القدس أصبحت ثكنة عسكرية، وجيش الاحتلال الإسرائيلي هو الحاكم والمسيطر، أصبحنا تحت الحكم العسكري، والجميع في حالة تأهب.

بهذه الكلمات بدأ محمود صالحية، مواطن فلسطيني من الشيخ جراح في القدس المحتلة، في سرد الواقع المرير الذى يعاني منه أهالي القدس والضفة الغربية المحتلة.

يوضح «صالحية»، في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»، أن هناك هجومًا كبيرًا على الأهالي منذ اندلاع الحرب في غزة، فأصبحنا تحت الحكم العسكري، ممنوع التجول والخروج من المنازل بعد الساعة الثامنة مساءً وخاصة الشباب، المارة يفتشون تفتيشًا عنيفًا، وتُفحص الهواتف الخاصة بنا، وإذا وجد الاحتلال أي منشور أو صورة داعمة لغزة يتعرض صاحب الهاتف للضرب والحبس لمدة 6 أشهر.

 

يضيف «صالحية» أنه أصبح التجول ممنوعًا في البلدة القديمة بالقدس، والحرم القدسي ممنوع الدخول إليه إلا بشروط، منها أن يكون السن فوق 55 عامًا، وحين تصل للجندي يرفض دخولك بحجة أن دخول الحرم القدسي يكون لمن فوق الـ 70 عامًا، فالحرم محوط بقوات الاحتلال، نحن نعاني في القدس، أصبحنا في سجن معزول وممنوع التجول من منطقة لأخرى ومن قرية إلى أخرى، على سبيل المثال من رام الله للقدس 10 دقائق بالسيارة، ولكن بسبب الأوضاع الحالية تستغرق المدة 7 ساعات بسبب تشديدات وإجراءات الاحتلال العسكرية، أصبحنا معزولين عن بعضنا، الأوضاع سيئة للغاية، ولكن ليس أصعب من قطاع غزة.

وحسبما روى لنا «صالحية»، فإن أي شرطي أو جندي إسرائيلي يمكن أن يعتقل أي شخص لمدة 6 أشهر، فالتنكيل يستهدف فئة الشباب الصغار، وهناك جيل كامل من الشباب الصغار غير موجود، جميعهم في السجون والمعتقلات، ويوميًّا هناك اعتقالات موسعة.

يقول صالحية: «نحن صامدون لن نتزحزح من أرضنا، لن يكون هناك نكبة 48 أخرى، سنعيش أو نموت في أرضنا، حتى الغزاوي يقول سنموت في أرضنا، لن نخرج ولن نتهجر، فعودة الحياة مرة أخرى لطبيعتها لن تحدث مع اليهود، فهناك شرخ كبير حدث، ونحن واليهود لم نعد قادرين على النظر بعضنا لبعض، وحتى الشاب الفلسطيني الذي يخرج للعمل عند اليهود معرض للضرب أو الإهانة، الوضع سيئ جدًّا، ونحن صامدون حتى النهاية».

حول تطورات الأوضاع في الشيخ جراح يقول المواطن الفلسطيني: ما زالت قوات الاحتلال تلاحقنا وتقوم بطرد الأهالي من منازلهم، وتقوم بهدم المنازل بضوء أخضر أمريكي، واليوم قامت قوات الاحتلال بهدم أحد المنازل – يعود لعائلة أبو جبنة – وحتى الأوضاع في المحاكم ما زالت مستمرة، ومنها من توقف بحكم ظالم وهو الاستمرار في المنزل حتى وفاة كبار السن، أي في حالة وجود أسرة مكونة من الأب والأم والأولاد والأجداد، فهم بأمان حتى وفاة «الختيارين»، أي كبار السن، وفي حالة وفاتهم لن يكون لهم الحق في البقاء بالمنزل، نحن في الشيخ جراح حتى اليوم في خطر ومعرضون للطرد، حتى اللجوء إلى المحاكم غير مجدٍ لأن «حاكمك ظالمك»، لن نؤمن بمحكمة الاحتلال، فهي لن تنصف عربيًّا فلسطينيًّا، وفي القدس هم عندهم خطة لطرد أبناء القدس وإخلائها بيتًا بيتًا، وإن لم يكن هذا العام فسيكون العام المقبل».

يختتم «صالحية» حديثه بأنه لا يوجد قانون يحمي أهل القدس بالمحاكم، ما يريده الاحتلال سوف يأخذه، لكن الأهالي صامدون أمام قوات تقف ومعها ألف جندي لهدم منزل وطرد أهله، المقدسي يقف وحده يواجه هؤلاء، فلا يوجد قانون يحمي الأراضي أو المنازل في القدس، وحتى الأردن يرفض المساعدة، سواء بالأوراق أو إثبات الملكية لتلك الأراضي، أو مساعدات بالمحاكم. يقول: «المحاكم تطالب بمبالغ كبيرة تعجيزية، ما يقارب 400 شيكل رسوم القضايا وتكلفتها بالمحكمة، في حالتي لم أستطع استكمال المبلغ، فأنا بدون عمل، ومطرود من بيتي، نحن محاطون بالظلام من كل جانب، لا أب ولا أم ولا مؤسسة تحمينا، والكل رفع يده عن القدس منذ زمن مضى».

أبو جبنة: الاحتلال هدم منزلي دون سابق إنذار أو إخطار

«هدولي الدار بدون إنذار»، بتلك الكلمات وصوت بائس حزين، بهذه الكلمات بدأ إسحاق أبو جبنة، مواطن فلسطيني من حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، في سرد واقعه المرير بعدما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم منزله بدون سابق إنذار، وهو خارج منزله، مشيرًا إلى أن معه حكمًا من المحكمة بتأجيل الهدم، ولكن قوات الاحتلال لم تنفذ القرار، وهدمت المنزل.

ويوضح أبو جبنة، في حواره لـ «إضاءات»، أن الاحتلال يشن هجمات شرسة لم يروها من قبل في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية، منذ بدء الهجوم في 7 أكتوبر الجاري، والوضع صعب هذه الفترة، حتى بالقدس المحتلة الوضع هناك مخيف.

يضيف أبو جبنة، سائق التاكسي البسيط وأب لثلاثة أولاد أكبرهم 14 عامًا وأصغرهم 7 سنوات، أنه الآن بلا منزل أو مأوى، جالس في أرضه بعدما هدم الاحتلال منزله، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال أخرجوهم من المنزل بدون ترتيبات أو تجميع أثاث منزله أو ملابسهم.

وحول فكرة نزوحهم أو خروجهم من الشيخ جراح، قال أبو جبنة: «نحن هنا من مئات السنين قبل الاحتلال أجيال تسلم أجيالًا، وعائلة تسلم عائلة، هذه أرضنا ولن نخرج منها مهما حصل، نحن صامدون، وسنظل حتى الممات صامدين».

صالح دياب: القدس أصبحت مدينة أشباح

حكى صالح دياب لـ «إضاءات» قائلًا: عائلتي تعيش في الشيخ جراح منذ عام 1957، وهم العائلة الوحيدة المتبقية هنا اليوم، لافتًا إلى أن المحاكم الإسرائيلية تمارس ضغوطًا نفسية، مستدركًا: «أنا شخصيًّا لا أعترف بالمحاكم الاحتلالية لعدم وجود عدل أو استقامة أو صدق فيها، وأنا جالس في قاعة المحاكم الإسرائيلية والمستوطنون يسرقون بيوتنا ويقتلون أبناءنا في الضفة الغربية وقطاع غزة اليوم، جميع معايير الحياة تغيرت في القدس، هناك الكثير من الإرهاب، حيث لا يتم اتخاذ إجراءات ضد الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين في جميع أحياء القدس».

ويوضح دياب، في حواره لـ «إضاءات»، أن هناك مظاهرة أسبوعية منذ 16 عامًا، وبدأت بعد طرد عائلتي الرغاوي والحنون من بيوتهم، وكل أسبوع، يقام نشاط معين في الحي، وينضم إليه العشرات وزاد عددهم ليصل للمئات كل أسبوع، ولكن توقفنا قرارات الإخلاء وتجبرنا المحاكم الإسرائيلية بعدم التهجير منذ عام 2021، ولكن الأمور تجددت اليوم مع محاكمة أربع عائلات خلال الشهر المقبل، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك حقوق المقدسيين خاصة في الشيخ جراح وسلوان والعيساوية وجبل المكبر والبلدة القديمة، مؤكدًا أن القانون لم يعد موجودًا اليوم، يوجد فقط القوة ولا يمكنك حماية نفسك أو عائلتك.

ويتابع دياب: «لا يمكنك فعل أي شيء أمام الشرطة والجيش الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، كما يتم اعتقال مئات الأشخاص يوميًّا في القدس، ويتم هدم البيوت، وفي الأيام السابقة، تم هدم منازل في جبل المكبر والعيسوية وزور باهر وسلوان، اليوم، نحن نشهد احتلالًا شديدًا في القدس، يتعرض المسلمون لمنع دخول المسجد الأقصى، وفي الوقت نفسه، يذبح المستوطنون ويدخلون ويصلون بكل راحة، ولم يسلم المسيحيون في القدس من بطش الاحتلال إذ قامت مجموعة من قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي بالاعتداء على المسيحيين بسانت كاترين في القدس بدون أي سبب». مؤكدًا أن القدس أصبحت مدينة أشباح.

ويوضح دياب أن قوات الاحتلال تعتدي على الشباب، وتصادر هواتفهم وتكسرها، وتعتدي عليهم بطرق قاسية وترميهم في الشوارع، كما يقومون بإيقاف أصحاب السيارات وتغريمهم بمبالغ ضخمة، وتفتيش السيارات وتحطيمها والاعتداء على الشباب، ولا يستطيع أحد أن يفعل أي شيء،  اليوم، تجزأ العالم إلى قسطين، قسط التنصل وقسط الشر، عندما نرى العالم يتسارع للانحياز للاحتلال، فإن ذلك يشير إلى ضعفهم بشكل كبير، ولكن نحن الأضعف بسبب وجود ملياري مسلم، ولكننا لا نستطيع أن نتحرك في الساحة العالمية للقيام بأي شيء في غزة، يقولون إن هناك حقوق إنسان ومؤسسات دولية ومجلس الأمن والأونروا والأمم المتحدة، ولكن لا أحد يستطيع تأمين زجاجة ماء أو إعادة توصيل الكهرباء والمياه والدواء.

قانون الطوارئ

فيما قال الشيخ «هـ. أ» (حُجب اسمه بناءً على طلبه)، من سكان حي الشيخ جراح منذ عقدين، ويعمل بمجال التجارة، إن التطورات مختلفة الآن في الشيخ جراح بعد الهبة الإعلامية المناصرة لقضية الحي وورود أدلة جديدة من الأردن والأوقاف الإسلامية وتقارير من باحثين إسرائيليين بالشؤون القانونية تؤكد إدعاءات السكان لملكيتهم لبيوتهم بالحي، حيث قدم المحامون هذه الإثباتات إلى لجنة القضاء بالمحكمة العليا الإسرائيلية التي شُكلت بطلب دولي للتحري من الحقيقة، حيث لم يكن يسمح سابقًا بقبول مجرد الاطلاع أو قراءة المستندات الفلسطينية بالمحاكم، إلا أنهم اضطروا للمراجعة وتمت قراءة الإثباتات الجديدة والقديمة، حيث خلص القرار إلى أن المستندات صحيحة وقانونية والأهم هو أن الطرف الآخر أي المستوطنون لا يمتلكون وثائق قانونية كما كانوا يدعون، وأن ما لديهم غير قانوني ولا يثبت حقًّا لهم بالملكية، وعليه تقرر بأغلبية الحكام أن تتوقف عمليات التهجير وإلغاء كل قرارات التهجير وإرجاء الملف إلى سلطة تسوية الأراضي الإسرائيلية لتثبت ملكية الأرض، وبعد أن تنتهي من إقرار لمن الأرض يمكن للطرف الذي يحكم له بالأرض والملكية أن يطالب المحاكم بملكه.

ويضيف السلايمة لـ «إضاءات»، أن الأوضاع منذ السابع من أكتوبر الجاري في الشيخ جراح كباقي سكان مدينة القدس وفلسطين عامة، يعيشون تحت قانون الطوارئ الذي فرضه الاحتلال، وهو حالة من انعدام القانون بكل أشكاله، وللجندي والشرطي الإسرائيلي حق التصرف دون الرجوع إلى القانون، وهذه الحالة مرعبة، فكثرة الحواجز الأمنية التي تقيد حركة المواطنين جعلت البلاد شبه فارغة.

ويوضح السلايمة أنه تحت قانون الطوارئ يقوم الاحتلال بملاحقه واعتقال كل من يشارك أو يتضامن على وسائل التواصل الاجتماعي مع أهالي غزة أو الأسرى والمعتقلين، مشيرًا إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت الفتاة اليسار القاسم ابنة المناضلة أمل القاسم، وهي من سكان الحي، لافتًا إلى أن الاعتقال بسبب تعاطفها على مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث مع أكثر من ٥٠٠ شخص من سكان القدس المحتلة.

برهم: الوضع مخيف جدًّا

فيما يقول أسامة برهم إن الكل منذ السابع من أكتوبر الجاري كان يتوقع بأن تكون هناك ثورة حقيقية، الكل كان يتوقع أن يكون ردة فعل الاحتلال الحصار، التجويع، منع دخول المساعدات إلى غزة، والكل في القدس قالوا إن الفاتورة ستكون باهظة وغالية جدًّا، والصف الأول الذى سيدفعها هم أهالي القدس.

ويضيف برهم أنه منذ اليوم الأول بدأ الرد الإسرائيلي تجاه القدس وبدأت سياسة العقاب الجماعي، وكأن أبناء القدس هما من اجتاحوا غلاف غزة، وعلى الرغم من وحشية الاحتلال فإن الأهالي في القدس متمسكون صامدون في وجه الاحتلال، لافتا إلى أن هناك حملة مجنونة من الاعتقالات قرابة الـ 1500 معتقل، عدد مأهول من السيدات وكبار السن والأطفال في السجون الإسرائيلية، أيضًا النشطاء، الفنانون، وكل من يتعاطف مع أهالي غزة.

ويوضح برهم أن الإعلام العبري يؤكد أن هذه الفترة هي الأنسب لإفراع الشيخ جراح والبدو في الخان الأحمر من السكان وطردهم منها، القنوات العبرية ووسائل الإعلام العبرية تؤكد أن هذه الفترة هي الأنسب، مشيرًا إلي أن هناك تخريبًا واضحًا في الشيخ جراح والخان الأحمر، والمسجد الأقصى المبارك، لافتا إلى اعتقال مجموعة فتيات من سكان الشيخ جراح فقط لأنهن كن يدافعن عن منازلهن.

ويؤكد برهم أن المشهد في القدس مخيف جدًّا، الشوارع فارغة، الأسواق فارغة، وهناك حصار على البلدة القديمة بالقدس، ممنوع الدخول لها لغير سكانها، هناك إغلاق دائم للمسجد الأقصى وممنوع الدخول حتى للصلوات الخمس، مشددًا على أن المشهد في القدس كله صعب جدًّا.