رغم أن شركتنا لم تكن قط بهذه القوة مثل الآن، إلا أن النقد الموجه لي -خلال الأسابيع الماضية- أصبح مشتتًا بشكل لافت، لذا فقد قررت أنه لمصلحة الشركة يجب أن أستقيل من منصبي كرئيس تنفيذي
آدم نيومان، خطاب الاستقالة، 24 سبتمبر/ أيلول 2019

بعث نيومان بهذه الكلمات ضمن خطاب استقالته من شركة WeWork الشهيرة، كرئيس تنفيذي للشركة، مع احتفاظه كرئيس غير تنفيذي في شركة we، الشركة الأم لـ WeWork. وبينما انفجرت عاصفة من النقاشات حول ما حدث للشركة ومؤسسها، فبالتأكيد كان نيومان – وغيره – يتساءل عن كيف وصل الحال لهذا، فالشركة التي أسسها في 2008، قد بلغ تقييمها 47 مليار دولار منذ عدة أشهر فقط، وذلك عند لحظة بدء إجراءات الطرح في البورصة، إلا أن الأمور سرعان ما انهارت ليصل تقييم الشركة إلى ما لا يزيد عن 15 مليار دولار فقط، انهيار كبير في وقت قليل للغاية، كيف وصل الأمر لهذا الحد؟

WeWork: الحل المثالي للمكتب الذي تبحث عنه لشركتك

ولد آدم نيومان في الكيان الصهيوني، وخدم في البحرية الإسرائيلية، ثم ذهب إلى أمريكا، بينما ولد ميجيل ماكيلفي في الولايات المتحدة، وعمل مصممًا ومهندسًا، وقام بتأسيس عدة مشروعات من قبل.

وفي عام 2008، التقى كل من آدم نيومان وميجيل ماكيلفي في حفلة بأحد العقارات التي تحوي مكاتب تجارية، حيث كان يعمل كل منهما في شركة مختلفة عن الآخر، وخطرت لهما فكرة أن يقوما باستئجار مساحة فارغة داخل المبنى كي يقوما بإعادة تقسيمه إلى مكاتب صغيرة كي يقوما بتأجيرها فيما بعد للشركات الصغيرة، ومن هنا نشأت «جرين ديسك» مساحة العمل المشترك co-working space.

بعد نجاحهما في هذه التجربة، قاما بتأسيس WeWork في عام 2010، كتطوير لفكرة «جرين ديسك»، حيث قامت الشركة على توفير أماكن مكتبية للشركات الناشئة والصغيرة بالإضافة للعاملين بشكل حر، وذلك من خلال تصميم وبناء مكاتب عمل مشترك ذات تصميم عصري ومناسب لثقافة الشركات الناشئة.

ماراثون الاستثمارات: رحلة WeWork لجمع 12.8 مليار دولار استثمارات

بعد تأسيس الشركة وبدء انتشارها كان الموعد مع جذب الاستثمارات، بدأت الشركة رحلة طويلة جذبت خلالها 12.8 مليار دولار.

بدأت الرحلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 بتمويل بلغ مليون دولار، كدورة استثمار أولي seed round، بتقييم لم يُفصَح عنه في ذلك الوقت. لم تمر فترة طويلة، عشرة أشهر بالتحديد كي تقوم بالشركة بالحصول على الدورة الثانية، كدورة استثمار فئة أ Series A، بقيمة 17 مليون دولار، مقابل تقييم بلغ 97 مليون دولار.

استمرت الرحلة واستمر التقييم في الصعود إلى أن تخطى تقييم الشركة لأول مرة مليار دولار حين استطاعت الحصول على دورة الاستثمار فئة ج series C بقيمة 150 مليون دولار، الذي أعطاها تقييم 1.49 مليار دولار. ثم ارتفع التقييم لـ 10 مليارات دولار بعد حصولها 434 مليون دولار في دورة الاستثمار فئة هـ Series E من أربع مستثمرين بقيادة Glade Brook Capital Partners.

هنا بدأت الشركة تداعب خيال عملاق الاستثمار التكنولوجي سوفت بانك Soft Bank، حيث اشترى بقيمة 1.3 مليار دولار حصصًا من مستثمرين سابقين في الشركة، ثم استثمر بشكل مباشر 1.7 مليار دولار في أغسطس 2017، وواصل الاستحواذ على حصص داخل الشركة أو الاستثمار فيها بشكل مباشر، إلى أن استثمر للمرة الأخيرة في آخر دورات الاستثمار في الشركة، 5 مليارات دولار أوصل الشركة لتقييم 47 مليار دولار في يناير 2019. 

لحظة الحقيقة: طرح البورصة الذي كشف كل شيء

 بنهاية أبريل 2019، قدمت الشركة أوراقها للبورصة من أجل الطرح الأولي بالبورصة IPO، وفي خطوة فارقة في تاريخ الشركة، وهو ما ستدركه الشركة خلال أشهر بسيطة من ذلك التاريخ.

في ذلك التوقيت، كان هناك جدل حول عمليات الطرح الأولي في البورصة لعدد من الشركات الناشئة الكبيرة، مثل أوبر Uber وليفت Lyft وبينتريست Pintrest، حيث انخفضت قيمة الأسهم الخاصة بهذه الشركات بعد طرحها في البورصة، وهو ما عنى انخفاض تقييم هذه الشركات، ومن ثم كان طرح WeWork كشركة ناشئة ذات تقييم ضخم أمرًا محفوفًا بتساؤلات وشكوك.

كانت الشركة تأمل أن تحصل على تمويل بقيمة 3-4 مليارات دولار جراء الطرح الأولي في البورصة، وهو ما كان سيساعد في إنجاز صفقة اقتراض من البنوك بقيمة 6 مليارات دولار، إلا أن الرياح لم تجرِ بما تشتهيه سفن آدم نيومان.

فمع عملية الطرح في البورصة تنشأ سلسلة من الإجراءات أهمها أن الشركات تقوم بتوفير ملفاتها الخاصة بشكل علني، حيث إن أحد الفوارق الأساسية بين الشركات المدرجة في البورصة وغير المدرجة، أن المدرجة هي شركات «عامة» أي يحق لعموم الناس أن يطلعوا على بياناتها، وأهم هذه البيانات هي البيانات المالية، أي الإيرادات والمصروفات والأرباح، وذلك على عكس الشركات «الخاصة»، والتي لا يحق لأحد الاطلاع على ملفاتها سوى أعضاء الجمعية العمومية من حاملي الأسهم الخاصة بالشركة (أي ملاكها).

هذا بالضبط ما قامت به WeWork، حيث قدمت أوراقها ضمن عملية الطرح في البورصة، هذه الأوراق التي بلغت ما يزيد عن 220 صفحة، كانت المرآة الكاشفة لحقيقة ما يحدث داخل الشركة، وأنها مقابل كل دولار تقوم بتحقيقه، فهي تصرف دولارًا كمصروفات، فيما بلغت خسائر الشركة في 2018 وحدها حوالي 1.9 مليار دولار، و700 مليون دولار في الربع الأول فقط من 2019.

كانت WeWork تخسر ما قيمته 219 ألف دولار كل ساعة في كل يوم لمدة عام كامل حتى نهاية مارس 2019.

كل هذا كان إضافة لتصرفات آدم نيومان نفسه، وكيفية إدارته للأمور، وخاصة مع تعقد عملية الهيكلة الخاصة بالشركة، والتي سمحت لنيومان بقدر هائل من التحكم في الشركة، حيث أعطت أسهمه 20 ضعف الأسهم العادية من حيث قوة التصويت، فضلًا عن عدم قناعة المؤسسات الاستثمارية والمستثمرين في البورصة بالنموذج التجاري الخاص بالشركة.

كان هذا هو ما دفع التقييم الخاص بالشركة للانهيار، لكي يصل إلى ما بين 10-12 مليار دولار بعد أن كانت الشركة تطمح في البناء على تقييمها الأخير بـ 47 مليار دولار.

ذلك دفع المستثمرين للضغط على نيومان للاستقالة من منصبه، مع تعيين اثنين من المديرين التنفيذيين Co-CEOs في محاولة لرأب الصدع بالشركة وإنقاذها من مصيرها المظلم، ذلك فضلًا عن استقالة زوجته أيضًا من منصبها.

إذن ما التصرفات التي دفعت المستثمرين لفقدان الثقة في قيادة نيومان، ومن ثَم ضياع الأمل في تحويل دفة الأمور والخسائر المستمرة؟ وماذا عن السبب الذي جعل الشركة من الأساس تصل لهذه التقييمات الهائلة؟ وأخيرًا هل انفردت WeWork مقابل منافسيها مما جعلها تحوز كل هذا النجاح قبل أن تنهار؟

عندما لعب الزهر: مصير رائد الأعمال في «سكة الأموال »

مع التدفقات المالية المتتالية والضخمة اتجه آدم نيومان وزوجته نحو مزيد من الحياة الصاخبة والمترفة، فقام بشراء عدة عقارات مختلفة، بلغ أحدها 35 مليون دولار في جراميرسي بارك، بينما بلغ آخر 21 مليون دولار في إيرفينج، فيما بلغ عقار ثالث 10.5 مليون دولار في مانهاتن، ورغم ذلك فقد قرر الزوجان أن يقوما بعملية إعادة تهيئة للعقار الأخير في عملية بلغت 6.5 مليون دولار، لم يستطيعا أن يدفعا منها مليون دولار للمقاولين، وذلك بحسب الأخبار المتداولة.

في المقابل، فقد اشترت الشركة (WeWork) على نفقتها طائرة خاصة لصالح رئيسها – آدم نيومان – كي يتنقل بها في سفرياته، بمبلغ وصل إلى 60 مليون دولار، فيما أضيف للطائرة غرف نوم وتلفزيونات لزيادة درجة رفاهيتها، فيما ذكرت بعض التقارير أنه قام في أحد المرات بترك حفنة من الحشيش على الطائرة أثناء إحدى رحلاته بها.

الأمر لم يقتصر على ذلك فحسب، بل امتد لداخل الشركة نفسها، حيث اعتاد آدم أن يقيم حفلات باهظة التكاليف للموظفين داخل الشركة، بينما كان يتحدث عن ضرورة خفض النفقات، فضلًا عن مكتبه ذي الـ «سبا spa» و«حمام الثلج». أما زوجته فقد ذكرت بعض التقارير أنها طلبت طرد بعض الموظفين، عقب الاجتماع بهم، فقط لأن «طاقتهم» لم تعجبها.

بينما وصل حجم الأموال التي قام آدم نيومان بسحبها من الشركة، إما ببيع بعض حصصه أو الاقتراض بضمان البعض الآخر، حوالي 700 مليون دولار، قبل فترة بسيطة من طرح الشركة في البورصة، بالإضافة لذلك فقد باع نيومان اسم «we» للشركة، باعتباره من ابتكاره، وذلك مقابل 6 ملايين دولار.

كان نيومان مثالًا للقيادة السيئة التي استغلت الشركة لمصالح شخصية، وأبدت أمثلة مختلفة على التهور وعدم الحكمة.

عود على بدء: هل wework شركة تكنولوجية؟

التكنولوجيا هي أساس منصتنا العالمية.
شركة WeWork، ملف الطرح الأولي للبورصة.

أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت WeWork تحوز هذا القدر من التقييمات الهائلة، هو أنها كانت تقدم نفسها على اعتبار أنها شركة تكنولوجية، وهو ما يعني إمكانية أكبر للنمو في المستقبل، ومن ثَم استحقاقها لتقييم عالٍ، وهو ما جعلها تكرر 123 مرة كلمة «تكنولوجيا» بتصريفات مختلفة خلال ملف الطرح بالبورصة، لكي تؤكد هذا المعنى.

ولكن العديد من المستثمرين قد رأوا أن WeWork هي شركة عقارات تقليدية، فهي في نهاية الأمر تقوم على تأجير الأماكن لمدة طويلة الأمد، ثم إعادة تصميمها من الداخل كي تناسب ثقافة العمل الحديثة، وخاصة في مجال الشركات الناشئة، ثم تقوم بتأجير هذه الأماكن في شكل مكاتب، وغير ذلك لمدد قصيرة للشركات الناشئة والصغيرة.

إذن فلا يوجد هناك مكون تكنولوجي حقيقي داخل النموذج التجاري، الأمر الذي جعل التساؤل الخاص بكون الشركة شركة تكنولوجية بالأساس هو سؤال جوهري، مما عنى تشكيكًا زائدًا في التقييم الخاص بالشركة.

ماذا عن المنافسين؟

المفارقة الكبرى كانت في تحليل المنافسة بين WeWork وأقرب منافسيها IWG، فرغم التفوق الكبير لـ IWG في العديد من المعايير فإن التقييم الخاص بالشركة لم يصل لعشر التقييم الأعلى لـ WeWork.

فعلى مستوى الدخل في 2018 حققت IWG مقارنة بـ WeWork دخلًا يساوي 3.8 مليار دولار مقابل 1.8 مليار للأخيرة، فيما وصل عدد المستخدمين إلى 2.5 مليون مستخدم لـ IWG مقابل نصف مليون فقط لـ WeWork. فيما وصلت IWG لحوالي 120 دولة وألف مدينة، بينما لم تصل WeWork سوى لـ 29 دولة و111 مدينة.

فيما كان الاختلاف الأبرز أن IWG هي بالفعل شركة رابحة، حيث حققت نصف مليار دولار من الأرباح في عام 2018 في مقابل خسائر 1.9 مليار دولار لـ WeWork، ورغم ذلك كله فإن تقييم IWG لم يتخطَّ 3.7 مليار دولار مقابل 47 مليار دولار تقييم WeWork.

http://datawrapper.dwcdn.net/elJAQ/5/

هذا كله كان يعني أنه على WeWork أن تقدم شيئًا ما يبرر هذا الفارق الضخم في التقييم، وهو الأمر الذي فشلت في تقديمه خلال عملية الطرح الأولي في البورصة، لذا انهار كل شيء.

WeWork ليست أول الشركات الناشئة التي تعبر عن فقاعة التقييمات الهائلة، التي لا تستند لواقع، وهو ما يدعو دائمًا لمراجعة هذه التقييمات على ضوء الأرقام والنتائج الواقعية للشركات الناشئة، كما أنه يؤكد حقيقة أساسية، وهي أن لهاث رواد الأعمال الجدد خلف التقييمات الهائلة لن ينتهي إلا بالفشل، وأن الأرقام والنتائج الحقيقية هي التي جعلت الآن أربعة من الشركات الخمس الأعلى تقييمًا في العالم هي شركات ناشئة تكنولوجية بالأساس.