنظمة «أنقذوا الأطفال»، فإن هناك زيادة صادمة في عدد الأطفال الذين نشأوا في مناطق نزاع ويعانون من أشياء يجب أن لا يواجهها الأطفال، كاستخدامهم في عمليات انتحارية وتعرضهم لانتهاكات جنسية، ما يوجب العمل على إنهاء كل هذه الانتهاكات التي تـرتكب بحق هؤلاء الأطفال، والالتزام بالقوانين والمعايير الدولية ومحاسبة المسئولين عنها.


وهج الحروب لم ينطفئ

يُشبّه أخصائيو علم النفس ذاكرة الطفل بقطعة الإسفنج، فالأخيرة إن قطرت عليها الماء امتصته في تجاويفها، وكذلك ذاكرة الأطفال تُبقي الأحداث والشواهد حية بداخلها حتى أنها تكبر معهم مما يُدمر نفوسهم.

فـ «ملك» ابنة الـ 12 عامًا ما زالت تحفظ في ذاكرتها يوم أن أُخرجت وعائلتها من بيتها نتيجة لقصف منزل جيرانهم في حرب 2014 في قطاع غزة، لقد مرت سنوات أربع لكن ذاكرتها ما زالت تئن من وطأة ما شهدت وما عايشت، لبضع ثوانٍ تسترجع مشاهد القصف فيشحب لونها ويختلج قلبها شعور الخوف والرهبة، تقول:

رغم مرور السنوات، إلا أني حين أتذكر الحرب، أعيش الحدث المفجع بشكل حقيقي.

وبحسب والدتها فقد عانت ملك بعد انتهاء الحرب من اضطرابات في النوم، أحيانًا تستيقظ على أحلام مفزعة، وأحيانًا أخرى لا يأوي النوم إلى جفنيها بهدوء، وتُشير أن ابن شقيقتها واسمه «أحمد»، ويكبر ابنتها بعامين، واجه نفس الاضطرابات بسبب مشاهد الحرب والدمار والقصف المتكرر، فكان يتجنب الخروج من البيت حتى لا يُشاهد الدمار، كما أنه لم يستطع لفترة عامين تاليين التركيز على دروسه، وكان يجد صعوبة في الانخراط في اللعب مع أقرانه، والأفظع أنه أضحى يُستفز بشكل مستمر، وتؤثر به أقل ضوضاء وتكون ردة فعله تمامًا كالتي يُبديها من يتعرض لحادث.

وتتشابه هذه العوارض تمامًا مع تلك التي يُعانيها الأطفال في مناطق النزاع الحالية في اليمن وسوريا والصومال وليبيا والعراق وغيرها، فـ «محمد عبد الله» 15 عامًا من اليمن، يُخبر أن ما تعرض له في وطنه يُشبه أي سوء يتعرض له أطفال العالم في الحروب، لكن ما يزيده ألمًا أنه كان أداة من أدوات الحرب، إذ أُجبر على القتال في صفوف الحوثيين.

لا يكاد محمد ينسى أنه واجه الموت أكثر من مرة ونجا بأعجوبة، وهو ما دفعه للخروج من عتمة الحرب إلى رحابة التأهيل، فقرر أن يُسلم نفسه للقوات الموالية للحكومة الشرعية، عله يتخلص من الخوف والقلق اللذين لازماه منذ بدء الحرب، يقول:

الآن أصبحت بحالٍ أفضل كثيرًا بفضل عمليات التأهيل التي خضعت لها، وكان لها الأثر في فهمي حقوقي وإدراك مخاطر الانخراط في صفوف المقاتلين، وانعكاسات ذلك على مستقبلي ومستقبل المحيطين بي.

وفي سوريا حدثني طفل في السادسة عشر من عمره، كان قد خرج من دمشق قبل عامين مع عائلته واستقر بهم الحال عند أحد الأقارب في قطاع غزة، أن الحرب السورية جعلت الأطفال هناك شُهداء وشاهدين على المجازر التي يرتكبها النظام، يقول:

كنت في الثانية عشر حين أُصبت في هجوم بالصواريخ على منزلنا وحيّنا جميعه، كان المكان مُشبعًا بالدم ورائحة الصواريخ والبارود.

استشهد وقتها صديقه براء، بينما هو أصيب بشظايا بعضها لا تزال تستقر في جسده، ويستكمل: «لم تبرح مشاهد الحرب ذاكرتي، أشعر بالخوف والحزن كثيرًا وأخشى دومًا من تكرر المأساة معي هنا في موطني الجديد». وحين يخلد للنوم يرى أحلامًا يصفها بـ «المرعبة»، ولا تخلو من صوت الطائرات والصواريخ التي تنفجر والأشلاء التي تتناثر في كل مكان.