إذا كنت تتصفح فيسبوك بشكل يومي، ستكون قد رأيت لمرة واحدة على الأقل، منشور هزلي تحكي فيه إحداهن عن هروبها لغرفتها عند وصول الطلب الذي قامت بشرائه عبر الإنترنت.

تظهر تحليلات رابطة الصناعة لتجارة التجزئة عبر الإنترنت في بريطانيا (IMRG) ارتفاعاً في المبيعات في الأسبوع الأول من أبريل بمعدل 22%، مقارنة بالوقت نفسه العام الماضي.

ارتفع بيع منتجات التجميل بنسبة 140% في الأسبوع الأول من أبريل، كما لوحظ ازدهاراً كبيراً في الطلب على المنتجات الكحولية في بريطانيا منذ بدأ الحجر المنزلي، وتعد شركة Naked wines التجارية أحد أشهر المستفيدين، إذ تتوقع التحليلات زيادة إيرادات الشركة بمبلغ قدره 200 مليون إسترليني لعام 2020. حتى إن حساب الشركة الرسمي على تويتر قدم شكراً للعملاء لأنهم واصلوا الإشارة للشركة في منشوراتهم.

وأفاد التقرير أيضاً بارتفاع معدل شراء أجهزة التمارين الرياضية المنزلية، لكن أظرف ملاحظة أشار لها التحليل وموقع love the sales كانت ارتفاع معدلات شراء القطعة العلوية فقط من الملابس الرسمية، حتى يتسنى للموظفين العاملين من المنازل إجراء محادثاتهم ومقابلاتهم الرسمية دون تكبد عناء ارتداء القطعتين كاملتين.

تغير سلوكيات المستهلكين

ارتفاع التجارة الإلكترونية وسط انتشار الفيروس
ارتفاع التجارة الإلكترونية وسط انتشار الفيروس

مع الزيادة المستمرة في الإصابات داخل المدن والإغلاق شبه الكامل للمحال التجارية، تختفي السلع غير الضرورية من خريطة شراء المستخدمين، وترتفع في المقابل نسب شراء سلع أخرى، وتقل حركتهم على المتاجر والمحال التجارية.

يوضح تقرير جوجل عن الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية انخفاض بنسبة 46% في أنشطة التجزئة، منها 22% في شراء البقالة، وزيارة الصيدليات. وانخفاض بنسبة 19% في زيارات الشواطئ والحدائق. أما بالنسبة لإيطاليا، أكثر الدول المتضررة من الفيروس، انخفضت نسبة الحركة في أنشطة التجزئة بنسبة 94%، منها 85% في شراء البقالة وزيارة الصيدليات، و90% في زيارات الشواطئ والحدائق العامة.

بالنسبة لمصر، تظهر الأرقام انخفاضاً بنسبة 76% في أنشطة التجزئة، منها 20% انخفاض في زيارات الصيدليات وشراء البقالة، و43% انخفاض في زيارة الشواطئ.

ولوحظ أيضاً أنه حتى في حالة استمرار الزيارات للمتاجر، يقضي المستهلكين وقت أطول لشراء عدد منتجات أقل من المعتاد، بالنسبة لهم، الأمان والأولوية هما العاملان اللذان يتحكمان الآن في كل شيء.

تُظهر هذه التحولات في رأي المتخصصين تغيراً واضحاً في سلوكيات المستهلكين، تتغير المنتجات التي يشتريها المستهلكون، والأوقات المعتادة للشراء، وحتى طريقة الشراء نفسها. حسب تحليلات موقع Rakuten Intelligence، زادت نسبة شراء المنتجات الطبية مثل أدوات التعقيم والمطهرات، وارتفعت نسبة شراء المنظفات بنسبة 235%، وزادت نسبة شراء الأغذية والبقالة التي يمكن تخزينها واستخدامها على مدى طويل، مثل الحبوب والبقوليات بنسبة 113%. كما برزت ظواهر مثل هلع الشراء والإسراف في شراء منتجات بعينها. وتحول المستهلكين للشراء عبر الإنترنت، إذ ارتفعت نسبة الشراء عبر الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية في مارس ومنتصف أبريل بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي.

تُشير تحليلات موقع CC insights – الذي أسسته شركتا emarsys وgood data لتتبع أثر فيروس كورونا المستجد على الإنفاق اليومي وتجارة الإنترنت، في قطاعات ومناطق مختلفة – إلى زيادة كبيرة في مبيعات التسوق عبر الإنترنت بنسبة 79.89% في كندا، و86,66% في الولايات المتحدة مقارنة بنفس المدة العام الماضي.

أداء المبيعات عبر الإنترنت هذا الشهر متباين وإغلاق المتاجر التي اعتبرت غير ضرورية في الشوارع دفع أصحاب المتاجر الذين يملكون قنوات متعددة إلى البيع عبر الإنترنت كما أن اختلاف احتياجات المستهلكين وطلباتهم أحدثت تغيرات كبيرة على مستويات مختلفة.

لوسي جايبس، المستشار الإداري بشركة Capgemini المتخصصة في توفير نظرة متعمقة عن تجارة التجزئة
أداء المبيعات عبر الإنترنت هذا الشهر متباين وإغلاق المتاجر التي اعتبرت غير ضرورية في الشوارع دفع أصحاب المتاجر الذين يملكون قنوات متعددة إلى البيع عبر الإنترنت كما أن اختلاف احتياجات المستهلكين وطلباتهم أحدثت تغيرات كبيرة على مستويات مختلفة.
لوسي جايبس، المستشار الإداري بشركة Capgemini المتخصصة في توفير نظرة متعمقة عن تجارة التجزئة

أما على نطاق المتاجر الإلكترونية الكبيرة، ارتفعت نسبة البيع الإلكتروني بالنسبة لشركة «والمرت» للتجزئة بنسبة 24%، وبنسبة 48% في شركة «كوستكو»، وبنسبة 25% في شركة «تارجت».

بالنسبة لشركة سوق مصر، التابعة لأمازون، لاحظت الشركة أيضاً ارتفاع عدد العملاء الجدد وزيادة طلبات العملاء المعتادين. وتشاركت سوق كذلك مع مثيلاتها الأجنبية في ازدهار عمليات شراء أدوات المطبخ، والأدوات الرياضية المنزلية، والألعاب المنزلية، مما يعتبر في رأي الشركة استجابة للوضع الحالي وتغير في نمط الاستهلاك الذي يعطي أولوية للراحة داخل البيوت.

تحديات جديدة في سوق البيع والشراء

صورة من موقع سوق
صورة من موقع سوق
/

خلقت التغييرات في سلوك المستخدمين وانخراطهم في الأنشطة المنزلية تحدياً واضحاً لأصحاب المشاريع والمتاجر، في المناطق الأقل تضرراً اتجه البعض لفرض أعداد محددة من السلع المسموحة لأسرة واحدة أو فرد واحد، للحول دون هلع الشراء وسعياً إلى توفير الاحتياجات الأساسية للجميع.

لكن على نطاق أوسع، خلق الوضع الحالي، في رأي ماريا ستينجولتز، المدير العام لشركة L.E.K للاستشارات، حاجة جديدة على المتاجر والعلامات التجارية بحث سبل تلبيتها وابتكار وسائل جديدة يمكن من خلالها الانخراط مع المستهلكين ودمجهم في عملية شراء جديدة.

تسعى مواقع تجارية كبرى، مثل سوق دوت كوم، إلى زيادة قدرات الشركة على التوصيل، حتى تتمكن من الوصول وتغطية مناطق جغرافية أكبر. رغم أن الشراء عبر الإنترنت ليس آمناً بالكامل، لأننا ما زلنا نواجه معضلة التعرض للعدوى المنقولة من عمال التوصيل وعبر الأسطح والأكياس، إلا أن سوقًا أطلقت مجموعة من التدابير الاحترازية لضمان سلامة ونظافة عملية التوصيل، منها التطهير الدوري للسيارات، ومراكز التوزيع، وإلزام عمال التوصيل باتخاذ إجراءات السلامة والحفاظ على مسافة آمنة مع المستهلكين.

تشجع الشركات كذلك خدمات الدفع عبر الإنترنت لتقليل الملامسة وتداول النقود الورقية التي قد تنقل العدوى. إذ أطلقت شركة جوميا تطبيق «جوميا باي» للدفع عبر الإنترنت لتقليل الاحتكاك، كما يمكن استخدام التطبيق لدفع الفواتير وتسديد خدمات أخرى. في المملكة العربية السعودية ارتفع الدفع الإلكتروني إلى نسبة 409% مقارنة بالعام الماضي، كما تسعى المملكة ضمن خطة تنمية طويلة الأجل أن تزيد نسبة مدفوعات الإنترنت إلى 70% بحلول عام 2030. وقد أطلق البنك المركزي المصري بطاقة «ميزة» للدفع الإلكتروني نهاية مارس، كان هذا الإطلاق ضمن خطة الدولة المصرية لتقليل الاعتماد على الأوراق النقدية، وتشجيع المواطنين لإجراء مدفوعاتهم عبر الإنترنت.

هذه «الأتمتة» هي ما يراه الخبراء أمراً حتمياً وجب تطبيقه منذ وقت طويل، لكن الظروف الحالية ستجبرنا عليه وسيتحول كذلك ليصبح جزءاً أساسياً من حياتنا.

ازدهار بيع البقالة عبر الإنترنت

 
Designed by Freepik / Freepik

يحتل بيع البقالة والخضروات عبر الإنترنت مركزاً مهماً بين المجالات التي ازدهرت بشكل غير مسبوق في الوقت الحالي. إذ إنها وسيلة آمنة لتلبية احتياجات المنازل دون الحاجة إلى الذهاب للمتاجر والاختلاط بالعشرات من الناس. وفقاً لصحيفة الجارديان البريطانية، أظهرت البيانات إنفاق الشعب البريطاني 1.5 مليار دولار على شراء البقالة عبر الإنترنت في أربعة أسابيع في شهري إبريل ومايو.

كما أفادت الصحيفة أن حصة شراء البقالة عبر الإنترنت ارتفعت من 7% في مايو العام الماضي، إلى 13% في العالم الحالي، وبنسبة 10% أكبر من النسبة في شهر أبريل. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد المشترين من 4.8 مليون مشتر إلى 7.9 مليون مشتر مقارنة بنفس المدة العام الماضي.

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وحسب الاستفتاء الذي أجراه موقع Gullup العام الماضي، يشتري 11% فقط من المستهلكين البقالة عبر الإنترنت مرة واحدة تقريباً في الشهر. لكن تقديرات هذا العام تشير إلى أن مبيعات منتجات البقالة ارتفعت في أبريل الماضي بنسبة 56% مقارنة بالعام الماضي، ويحتل الطعام القدر الأكبر في هذه النسبة.

في أبريل نفسه، ارتفعت نسبة شراء الطعام عبر الإنترنت من 69.5% في الأسبوع الذي ينتهي 11 أبريل، إلى 103% في الأسبوع الذي ينتهي يوم 18 أبريل.

كما أفادت شركة Brick Meets Click أن مبيعات شراء البقالة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة خلال شهر مايو ارتفعت عن شهر أبريل بنسبة 18% لتصبح 73.5 مليار دولار.

في مصر، أشار موقع سوق إلى اتجاه المستخدمين في الفترة الأخيرة لشراء منتجات البقالة عبر الإنترنت بما في ذلك منتجات غذائية وأطعمة ومطهرات ومنتجات التنظيف. أما في المملكة العربية السعودية، استفاد تطبيق نانا لتوصيل البقالة في نهاية مارس من جولة تمويل جديدة بـ18 مليون دولار، قامت بعدها الشركة بتوسعة وصلت لثلاثة أضعاف في أعمالها استجابة للطلب المتزايد على خدماتها.

نظرة على السوق المصري

وصلت قيمة سوق التجارة عبر الإنترنت عام 2019 في الشرق الأوسط إلى 8.3 مليار دولار، وتمثل التجارة في مصر ودول تعاون مجلس الخليج 80% من هذه النسبة، حسب تقرير شركة Plain and company. بينما ارتفع الشراء عبر الإنترنت في الإمارات بنسبة 34%.

بدءًا من بداية العام الحالي، ارتفع الشراء عبر الإنترنت في المملكة العربية السعودية بنسبة 48%، وارتفع تحميل التطبيقات المخصصة لذلك بنسبة 400%، ويشهد البيع عبر الإنترنت في مصر زيادة بنسبة 47%، كما تظهر تقديرات مواقع نون وسوق وجوميا إلى ارتفاع نسبة الشراء لديهم إلى 940%.

كان هشام صفوت، المدير التنفيذي لموقع جوميا مصر، قد صرح بأن استخدام الموقع في ازدياد، وأن المستهلكين انتقلوا للتسوق عبر الإنترنت، لا بحثاً عن صفقات رابحة بل عن الموارد التي يحتاجونها بشدة. وأضاف أن ما يحدث سيشجع المشروعات على توجيه استثمارها في الاتجاهات الصحيحة مثل تحسين الخدمات التقنية واللوجستية.

أما على نطاق المشروعات الأصغر، يقول أمجد مصطفى، المدير التنفيذي لشركة فرزيانا الناشئة لتسويق المنتجات اليدوية، في تصريح خاص لـ«إضاءات» إن تجربة الشركة في الوقت الحالي تقوم الشركة بالأساس على كونها قناة بيع، تسوق عبر منصاتها للسيدات اللاتي يعملن في الحرف اليدوية منتجاتهن، مقابل 20% من المنتج المباع.

تضررت حركة البيع في فرزيانا بنسبة 70% والسبب في رأي أمجد هو أن معظم عملائهم تضرروا بدورهم من الأزمة وفقدوا دخولهم، مما دفعهم للتخلي عن الشراء غير الضروري. لتجاوز الأزمة، توجهت فرزيانا لحلول بديلة منها تخفيض نسبة الربح إلى 5% لمساعدة البائعات على الاستمرار، ولا تتوقع الشركة أن تنتهي آثار الأزمة قبل عامين على الأقل.

لا يمكن أن ندفع بأي تنبؤات حقيقية عن الوضع بعد انتهاء أزمة كورونا، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به هو أن الحياة لن تعود أبدًا كما كانت.