من هول موقف الوضع السوري الراهن، تطل علينا تلك الصورة، والتي تختصر في جنباتها معاناة جيل وتمزق أمة وتفكك شعب، كادت الحرب الدائرة في سوريا أن تقضي على ما تبقى من الشعب، وكالعادة وكما في الدول المحيطة، عندما تشتد أوجة الحرب، وتُحكم قبضة القتل على المشهد اليومي يلجأ المواطنيون إلى (اللجوء) إلى أيٍّ من الدول التي لا يكون القتل والدمار أسلوب حياة فيها.


الفزع الأكبر

أدت أعمال العنف والمعارك منذ بداية الاحتجاجات في سورية منتصف مارس/آذار 2011، إلى مقتل حوالي 330 ألف شخص، ثلثهم تقريبا من المدنيين. ومن بين القتلى، 11,964 طفلا و7,719 امرأة، حسب إحصائية أصدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال «المرصد» إن أعمال العنف منذ سقوط أول قتيل بدرعا في 18 مارس/آذار 2011 والخامس من أغسطس/آب 2015، حصدت أرواح 111,624 مدنيا، وبلغ عدد القتلى في صفوف القوات النظامية 50,570، فيما وصل عدد قتلى عناصر حزب الله اللبناني إلى المئات، ولم يتمكن المرصد من تحديد هوية أو انتماء 3,191 جثة.

واستند المرصد في معلوماته إلى شبكة واسعة من المندوبين والناشطين والمصادر العسكرية والطبية في جميع أرجاء سورية. ولا تشمل حصيلة القتلى الإجمالية، أكثر من 20 ألفا من المفقودين، وأكثر من خمسة آلاف من المعتقلين في سجون تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».


هل باع السوريين أرضهم؟

إن ما يقرب من نصف السوريين اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم دون تمييز.

كما أن معظم المدنيين ظلوا هاربين لمدة تتراوح بين عام أو أكثر، يفرون من قرية إلى أخرى قبل اتخاذ القرار النهائي بمغادرة البلاد. حيث أن رحلة الخروج من سوريا باتت أكثر مشقة، حيث يتم إجبار الكثير من النازحين على دفع رشاوى عند نقاط التفتيش المسلحة، والمنتشرة على طول الحدود، كما يتم إجبار الذين يعبرون الصحراء إلى شرق الأردن، على دفع مبالغ ضخمة للمهربين لنقلهم إلى بر الأمان.

ولفتت مفوضية اللاجئين إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين لا تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و140 ألفا، تليها تركيا بـ815 ألفا، ثم الأردن بنحو 608 آلاف لاجئ، مما أدى إلى إثقال كاهل اقتصاديات هذه البلدان ومواردها وبنيتها التحتية.

ويشكل السوريون الآن أكبر عدد من اللاجئين في العالم ممن ترعاهم المفوضية، ويأتون في المركز الثاني من حيث العدد بعد اللاجئين الفلسطينيين المستمرة قضيتهم منذ عقود طويلة، وتعتبر عمليات المفوضية الخاصة بسوريا الأضخم حتى الآن في تاريخ المفوضية، منذ نشأتها قبل 64 عامًا.


عابرون لا أكثر

«لا يريد اللاجئين سوى فتح معابر إنسانية للحفاظ على أرواح الأطفال والنساء بالدرجة الأولى من الغرق ومن أطماع المهربين»، هكذا قال أحدهم ممن هم محتجزون على أبواب تركيا، ومثله عشرات الألاف.

يطرق مئات الآلاف من المهاجرين على أبواب أوروبا، ولكن وصولهم يضغط على موارد الدول الأوروبية، حيث تتوقع ألمانيا أن تستقبل 800 ألف لاجئ، وتقول إنها سوف تنفق ستة مليار يورو على الأقل أو ما يعادل 6.7 مليون دولار، وأعلنت النمسا التي استقبلت 16 ألف لاجئ خلال يومين فقط، عدم قدرتها على مواكبة هذه الوتيرة.

أشارت بعض التقارير إلى أن بعض الدول الأوربية استقبلت عشرات الآلاف من طلبات اللجوء هربًا من القتل داخل الوطن، حيث تأتي في مقدمة تلك الدول ألمانيا حيث استقبلت أكثر من 80 ألف طلب لجوء خلال ثلاثة أشهر، تليها المجر التي استقبلت حوالي 32 ألف طلب، ثم النمسا بواقع 17,400 طلب. ومن ثم توالت تلك الطلبات إلى إيطاليا وفرنسا والسويد وباقي دول أوروبا.


مسئولية دول الخليج

سوريون سافروا آلاف الأميال بحثا عن حياة أفضل، ليدفعوا الثمن الأكبر في الغالب. تُطرح الأسئلة عن أسباب عدم إيجاد الفارين من الحرب المأوى المناسب والأقرب إلى موطنهم، وبالتحديد في دول الخليج العربية الثرية، والتي يمكنها تحمل كلفة استضافتهم.

يوجد أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري في المنطقة. لكن وحسب منظمة العفو الدولية، فإن 6 دول خليجية لم تعرض أن تكون مسكنا للاجئين. لكنهم قدموا الكثير من الأموال، فمنذ بدأت الحرب، تبرعت الكويت وحدها بحوالي مليار دولار للأمم المتحدة لمساعدة السوريين، ما يجعلها خامس أكبر متبرع في العالم. كما أن السعودية والإمارات من ضمن العشرة الأوائل.

لكن دول الخليج لا تعترف باللاجئين، لأنها ليست من ضمن الموقعين على اتفاقية اللاجئين عام 1951. لذلك فإن أي أحد يريد الدخول، عليه أن يلبي متطلبات التأشيرة المعتادة، ويقوم بذلك عشرات الآلاف من السوريين، كما يوجد قلق أمني يتعلق باستضافة أعداد كبيرة من دول عربية.

كما أنه وفي نفس السياق نفت السعودية الادعاءات التي تقول بإهمالها لللاجئين السوريين، وردت على القول المدعي بأن دول الخليج وبالأخص السعودية لها الدور الأكبر في العمل على حل مشكلة اللاجئين بسبب مكانتها الدينية من قيام بيت الله فيها، حيث ومن غير المقبول أن تكون المملكة هي البعيدة القريبة في نفس الوقت التي تكون فيها أوروبا هي القريبة البعيدة.

وفي تصريح لخادم الحرمين الشريفين، الملك «سلمان بن عبد العزيز» أكد على أن المملكة ستظل دائما في مقدمة الدول الداعمة للشعب السوري مشددا في هذا الخصوص على الإجراءات التي اتخذتها المملكة منذ بدء الأزمة السورية في مساعدة الأشقاء السوريين، حيث استقبلت منذ اندلاع الأزمة ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن سوري داخل المملكة، ودعم ورعاية الملايين من السوريين اللاجئين في الدول المجاورة لوطنهم.


سوريا والدول الكبرى

مما لاشك فيه أن منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الأزمة السورية تحديدًا، مثلت ساحة خلفية للصراع الأمريكي الروسي، فموسكو منذ بداية الأزمة السورية وقفت بشكل واضح وصريح مع النظام السوري الذي يمثل حليفًا استراتيجيًّا لروسيا في المنطقة في مواجهة المعارضة المسلحة المتمثلة في الجيش السوري الحر، والذي قدمت له الولايات المتحدة وحلفاؤها دعمًا عسكريًّا عبر إعلان المسئولين الأمريكيين عن تسليح المعارضة في مواجهة قوات النظام، وسياسيًّا من خلال إدانة النظام السوري، والمطالبة باتخاذ خطوات قمعية ضده في مختلف المنابر الدولية والعالمية، والمطالبة المستمرة بالرحيل الفوري لبشار الأسد.

إذ يرجع الموقف الروسي الداعم لنظام بشار الأسد لكون موسكو تخشى من فقدانها موطئ القدم الوحيد لها في المنطقة، وهو قاعدة طرطوس العسكرية المطلة على البحر المتوسط، وهي المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل كامل، فضلا عن الحيلولة دون فقدانها سوقًا رائجة لمعدات التسليح الروسية، وهو البعد الذي ركز عليه الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في استعادة روسيا لمكانتها الدولية، إضافة لرفض موسكو الدائم للموقف الأمريكي الداعم لنمو تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، لكونها قد تمتد مخاطرها إلى أراضيها.

وهذا الخلاف الروسي الأمريكي كانت أبرز تجلياته اعتراض روسيا بجوار الصين على أربعة قرارات لمجلس الأمن الدولي كانت تستهدف فرض عقوبات على النظام السوري، وهو ما يحول دون إمكانية فرض عقوبات أممية على سوريا في المستقبل، هذا التباين في الرؤيتين الأمريكية والروسية قد أدخل العلاقات بينهما في مرحلة تشنج ملفتة تأتي ترجمتها على الأرض السورية.