على إحدى الجروبات الشهيرة على فيسبوك لطلب. الاستشارات الطبية:

أرجوكم يا جماعة عايز رد بسرعة بلييييز. والدي كان منفعل شوية، فجاله وجع في صدره، وتعبان أوي، هو كده عنده ايه يا جماعة حد يساعدني ….

تعليق 1: فيه لزقة للصدر كنا بنحطها لوالدي وكانت بتريحه أوي، اسألي عليها في الصيدلية ( 41 إعجابًا).

تعليق 2: خليه ياخد قرص كيتوفان ويطلع البلكونة يشم هوا نضيف، وهو هيبقى تمام. ( 166 إعجابًا)

تعليق 3: ألف سلامة ليه يا رب. ( 21 إعجابا)

تعليق 4: ربنا يشفيه. (23 إعجابا)

تعليق 5: هو عنده حساسية على الصدر ؟! ( 13 تعليقاو6 إعجابات).

تعليق 6: يا ريت يا جماعة ماحدش يرد غير لو دكتور متخصص ( 22 إعجابا).

تعليق 7: ديه ذبحة صدرية، حصلت لأبويا وعمي، راحوا لدكتور القلب إداهم علاج وبقوا تمام ( 34 إعجابا)

تعليق 8: لو عندك جهاز ضغط في البيت، قيسي الضغط، ولو عالي، إديله كوباية كركديه ساقع. ( 27 إعجاب )

تعليق 9: الحب هو بلسم الحياة … اعمل لايك لصفحتنا عشان تستمتع بأجمل الكلام عن الحب ( 2 إعجاب و3 تفاعل غاضب و16 تعليقا)

………….

تعليق 31: حرام عليكم فين بر الوالدين .. اتقوا الله في أهاليكم ( 147 إعجابا- 235 تفاعلا غاضبا)

………….

تعليق 49: ربنا يطمنك عليه ( 25 إعجابا)

تعليق 50 «صاحبة المنشور»: يعني أروح بيه أكشف فين ولا عند مين؟! أنا إديته كاتافاست عشان ده اللي لقيت منه عندي، وصدره ارتاح شوية، بس لسه بيشتكي.

………….

تعليق 96: ديه ممكن تكون جلطة في القلب، لازم يروح الطواريء فورًا ( 18 إعجابا)

تعليق 167: في آخر شارع التحدي فيه دكتور صدر شاطر، خديه عنده لو لسه تعبان، زمان الفترة المسائية في العيادة عنده بدأت.


الطب في زمن الاستسهال

النموذج السابق هو لمحادثة افتراضية في العالم الأزرق تتكرر مثلها للأسف آلاف المرات. وما قد لا يعرفه الكثيرون، أن هناك من يفقدون حياتهم يوميًا بسبب مثل تلك الرعونة في التعامل مع الشكوى الطبية.

لقد أغرانا سرعة الوصول لكل شيء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن نعمم ذلك على كل جوانب حياتنا، فأصبح الكثيرون يعتقدون أنه برفع صورة أشعة ما على أحد جروبات فيسبوك، أو بكتابة سطر ونصف عن شكواهم الطبية على تويتر … إلخ، سيحصلون على تشخيص جامع مانع، وروشتة فعالة تفتك بالأعراض فورًا، دون الحاجة للذهاب إلى المستشفى، أو انتظار الدور في عيادة الدكتور فلان أو علان .. وهذا استسهال غير مقبول من وجهة النظر الطبية.

سنستخدم مثال ألم الصدر الوارد في القصة الرمزية في بداية التقرير لتوضيح فكرتنا. هنا على الأقل ثلاثون سببًا طبيًّا محتملًا لحدوث ألم الصدر، تتدرج من أسباب لا تحمل 0.001% خطورة على الحياة مثل التهاب عضلات الصدر الخارجية مثلًا، إلى أسباب أخرى قد تعني أن توقف عضلة القلب والوفاة المفاجئة قد تحدث خلال جزء من الثانية، مثل جلطات شرايين القلب التاجية. فكيف يمكن للطبيب المختص أن يسبر أغوار مثل هذه الشكوى من خلال بضع كلمات في منشور على فيسبوك؟

لكي نصل إلى تشخيص صحيح، أو على الأقل نستبعد الأسباب الأشد خطورة، لابد أن يرى الطبيب المريضَ بعينه، ويأخذ منه تاريخًا مرضيًا كاملًا، يشمل على الأقل سنه، ووصف الألم الذي يعاني منه بدقة، ومتى بدأ، وما الذي يُزيدُه، وما الذي يهدِّئه، وهل سبق وأن شعر بمثل هذا الألم، وهل سبق وأن قام بعمل فحوصات للقلب أو الصدر، وهل له تاريخ مرضي قديم بأمراض القلب أو الصدر، وهل هناك تاريخ مرضي في العائلة بأمراض القلب أو الصدر، وهل هناك عوامل الخطر الرئيسة لجلطات القلب مثل الضغط والسكر وارتفاع الكولسترول والتدخين .. الخ. ثم يقوم الطبيب بفحص المريض ظاهريًا، وسماع أصوات القلب والصدر بالسماعة، وقياس العلامات الحيوية للمريض (الضغط – النبض – حركات التنفس – الحرارة). فهل يمكن تحقيق 10% مما سبق عبر منشور على فيسبوك، وبضعة تعليقات ؟!!

بعد الكشف الطبي الأولي، ستنحصر دائرة الشك لدى الطبيب في بضع احتمالات، قد يطلب على أساسها بضعة تحاليل أو أشعات حسب ما تقتضيه الحالة من وجهة نظره ( رسم قلب كهربي – تحليل إنزيمات القلب – أشعة عادية على الصدر – موجات صوتية على القلب – أشعة مقطعية بالصبغة على الصدر والشرايين الرئوية – أشعة مقطعية بالصبغة على الشريان الأورطى … الخ).

وقد يؤدي به التشخيص المبدئي، والكشف الأولى إلى تشخيص طارئ يحتاج تدخلًا فوريًا قبل أي تحاليل أو أشعات، مثل الاسترواح الصدري عالي الضغط (تسرب الهواء بكثافة إلى الغشاء البلوري المحيط بالرئة، فيعوق تمدد الرئة، وقد يسبب انكماشها، وبالتالي حدوث فشل تنفسي حاد)، وفي هذه الحالة يجب على طبيب الطوارئ فورًا فك الضغط عن الرئة، بإيلاج إبرة واسعة في الفراغ بين الضلع الثاني والثالث في نقطة معينة على امتداد خط يمر بمنتصف الترقوة، ثم بعدها يتم استدعاء جراح الصدر المختص لتركيب أنبوبة صدرية بعد إجراء أشعة عاجلة على الصدر.

الوقت الذي يضيع عبثًا في محاولة استجداء معلومة طبية صحيحة عبر فيسبوك عن شكوى طارئة، قد يؤدي إلى كارثة تغير مسار الحياة إلى الأبد، أو قد يؤدي إلى الوفاة المفاجئة. كذلك لا ضمانة بأن من يقوم بالرد طبيب، أو حتى شخص عادي يمتلك حدًّا أدنى من الوعي الطبي، فلا يزيد الطين بلة، أو يساهم في مزيد من نزيف وقت المريض الحيوي. وحتى لو كان صاحب الرد طبيب، فمنشور على فيسبوك كما أوضحنا سابقًا، لن يسمح له في معظم الأحيان بتكوين صورة حد أدنى لوضع المريض.


هل يمكن الاستفادة من فيسبوك طبياً؟

رغم خطورة الاستسهال الطبي الذي بينَّاه آنفًا، فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يمكنها أن تخدم الطب عند استخدامها بشكل رشيد، يراعي سقف الفائدة الممكنة منها فعلًا. من أمثلة ذلك للأطباء، عمل مجموعات على فيسبوك، للتواصل بين الأطباء من مختلف التخصصات للمناقشة في بعض الحالات الطبية الهامة أو الصعبة، ولتبادل الخبرات. متابعة صفحات بعض الهيئات الطبية الموقّرة، للتعرف على أحدث الدراسات، وطرق العلاج. مثال ذلك صفحة الجمعية الأوروبية لطب القلب على فيسبوك.

أما بالنسبة للمرضى، فيمكن استغلال مواقع وأدوات التواصل الاجتماعي في تسهيل التواصل مع أطبائهم، خاصة في النواحي الإدارية، كحجز موعد للكشف أو المتابعة.. الخ. يمكن كذلك التواصل الطبي مع الطبيب، دون أن يغني هذا بالطبع عن الكشف الطبي المباشر، خاصة في حالة وجود شكوى طبية جديدة. يمكن مثلًا إرسال نتيجة تحليل معين، أو تقرير أشعة معينة كان الطبيب قد طلبها، بدلًا من تكلُّف الذهاب إلى العيادة لعرضها عليه. أو يمكن استطلاع رأي الطبيب المبدئي في شكوى ما، وأخذ مشورته في الخطوة الأولى في التعامل معها.

أيضًا يمكن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة حصيلة المعلومات الطبية، والوعي الصحي، من خلال متابعة بعض الصفحات ذات المحتوى الموثوق، منها على سبيل المثال لا الحصر، صفحة منظمة الصحة العالمية WHO، و صفحة الموقع الطبي الشهير WebMD. أو عمل صفحات أو جروبات للتشجيع على بعض العادات الصحية الجيدة كإنقاص الوزن، أو الإقلاع عن التدخين، لكن بالطبع مع عدم التسليم بكل المعلومات التي تُذكر من غير المتخصصين، والرجوع إلى المصادر الطبية الموثوقة.


لا تنسَ اللاءات الثلاثة

  • لا تصدق كل ما تراه منشورًا على فيسبوك.
  • لا يغني فيسبوك، أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي عن التواصل المباشر مع الطبيب.
  • لا تهدر وقتًا ثمينًا في طلب مشورة فيسبوكية غير مضمونة أو مأمونة.