لطالما لفت كوكب المريخ أنظار سكان الأرض نظرًا لخصائصه المميزة حيث أنه أفضل جرم سماوي يمكن مشاهدة بعض التفاصيل على سطحه بعد القمر، كما أنه من أقرب الكواكب للأرض.

ولذلك بدأ البشر في البحث والتنقيب عن ماهية هذا الكوكب القريب الذي ربما يفسّر الكثير من الألغاز حول الكواكب الأخرى.


تاريخ البحث على سطح المريخ

يعود تاريخ رصد المريخ للفلكيين المصريين في الألفية الثانية قبل الميلاد، كما توجد تسجيلات صينية لحركة الكوكب يعود تاريخها لما قبل تأسيس مملكة تشو. وفي عام 1830، قام فلهلم باير بالتعاون مع يوهان هاينريش فون مايدلر، باستخدام التلسكوب الذي ابتكره جوزيف فون فراونهوفر ذي العدسة مقاس 95 مل (3.7 بوصة) للبدء في دراسة المريخ دراسة متعمقة.

وبعد عشرة أعوام في عام 1840 قاما برسم خارطة لسطح المريخ وقاما بتقدير فترة دوران الكوكب (الوقت الذي يستغرقه للدوران حول محوره) بـ 24 ساعة و 37 دقيقية و 22.7 ثانية بفارق 0.1 ثانية عن الوقت المقدر حاليا.

أظهرت تلك الخارطة المناطق الداكنة على السطح، والتي ظن أنها عبارة عن قنوات مياه شيدتها حضارة متوقعة كانت على الكوكب، كما أظهرت وجود قمم قطبية ثلجية كالموجودة على الأرض في القطبين. لم تكن خارطة باير لسطح المريخ جيدة ومقبولة، لذلك عمل الفلكيون من بعده على رسم خارطة أفضل منها وأكثر وضوحا ودقة.

أما أول مركبة فضائية استطاعت أن تصل المريخ هي مارينر-4 التي أطلقت في الـ 28 نوفمبر، وصلت الكوكب بعد ثمانية شهور من إطلاقها، عام 1964، والتقطت 20 صورة لسطح المريخ وبثتها إلى الأرض.

ثم توالت الرحلات مارينر-6، ومارينر-7، ثم أطلقت مركبة الفضاء مارينر-9 يوم 30 مايو 1971، والتي وضعت قمرا صناعيا يدور حول الكوكب لدراسته بشكل متواصل، وهو أول قمر يدور حول كوكب في المجموعة الشمسية بعد الأرض.

وما أن أخذ القمر يعمل حسب البرنامج المعد له، حتى ثارت عاصفة غبارية لم يشهد سطح المريخ مثلها من قبل، مما أثَّر على عمل القمر، ثم صدرت التعليمات من الأرض إلى المركبة بترك سطح المريخ، ودراسة قمريه (فوبوس) و(ديموس).

في عام 1975، قامت الولايات المتحدة بإطلاق المركبتين فايكنج 1 و فايكنج 2 واستطاعت المركبتان الهبوط على سطح المريخ، وتصويره واجراء العديد من التجارب حول إمكانية وجود مواد عضوية حية على السطح وتتابعت الرحلات الاستكشافية منذ ذلك الحين.

1
(الصورة الأولى الملتقطة بواسطة المركبة فايكنج 1)

مياه على السطح:

أعلنت وكالة ناسا في بيان صحفي يوم الثامن والعشرين من سبتمبر عن أن الصور التي تم التقاطها من مدار المريخ بواسطة مركبة استكشاف المريخ قد أظهرت أدلة جديدة تثبت جريان المياه بشكل متقطع على سطح المريخ في الوقت الحاضر.

تشير الصور إلى أن الماء يجري خلال شهور الصيف عبر الوديان منحدرا عن المرتفعات المنتشرة على سطح المريخ مخلفا وراءه بقعا داكنة تظهر بين تضاريس الكوكب، هذه البقع قد يصل طولها إلى مئات الأمتار خلال شهور الصيف -الأكثر دفئا- قبل أن تجف في فصل الخريف حين تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض.

وتظهر الصور المأخوذة من مدار الكوكب الجدران المنحدرة للمرتفعات وهي مغطاة بالمياه المتدفقة وتعرف هذه التدفقات المائية باسم «الخطوط المنحدرة المتكررة Recurrent Slope Linea»، والتي يعتقد أنها من الممكن أن تساعد وكالة ناسا ووكالات الفضاء الأخرى على تحديد المواقع حيث توجد إمكانية أكبر للعثور على الحياة على سطح المريخ.

(أخاديد المريخ)

قام فريق من الباحثين بقيادة لوجندرا أوجها باستخدام المطياف spectrometer الموجود على المركبة لفحص انعكاسات الأشعة تحت الحمراء حين بدأت صور الماء المتدفق تظهر وبمرور الوقت حين بلغت المياه المتدفقة أكبر ما يمكن بنهاية الصيف على كوكب المريخ، وقاموا بنشر نتيجة البحث التي تشير لأنهم وجدوا انعكاسات طيفية لمركبات الأملاح المائية بعد ظهور تدفقات المياه بينما لم تكن موجودة قبلها.

ويعد وجود تلك الأملاح المائية (مزيج من الكلورات وأملاح أخرى) دليلا دامغا على وجود المياه في الأماكن الأربعة محل الدراسة (واحدة من تلك المناطق الأربعة تقع على بعد حوالي 50 كيلومترا فقط من الموقع الذي كانت تستكشفه المركبة Curiosity Rover.)

تظهر تلك التدفقات المائية فقط عندما تكون درجة حرارة سطح الكوكب أكثر من -23 درجة (حيث تقوم الأملاح بخفض درجة تجمد المياه لأقل من 0 مئوية وبالتالي الحفاظ على الماء سائلا عند درجة حرارة -23).

وكان أوجها هو أول من دل الوكالة وأقنعها باحتمالية وجود مياه على سطح المريخ حين اكتشف مؤشراته الأولى قبل 5 أعوام حينما كان طالبا في العام 2010 بجامعة ولاية أريزونا. فخطف الأضواء بمشاركته في مؤتمر ناسا الذي دعت إليه قبل أيام.

وقال مدير قسم علوم الكواكب في ناسا، جيم جرين، إن الاكتشافات الأخيرة غيرت نظرة العلماء للكوكب الأحمر. وأضاف خلال المؤتمر الصحفي:

«المريخ ليس هو الكوكب الجاف القاحل كما كنا نظن في الماضي. اليوم نعلن أنه في ظروف معينة، يمكن العثور على مياه سائلة على المريخ»

ويؤكد وجود مياه سائلة على المريخ أن الكوكب لا يزال نشطا جيولوجيا، ويزيد نسبيا احتمال وجود كائنات حية بسيطة على سطح المريخ.


لماذا لا نرسل Curiosity Rover لفحص تلك المياه؟!

لا مفر من أن نثير التساؤل عن عدم إرسال أية مركبة لفحص تلك المياه خاصة مع وجود مركبة عاملة حاليا على سطح الكوكب وهي Curiosity Rover.

في الواقع فإنه على الرغم من اكتشاف وجود مياه على سطح المريخ، لا يمكن لناسا أو أي وكالة فضاء أخرى أن تقوم بإرسال مركبة فضائية، أو حتى مركبة curiosity الموجودة حاليا على سطح المريخ، لمكان تواجد تلك المياه حيث أنه في عام 1967 ألزمت كل دول العالم بلا استثناء بـ ميثاق التعامل مع الفضاء الخارجي من قِبل الأمم المتحدة، والمتعلق باستكشاف القمر أو أي جسم فضائي آخر.

ومن البنود الواضحة لذلك الميثاق أنه في حالة اكتشاف مياة سائلة على أي جسم فضائي، على جميع الدول الحرص على عدم تلويثه بأي مواد عضوية أرضية مما قد يتسبب بنقل حياة أرضية إلى ذلك الكوكب أو الجسم الفضائي.

بالوضع في الاعتبار أن أساليب التعقيم المستخدمة حتى الآن لا تضمن قتل كل الميكروبات والجراثيم الأرضية العالقة بالمركبات الفضائية قبل إرسالها، دون تدمير أجهزة المركبة نفسها، فإنه ليس من المتوقع أننا سوف نستطيع قريبا الذهاب إلى أماكن وجود الماء أو إرسال مركبة لاستكشاف تلك الأماكن، كل ما نستطيعه هو رصدها من على بعد وباستخدام الأقمار الصناعية وأدوات القياس المختلفة.

هناك سبب ثانوي آخر في حالة المركبة curiosity، هو أن أقرب المناطق التي تثبت الدراسات وجود مياه بها يبعد 50 كيلومترا عن موقع المركبة، مما يعني أنها تحتاج لحوالي عام كامل لمجرد الوصول لذلك المكان وهي فترة طويلة جدا يحتاجها العلماء فعليا للقيام بأبحاث أخرى.

أخيرًا؛ لا أحد يعتقد أن هذا الإعلان سوف يكون الأخير من نوعه، بل ربما وخلال الأعوام القليلة القادمة، سنرى المزيد من المفاجآت والاكتشافات التي سوف تدهشنا وتساعدنا على فهم أفضل للكون من حولنا.

أصبح وجود مياه على كوكب المريخ حقيقة لا جدال فيها، وأصبح ذلك هو الوسيلة والمفتاح لإيجاد حياة متقدمة على سطح الكوكب أو في أنظمة شمسية أخرى خلال ملايين السنين القادمة؛ ربما.

(أخاديد المريخ)
(أخاديد المريخ)
المراجع
  1. History of Mars observation
  2. Why NASA Didn't Just Send Over A Rover To Look For Water On Mars
  3. قصة اكتشاف المريخ
  4. Nasa scientists find evidence of flowing water on Mars
  5. Curiosity Rover