في عصر هيمنة الويب، يبدأ أغلب البشر يومهم صباحا بتصفح الأخبار، والبريد الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية الشهيرة كالفيسبوك وتويتر. لكن، لم يتساءل الكثيرون كيف يستفيدون من تلك الخدمات بدون أن يدفعوا لمقدميها قيمة هذا الاستخدام، وذلك في ظل عالم رأسمالي، لا يعترف سوى بالمقابل المادي لأي خدمة، فلا شيء هنا يقدم مجانا.

والإجابة على هذا السؤال تتمثل في كلمة واحدة، الإعلانات.


دخل أكثر مما تتوقع

لا مفر من كونك قد لاحظتها، بل وتراها في عشرات المواقع التي تتصفحها أنت بشكل يومي، وملايين المواقع التي يتصفحها أكثر من ثلاثة مليار مواطن يتصلون بالإنترنت. مربع يحمل صورة أو نصا يحكي عن منتج ما بشكل جاذب للانتباه. موضوع أو تدوينة تحمل علامة “مدفوع الأجر” تظهر لك بشكل بارز. الإعلانات التي تطاردك في كل مواقع الويب تقريبا. هذه هي الطريقة الأهم التي تدر دخلا عملاقا على الشركات التي تقدم خدماتها بشكل مجاني للمستخدمين.

وجوجل هي مضرب المثل دائما عند ذكر الإعلانات. فالشركة التي بدأها طلاب الدكتوراة في جامعة ستانفورد، سيرجي برين ولاري بيج، منذ 17 عام كمحرك بحث، وأصبحت الآن أحد أهم عمالقة الويب؛ تعتمد اعتمادا رئيسيا في دخلها على أرباح الإعلانات على مواقعها المختلفة. حيث بلغ دخل خدمة AdWords الإعلانية 16.02 مليار دولار في الربع الثاني من 2015، بنسبة تبلغ أكثر من 90% من دخل الشركة الكلي، وأكثر من 50% من دخل إعلانات الويب.

نأتي الآن للشبكة الاجتماعية الأكثر شهرة، بأكثر من مليار ونصف زائر نشط شهريا، الفيسبوك. وقد ربح الفيسبوك من الإعلانات في الربع الثاني من 2015 حوالي 4 مليارات دولار، أكثر من ثلثيها من مستخدمي تطبيق الهاتف للموقع. أما بالنسبة لتويتر، فقد ربح في نفس الفترة نصف مليار دولار من الإعلانات أيضا.

لا يقتصر الأمر على هؤلاء فقط، فالعملاق الصيني Baidu له حصة عملاقة بسبب سيطرته على السوق الصينية، بنسبة 10% من إجمالي دخل الإعلانات لعام 2015. وتقتسم الكعكة أيضا بنسبة أصغر بعض الشركات الشهيرة كياهو وميكروسوفت بنسبة لا تتعدى 5% لكل منهما.

ويبلغ معدل نمو سوق إعلانات الويب حوالي 10% سنويا، بدخل متوقع أن يصل إلى 130 مليار دولار في 2019.


كيف تعمل إعلانات الويب؟

منظومة إعلانات الويب تجمع بين المعلن والوسيط والمواقع العارضة للإعلانات، على الأقل بالنسبة لإعلانات جوجل وما يشبهها، حيث أن الفيسبوك وتويتر يعلنان على صفحاتهما الخاصة. ويدور المال دورته في المنظومة من المعلن -الشركات الكبرى والخدمات المختلفة- وبين الوسيط، الذي يربح كثيرا هنا، ثم إلى عارض الإعلان النهائي على موقعه، والذي يربح الكثير من المال أيضا. فمن خلال خدمة كـ AdSense كمثال، يقوم مستخدمون بعرض إعلانات جوجل في مواقعهم بأرباح يمكن أن تصل إلى 100 دولار يوميا. كما أن شركاء اليوتيوب من أصحاب المحتوى الأصلي المعروض على قنواتهم يربحون آلاف الدولارات سنويا، وقد تصل أرباح البعض لأكثر من مليون دولار سنويا من عرض الإعلانات على قناة اليوتيوب الخاصة به فقط. صاحب قناة PewDiePie على اليويتوب ربح في 2015 مبلغا عملاقا، 12 مليون دولار.


لكن، كيف تضمن الشركات أن يهتم المستخدم النهائي بالمنتج المعلن عنه؟! هذه هي المعضلة الحقيقية.

انتهاك الخصوصية، نوعيا

للأسف، ففي عصر تسيطر فيه المبادئ الرأسمالية، لا وجود لأي قيم أخلاقية تُوضع في الاعتبار ها هنا. ولذلك فالشركات العملاقة تعتبر المستهلك بقرة حلوبًا يجب عصرها بأي طريقة من الطرق. ولهذا تعمل الشركات على اختراق خصوصية المستهلك، بشكل قانوني مُوافق عليه في أغلب الأوقات، كما تعمل على إعادة توجيه ورسم اهتمامته بما يتناسب مع أهدافها الربحية.

نتحدث أولا عن الخصوصية. عند استخدامك لأي منصة أو موقع، وقبل أن توافق على اتفاقية المستخدم، هل فكرت في قراءتها يوما ما؟! ربما لو قرأتها لصدمت من كم التنازلات الذي تقدمه للشركة أو الموقع، وتوافق عليه بدون أدنى دراية. ففي اتفاقية مستخدم لأحد المواقع تقول:” نستطيع أيضًا أن نقوم بالكشف عن معلوماتك عندما نعتقد أنّ الكشف هو الإجراء المناسب للخضوع للقانون، تطبيق سياسات موقعنا أو حماية حقوقنا أو حقوق الآخرين، أو حماية الملكيّة والسلامة. يمكننا تقديم معلومات الزائر غير المعرّف إلى أطراف أخرى بغرض التسويق، الإعلان أو لاستخدامات أخرى.” وهكذا يتم الأمر، تقوم المواقع بتتبع طريقة استخدامك ومدخلات بحثك والصفحات التي تزورها بصفة دورية، وأهم المناطق التي زرتها والمنتجات التي قمت بشرائها، والموضوعات التي تفاعلت معها، وتقدم كل تلك البيانات على طبق من ذهب للشركات الإعلانية، ليقوم برنامج بتحليلها وفهم وتحديد اهتماماتك، لتقوم الشركة بعرض إعلانات مخصصة متوافقة مع كل مستخدم. ولهذا – إن كنت قد لاحظت- فكل مستخدم تظهر له إعلانات مختلفة عن الآخر.

ويشمل هذا كل المواقع الكبرى التي تعتقد أنها ثقة. حاول مرة أن تقرأ اتفاقية المستخدم الخاصة بجوجل أو الفيسبوك أو أمازون أو تويتر، وستجد بها ما قد يدفعك لعدم استخدام تلك الخدمات مرة أخرى، لولا أنك لن تستطيع غالبا الاستغناء عنها، فقط ستدرك أنك يتم استغلالك في دورة رأس مال ربحية.

لكن، كيف إذا يتم توجيه اهتمامات المستهلك؟ بعد تحليل طريقة استخدامك وتحديد اهتماماتك وتقديمها للمعلن، سيقوم المعلن بعرض ما يمكنه أن يغريك للضغط عليك وشرائه مثلا، أو يقوم بعمل إعلانات لمقالات معينة وأفكار معينة ستجد في نفسك أثرا لها ولو بعد حين. كما أن المنظومة كلها تتعلق بدورة رأس المال كما قلنا، وبذلك فلن يستطيع صاحب الأفكار الأصيلة والمنتجات القيمة الإعلان عنها ما لم يكن يملك الكثير من المال الذي يستثمره في المنظومة. ولهذا فإن منظومة إعلانات الويب تضع المستخدم فعليا تحت رحمة الوحوش، لتمتصه.


هل الأمر بهذا السوء؟ وهل من حل؟

نعم، الأمر بهذا السوء للأسف. فلاستيعاب ذلك، يجب عليك التفكير في نسبة مستخدمي الويب المحترفين، القادرين على تمييز وفلترة المحتوى الإعلاني، وعدم السقوط في فخ الإعلانات المغرية، وأيضا حماية خصوصيتهم قدر الإمكان. وهؤلاء نسبتهم ضئيلة جدا. بينما أغلب مستخدمي الويب من المبتدئين، والذين ينبهرون غالبا بالمحتوى الإعلاني، كما أنه ليس لديهم أي فهم للخصوصية. والحل الوحيد هو توعية المستخدم بما يدور حوله، على الأقل حتى يستخدم تلك الخدمات بطريقة ذكية تجعله يستفيد دون أن يقع في فخ الاستهلاك والتوجيه الغير هادف. أما الحل الأسهل الآن هو استخدام برامج منع الإعلانات Ad-Block. وفي هذا لنا عودة تفصيلية.

المراجع
  1. 1
  2. 2
  3. 3
  4. 4