محتوى مترجم
المصدر
Foreign Policy
التاريخ
2017/07/10
الكاتب
مجلة فورين بوليسي

أجرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مناظرة تحدث خلالها مجموعة من صناع السياسات والمتخصصين في شئون الشرق الأوسط حول مرحلة ما بعد عصر داعش، واتفق الخبراء الست على أن مرحلة ما بعد داعش ستشهد صراعات جديدة بالمنطقة سواء في العراق أو سوريا.

كما اتفق الخبراء على أن التنظيم سيظهر مجددًا وسيشن حرب عصابات يستهدف خلالها المدنيين. وذكرت المجلة أن الموصل خرجت بالكامل تقريبًا عن سيطرة التنظيم، فيما يتلقى هزيمة أخرى في الرقة السورية عاصمته الفعلية حيث تحقق القوات الكردية تقدمًا في معارك تحريرها.

وأضافت أن الانتكاسات الأخيرة للتنظيم وخسارته المزيد من الأراضي تطرح أسئلة جديدة حول مستقبل الشرق الأوسط. وقال إليوت أبرامز، وهو دبلوماسي أمريكي سابق وعضو بالحزب الجمهوري، «إن هزيمة تنظيم داعش ستطرح سؤالين شديدي الخطورة؛ أولهما: من سيملأ الفراغات التي سيتركها التنظيم؟».

ورأى أن جهودًا شديدة الوضوح يبذلها التحالف الجديد بين روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية لملء تلك الفراغات، الأمر الذي ينبغي أن ترفضه واشنطن حيث يهدد ذلك الأردن وإسرائيل ويجعل إيران القوة المسيطرة على المنطقة.

وشدد على ضرورة مقاومة ذلك التحالف على الأرض من قبل تحالف تؤسسه وتقوده واشنطن. أما فيما يتعلق بالصراع في سوريا، فأشار أبرامز إلى عدم وجود إمكانية لإعادة لم شمل أطياف ذلك البلد.

لكنه رأى أنه يمكن أن تنخرط واشنطن مع موسكو في نقاش لاستيعاب مصالحهما سويًا والحد من العنف والسماح بإعادة اللاجئين السوريين لمنازلهم. أما السؤال الثاني فهو: كيف يمكننا أن نتقدم ضد الجهاديين الذين سيستمرون في التخطيط ضد مصالحنا؟.

وأكد أبرامز أن الهيمنة الشيعية على المنطقة ستعزز من وجود الجماعات السنية وستساعد في تجنيدها للمزيد من العناصر داخليًا وخارجيًا. وربما تؤدي هزيمة تنظيم داعش لتقليص الدور الأمريكي في صراعات الشرق الأوسط، لكنها لن تنهيه.

ووفقًا لأبرامز، فسيؤدي ذلك لعدم تكرار لحروب العراق أو نشر قوات أمريكية هناك، لكن سيكون هناك حاجة لاستكمال طويل الأمد للالتزامات الأمريكية تجاه المنطقة من نشر عدد كبير من القوات في سوريا والعراق والأردن والأسطول السادس وقواعد أخرى بالمنطقة، تمارس أمريكا القوة من خلالها.

أما روبرت مالي، والذي عمل مساعدًا خاصًا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فيرى أن الحرب ضد تنظيم داعش لا تمثل أولوية لدى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، لكن ما يشغل بالها هو حروب ما بعد القتال ضد داعش.

وفسّر بأن ما يقلق تركيا هو معركتها ضد الأكراد الساعين للاستقلال، في حين أن السعودية وإيران توجهان اهتمامهما صوب تواجدهما الإقليمي. أيضًا، هناك منافسة بين قطر وتركيا من جانب ومصر والإمارات من جانب آخر، في حين يبرز الصراع الطائفي والعراقي بالعراق.

وأضاف أنه بعد فترة من الهدوء، ستواجه واشنطن صراعات جديدة في الشرق الأوسط وستواجه مسألة مدى تدخلها في تلك الصراعات. ولفت إلى أن الحلفاء سيتوسلون إليها من أجل التدخل، في الوقت الذي تنشغل فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب بمواجهة الإرهاب وإيران.

وفي ذلك الصدد، تعتبر السعودية والإمارات حربهما في اليمن ضربة لطهران، كما أنهما تظهران أزمتهما مع قطر على أنها محاولة ضد طهران. أيضًا، يخشى الأكراد أن تتخلى واشنطن عنهم وهم حلفاؤها في القتال ضد داعش، كما أنهم يعتبرون أنفسهم حصنًا منيعًا ضد إيران وتركيا، في حين تعتبر أنقرة الأكراد جماعة إرهابية.

وأوضح أن السبيل الأمثل لتأمين المصالح الأمريكية في العالم ما بعد داعش ليس الانخراط في أو تصعيد الصراعات، ما يؤول إلى اندلاع الفوضى والطائفية التي ولِد منها ويحيا بها داعش.

ونصح مالي بأن تقوم أمريكا بتخفيف حدة الحروب بالوكالة الحالية بالمنطقة، وإنهاء الأزمة الخليجية، والضغط لإنهاء حرب اليمن، والالتزام بموقف جاد تجاه الإسلام السياسي، وتخفيف التوترات بين السعودية وإيران وبينها وبين إيران أيضًا.

ويتطرق كول بونزيل، وهو كاتب مختص في شئون التنظيمات المتشددة، إلى نقطة أخرى حيث يرى أن القضاء على داعش سيخدم القاعدة، وربما يقوم داعش والقاعدة بتنحية خلافاتهما جانبًا ويتقاربان من أجل إبقاء شعلة الجهاد حية – على حد تعبيره.

وأوضح أن التكهن بانتصار القاعدة يستند إلى افتراض قوة ومرونة التنظيم واستعانته بإستراتيجية كسب ود وتأييد السكان واستغلال الصراعات المحلية وتطويعها لخدمة أهدافه الخاصة.

وأكد بونزيل أن القاعدة لا يزال يحظى بأفرع له من شمال إفريقيا إلى الهند، لكنه فقد مؤخرًا السيطرة على أهم فرع له في سوريا جبهة النصرة «هيئة تحرير الشام حاليًا».

وتابع: «عندما قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع التنظيم الأم في يوليو الماضي، بدا الأمر للكثيرين كأنه خدعة أو حيلة، لكن تأكد أنه لم تتم استشارة زعيم التنظيم أيمن الظواهري في ذلك وأنه لم يكن موافقًا على ذلك».

واعتبر بونزيل أن ذلك الأمر أوضح أن ثمة انهيار في قدرات القاعدة، على الرغم من أن الظواهري أكد أن شن هجمات ضد الغرب لا يزال يمثل أولوية له.

وأوضح أن ثمة اختلاف بين القاعدة وداعش، فالأخير يظل الأكثر قدرة على شن هجمات كبرى على أهداف غربية على غرار هجومي بروكسل ومانشستر، الأمر الذي لم يقم به القاعدة منذ سنوات. وينتقل بونزيل للحديث عن صعوبة فكرة المصالحة بين القاعدة وداعش في ظل التحقير والإهانات المتبادلة بين أتباع الجماعتين.

أما نوح بونسي، كبير المحللين في الشأن السوري بمجموعة الأزمات الدولية، فيتطرق في طرحه لمسألة دعم الولايات المتحدة للأكراد وهل ستتخلى عنهم؟.

وقال بونسي: «ربما يتوقف ذلك على تقييم إدارة أوباما لـ 4 أولويات؛ وهي تقليل التزاماتها الخارجية، وإصلاح تحالفها مع تركيا، وتوفير الحماية ضد عودة الجهاديين، ومجابهة النفوذ الإيراني».

وأوضح أن الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش شمال سوريا تعتمد على وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، تلك الجماعة المسلحة التي تخوض حربًا ضد تركيا حليفة واشنطن بالناتو.

وأشار إلى أن أهمية استمرار الدعم الأمريكي بالنسبة لوحدات حماية الشعب تتجاوز القتال ضد الجهاديين. ويفسر بالقول إن وجود الأمريكيين يردع أية هجمات تركية ضد الأكراد كما يحميهم من النظام السوري الذي يتنازع معهم على الأراضي.

وقال: «إن وحدات حماية الشعب تراهن في نهاية المطاف على توسيع الحماية لها من خلال ضمانات سياسية وعسكرية، ما يضمن بدرجة الكبيرة الحكم الذاتي للأكراد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم».

وأضاف بونسي: «على الرغم من ذلك، فإن هزيمة تنظيم داعش في سوريا ستدفع واشنطن للتفكير بتقليل دورها هناك وترك وحدات حماية الشعب في خطر، وهو الخيار الذي تفضله لتجنب المزيد من الإضرار بتحالفها مع تركيا».

وأكد بونسي أن تحييد مسألة عودة الجهاديين داخل سوريا سيتطلب استمرار المشاركة الأمريكية مع التركيز على تجنب التصعيد بين تركيا وحدات حماية الشعب وتعزيز الحكم المستدام في المناطق التي تحررها الوحدات الكردية من قبضة داعش.

واستبعد أن يكون هناك تعاون بين إيران أو المحور الجديد «إيران وروسيا وسوريا» ووحدات حماية الشعب، حيث إن الأخيرة ترى تهديدًا في تزايد النفوذ الإيراني شمال سوريا وتسعى للحد من وجود النظام السوري هناك.

أما عمرو العزم، وهو أحد أعضاء المعارضة السورية، فعبر عن خشيته من أن تسمح قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا، للنظام ومؤسساته بالعودة تدريجيًا للرقة بعد تحريرها من داعش. وتابع: «إن تسليم الأكراد مدينة الرقة للنظام السوري سيكون أشبه بزواج المصلحة».

وتحدث العزم أيضًا عن المرحلة المقبلة وهي استعادة السيطرة على مدينة دير الزور الإستراتيجية، آخر معاقل التنظيم في سوريا. وأضاف أن النظام السوري وحلفاءه قد تهيأوا للتحرك نحو المدينة واستعادتها، الأمر الذي يقرب النظام من الحدود العراقية، معتبرًا أن القضاء على داعش شرق سوريا لن يتحقق سوى بالسيطرة على دير الزور.

ورجح العزم ألا تشارك قوات سوريا الديمقراطية أو فصائل الجيش السوري الحر في تحرير دير الزور، لذا فإن الخيار الوحيد أمام واشنطن هو ترك تلك المهمة لقوات النظام وحلفائها. واعتبر ريناد منصور، الباحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، أن تدمير منارة الحدباء بالموصل مثّل للعديد من العراقيين نهاية تنظيم داعش.

ولفت إلى أن وجود التنظيم سيستمر وسيمثل تحديات جديدة، حيث سيلجأ لحرب العصابات وشن هجمات ضد المدنيين في مدن مزدحمة سكانيا بالعراق.

ورجح أن تتصاعد النزاعات حول الأراضي شمال العراق بين إقليم كردستان والجماعات شبه العسكرية المختلفة والسياسيين المحليين والجهات الإقليمية الفاعلة للظفر بنفوذ أكبر في كركوك ونينوى ومنطقة الحدود العراقية السورية.

أما في بغداد، فقد يبرز صراع بين الشيعة على السلطة وتحديدًا بين رئيس الوزراء حيدر العبادي من جهة ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي والزعيم الشيعي مقتدى الصدر من جهة أخرى. ورأى منصور أن ذلك سيؤثر على السياسات الأمريكية والإيرانية التي هي على خلاف فعلي.

بمعنى أن طهران ستعمل على تمكين حلفائها بالعراق كالمالكي والقادة الكبار بالحشد الشعبي، في حين تركز واشنطن على تعزيز قبضة العبادي على السلطة.

واختتم: «ولكي يتمكن العراق من مواجهة هذه التحديات، يجب عليه تعزيز مؤسسات الدولة والتوصل إلى تفاهم جديد لتقاسم السلطة».

وأوضح منصور: «وعندها فقط يمكن للدولة معالجة الأسباب الجذرية لظهور داعش والعمل على ترجمة الانتصارات العسكرية الحالية إلى تسويات سياسية طويلة الأجل وضمان ألا يكون العراق متجهًا صوب جولة أخرى من الصراع».