لا يمكن النظر إلى تجربة حكم الرئيس الأسبق «محمد مرسي»، دون الوقوف أمام قرار العفو عن مجموعة الإسلاميين الذين عاد بعضهم إلى العنف والتكفير بعد أحداث 30 يونيو/حزيران، وهو القرار الذي تراه القوى المعارضة للإخوان شهادة إفلاس سياسي وعدم صلاحية للرئيس المعزول وجماعته، بل ولتيار الإسلام السياسي بأكمله؛ الأمر الذي يختلف معه بشدة أنصار الإخوان. وبين هذا وذاك يطرح السؤال نفسه: هل كان مرسي على حق؟

في غياب أطراف المشهد سواء بالسجن أو المطاردة بالخارج، لن يكون أمامنا إلا التحدث نيابة عنهم عبر قراءة موضوعية ومعلوماتية تقترب من وجهة نظرهم، لتفكيك الصورة النمطية عن القضية وإعادة رسم زواياها من جديد.


لماذا أفرج المجلس العسكري عن قيادات الإسلاميين

ربما لا يعرف الكثيرون أن المجلس العسكري الذي حكم مصر في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، كان صاحب المبادرة في الإفراج عن قيادات التكفيريين والإسلاميين الخطرين أمنيًا – بحسابات الوقت الحالي – الذين يتم استدعاء جرائمهم حاليًا في أغلب ساحات الإعلام المصري، باعتبارهم أحد نوائب عصر مرسي على خلاف الحقيقة، حيث تم الإفراج عن أغلب قيادات الجماعة الإسلامية والجهاد الذين لم يبرحوا السجون منذ بداية الثمانينات، في مارس/آذار 2011، بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حمل رقم (7) لسنة 2011، وعلى رأس هؤلاء عبود وطارق الزمر اللذان اشتركا في عملية قتل الرئيس الراحل أنور السادات، ومحمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم القاعدة.

كما يجهل الكثيرون أيضًا، أن قرار الرئيس المعزول محمد مرسي لم يكن قرارًا بالإفراج عن الإسلاميين وحدهم دون غيرهم، بل كان معهم شباب الثورة الذين احتجزتهم الأجهزة الأمنية في أحداث ما بعد ثورة 25 يناير، وكان ذلك ضمن توصيات قدمتها لجنة متابعة أوضاع شباب الثورة التي شكلها مرسي، وفقًا لمطالب القوى الثورية آنذاك.

https://www.youtube.com/watch?v=ViMwueXpqLs

ربما تكون المشكلة الأكبر – والتي اعتبرتها القوى السياسية دليلًا على خضوع سلطات الرئاسة لرغبات مكتب الإرشاد – هي عفو مرسي عن القيادات التاريخية لجماعة الإخوان، وعلى رأسهم يوسف ندا، إبراهيم منير، ووجدي غنيم، والأخير متهم بالإسراف في تكفير أغلب المخالفين له حتى الآن، فضلًا عن الإفراج عن دفعة أخري من قيادات الجماعات الإسلامية، وهي القرارات التي أوقفها حازم الببلاوي، أول رئيس وزراء بعد 30 يونيو/حزيران، وأمر بتشكيل لجنة لمراجعة قرارات العفو عن السجناء التي أصدرها مرسي.


ماذا يعني هجوم الجماعات الإسلامية على مرسي

نزار غراب، محامي الجماعات الإسلامية المعروف، شن هجومًا شديدًا على الرئيس المعزول آنذاك، وعايره بكم الإفراجات التي حصلت عليها قيادات الجهاد والجماعة الإسلامية في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي تفوق بمراحل عدد القيادات الذين تم الإفراج عنهم في عهد مرسي.

لم يقف غراب عند حد اتهام مرسي بالميوعة في تعامله مع قضايا الإسلاميين، بل اتهمه بشكل مباشر، أن سياسته في هذا الملف كانت من أسباب تبني هجومهم الشامل ضده والتحول لصفوف المعارضة الإسلامية التي لم يوقفها في مهدها إلا تهديد القوى المدنية للحكم الإخواني، القريب مهما اختلفوا معه من توجهاتهم الدينية.

لم يكن نزار غراب وحده من هاجم مرسي، حيث وصلت حالة السخط من الجهاديين على مرسي في هذا التوقيت حد اتهامهم له بالمماطلة في الإفراج عن قياداتهم بالسجون بناء على توجيهات من أمريكا، واعتبروا أن تبرير مرسي بضرورة موافقة «الأمن العام» – خاصة أن القوائم التي قدمتها الجماعة الإسلامية كانت تضم متهمين بتفجيرات طابا ودهب والأزهر -أمر عبثي ولا يعبر عن الحقيقة.

والمتابع لردود أفعال السلفيين، وخاصة المنتمين للجماعات الجهادية والتكفيرية، خلال حكم مرسي، لن يستنتج إلا أنه كان حريصًا على توخي الحذر، واستشارة الأجهزة الأمنية فيما يخص ملف العفو، ربما لحساسية ارتباط الإخوان بالجماعات الإسلامية، وما يمكن اعتباره صيدًا ثمينًا من القوى السياسية المناوئة له إذا ما فتح الباب على مصراعيه للقبول بطلبات الإسلاميين التي لا تنفض، خاصة وأنه كان يملك سلطة مطلقة بنص الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس/آذار 2011.

الداعية السلفي أبو إسلام أحمد عبد الله هاجم الإخوان أيضا آنذاك، بسبب تجاهلهم لحبسه وإهانته على أرصفة السجون، ما جعل في حلقه غصة منهم، لاسيما وأن الرئيس المعزول الذي كان يحكم وقتها، لم يعره إي اهتمام، بسبب أفكار الداعية السلفي الرامية إلى الطعن في المسيحية والإساءة لها، حسب ما هو معروف عنه؛ الأمر الذي يعطينا قدرًا من اليقين بأن مرسي لم يكن يُصعِّر خده بطريقة يفهم منها الانبطاح لرغبات الجماعات الدينية.

على العكس، كل الشواهد تؤكد أن جماعة الإخوان كانت تقود تيارات الإسلام السياسي، بل وكانت تجنِّد من يدافع عن قيادتها للمشهد من السلفيين المحسوبين عليها، وحدث ذلك عندما تمرد حزب النور، وتعامل مع الإخوان بندية واستعلاء عن دوره المحدد، ما جعلها تفك الارتباط معه لتشهد العلاقة بين الطرفين انفصالًا لا رجوع فيه.


حقيقة تحالفات الإخوان السرية مع الجماعات الدينية

لكن الصورة لها وجه آخر، يراه سامح عيد، الباحث في شئون الإسلام السياسي، والإخواني المنشق، ويؤكد لـ «إضاءات» أنه لا يوجد أحد يستطيع إنكار أو نفي، سعي الإخوان أيام حكم مرسي للحصول علي دعم التيارات الإسلامية، بكل طوائفها، خاصة بعدما اشتدت الصورة قتامة، وبات واضحًا أن التيارات المدنية ذهبت في فراق ولن تعود مرة أخري للوثوق في الإخوان مهما فعلوا، موضحًا أن ظهور مشايخ العنف والقتل في احتفالات أكتوبر مع كبار المدعوِّين، ما استفز المصريين بكافة توجهاتهم، كان مؤشرًا واضحًا على كل ما أشيع بعد ذلك من علاقات سرية وعلنية بين الإخوان والتيارات الإسلامية وخاصة المتشددة منها .

واعتبر عيد أن الإخوان كانت تعيش حالة ثورية خاصة في نوعها، موضحًا أنهم، ومنذ أربعين عامًا،يمارسون السياسة فقط، لذا لم يكونوا مؤهلين للعنف والعسكرية، ما جعلهم في حاجة لظهير يستطيعون التلويح به للجيش المصري.

ويري الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أن حاجة الجماعة لدعم الحلفاء من نفس تيارها الفكري، كان ضرورة حتى تستكمل تأهيل أبنائها، والأولوية في ذلك كانت للجماعات الجهادية الأكثر تأهيلًا على المستوى النفسي والعسكري، لاسيما وأن أفرادها يملكون خبرات كبيرة في حرب العصابات، من خلال تواجدهم في ألبانيا والبوسنة والهرسك.

وكشف الباحث عن وجود معلومات كانت تؤكد وقتها أن خيرت الشاطر، نائب المرشد الأول، ورجل الجماعة القوي المحبوس حاليًا، أراد الاستعانة بخبرة الحرس الثوري في إيران لإنشاء جيش موازٍ يبدأ من سيناء، ولكن قادة الجيش وقتها أغلقوا عليه كل الطرق أمام هذا المخطط.

ويري عيد أن خيرت الشاطر تحديدًا، كان يمد الجماعات الإسلامية بالأموال اللازمة لإنشاء المقرات والاستعداد الكافي، وهو صاحب مقترح التحالف مع القوى الدينية الأكثر تطرفًا، موضحًا أنه كان يري فيهم ظهيرًا قويًا لحماية عرش الجماعة، إذا دارت رحى الحرب، فضلًا عن كونهم أوراقًا قوية للتفاوض إذا ما غادر الإخوان حكم مصر بأي طريقة، لاسيما وأن الشواهد كلها كانت تسير في طريق إزاحة مرسي دون إكمال مدته الرئاسية.

نهاية، مع كل الشواهد السابقة، ستجد بداخلك العشرات من علامات الاستفهام، لن تستبعد نظرية المؤامرة التي يطرحها النظام، ولا رواية المهزوم في الوقت نفسه، فلكل الأطراف مصالح متشابكة وتحالفات تثير الريبة.