تشير دقات الساعة إلى حلول الليل على سماء مدينة ليستر الصغيرة. على أطرافِ المدينة وداخل منزله الأبيض، كان كلاوديو يتبادل حديثًا مسائيًا -شبه مُعتاد- مع صديقه الصحفي « ماسيمو ماريانيلا » عن لقاءات الدوري الأوروبي. وقبل أن تطول مُدة المُكالمة، تلقى إتصالًا من إدارة النادي جعله يقطع الحديث الودي بينهما. الإدارة التايلاندية لم تعتد الاتصال في وقت كهذا إلا لحادثٍ جلل.

«سيد رانييري، الأمر يتعلق بأصعب قرار اتخذناه منذ أن أصبحت ملكية النادي في حوزتنا قبل سبعة مواسم، لكن أنت تعلم أن مسؤوليتنا هي وضع مصحلة النادي على المدى البعيد فوق المشاعر الإنسانية، وذلك مهما كان وقعها قويًا. أظن أنك تتفهم الموقف بالكامل، ليس هناك من هو أكثر دراية منك بشئون الفريق، سنبقى ممتنين لك إلى الأبد».

كان السيد « آياواي سيريفادامبرايا » نائب الرئيس يُبلغ رانييري بالقرار النهائي للمجلس، بإزاحته من على رأس الجهاز الفني للثعالب لسوء النتائج المحلية.

عدّل كلاوديو وضع نظارته على أنفه، ثم تنحنح، بحثًا عن كلامٍ يُقال، بلا فائدة، فأتبع قائلًا: « أتفهم ذلك، شُكرًا لكم».


ماضٍ ليس ببعيد

بصوتٍ خلاب، أعلنت مذيعة الراديو أنها التاسعة من صباح يوم الثالث عشر من يوليو/تموز. داخل سيارته كان يُدندن في خفوت أحد مقطوعات «أندريا بوتشيلي» الساحرة؛ لم تكن المسافة طويلة بين مقر فندق إقامته ومقر النادي وبالتالي لم تتسنَ له فرصة إكمال المقطوعة الغنائية. فور وصوله إلى البوابة الرئيسية، نزل عن سيارته ثم استغنى عن معطفه مؤقتًا لداخل السيارة وسرعان ما تخطى البوابة مُتجهًا لمكتب الرئيس.

بابتسامة دبلوماسية، استقبلته مُديرة المكتب وهي تومئ برأسها أن تفضل. داخل الغرفة الرحيبة، كان الرئيس – بعينين شبه مُغلقتين خلف الواقي الزجاجي – يجلس وعن جانبه أحد أبنائه الذي وقف مباشرة فور دخول كلاوديو إلى الغرفة.

« مرحبًا بك في وكر الثعالب». قالها نجل الرئيس.

«أنت تعلم أن الفريق عانى كثيرًا في الموسم الماضي من أجل البقاء ضمن الكبار، هذا الأمر كان غاية في السوء بالنسبة لنا، وفي الحقيقة لا نرغب في أن نعيشه مرة أخرى. وعليه، فإن المؤكد أن مهمتك الأساسية هي الابتعاد عن شبح الهبوط قدرما استطعت، لا أريد أن أرى وجهه العبث مرة أخرى يا عزيزي، وأظن أنك تشاركني الرغبة». كان حديث «فيتشاي سريفدانابرابا» موجهًا لرانييري، لكن ناظره يتناوب بينه وبين ابنه مع كُل جُملة.

« أعلم أن لليستر سمعة طيبة داخل إنجلترا، وأعلم كذلك أن الأمور في الدوري الممتاز تختلف بعض الشيء عنها في الدرجة الأولى. كُنت هُنا منذُ أعوام قليلة وأرجو أن تُفيدني خبرتي في جعل الأمور أفضل؛ لذلك أشاركك الظن، نحن نتفق على نفس الرغبة، الابتعاد عن شبح الهبوط هو المهمة الأسمى». قالها كلاوديو رانييري.


أصبحتُ لا أليق ببطل إنجلترا !

لدقائق طويلة، ظل على حالته الصامتة وبين يديه -المرتعشة – هاتفه في سكون. قطعت زوجته حالة الصمت تلك متسائلة عن سببها؛ ليجيبها ونظره متمسك بصورته المعلقة على الحائط « أصبحت لا أليق بطموح بطل إنجلترا !». ثم حول رأسه تجاهها « أنا أعطل مصالح الفريق على المدى البعيد» قالها رانييري ضاحكًا «سيكون لدي يوم طويل بالغد، طابت ليلتك» ثم هم واقفًا تاركًا إياها في ذهول.


عجوز سندرلاند

استمر الصمت في العموم داخل أرجاء المنزل في الصباح التالي لليلة الإقالة. رانييري كان يتحرك داخل المنزل بعقلٍ شارد، وكأن الذكريات قد تجمعت في جمود داخل عقله، مما أضاف ثٌقلًا لا يُمكن تحمله. كان قد طلب من كافة المتواجدين بالمنزل أن يرفضوا استقبال أي صحفيين. لكن على الرغم من ذلك، طُرق بابه من قبل زوجته.

« هناك سيدة ومعها طفليها يرغبان في لقائك. لا تقلق، أكدت ليْ أنها فقط ترغب في التقاط صورة وداعية وليس لها أدنى صلة بالجهات الصحفية».

ارتدى رانييري أول ما طالت يداه، واستعاد بشاشته المُعتادة – قدر المستطاع – ومن ثم اتجه ليلاقي هذه السيدة.

«شكرًا لك سيدي على قبول طلبي، أنا آسفة جدًا على أخبار إقالتك، كنت أود لو بقيت معنا لمدة أطول من هذه. لن أطيل عليك، أعلم أن الوقت غير مُناسب لذلك، فقط أريد أن ألتقط صورة لك رفقة ولديّ، سأكون ممتنة جدًا لذلك».

بابتسامته المعهودة قال: «لا مانع لديّ على الإطلاق».

خلف النافذة الزجاجية، كانت زوجته تتابع المشهد بعينين يختلجان بالدموع. رحلت الأم وطفلاها، وظل رانييري على حالته أمام باب المنزل متسمرًا بلا سببٍ مُعلن. دقائق قليلة، ثم عاد للمنزل وقدماه تكادان لا تتحركان. وفور رؤيته لوجه زوجته شبه الباكي أشار بيده للخارج قائلًا:

«في مدينة سندرلاند، وقبل دخولي للمباراة، وجدتُ امرأة مُسنة ترتدي قميص النادي وتنتظر وصول الفريق. حينها كُنت مذهولًا من تحركها، وهي في هذا العمر، من وسط البلاد إلى شمالها الشرقي، لا لشيء، فقط تبحث عن الفرحة في أقدام اللاعبين. لم نكن لنوصف بالفريق البطل قبل ساعات فقط من الحسم النهائي، لم يكن لعاقل أن يتوقع ذلك على الإطلاق؛ لكن هذه العجوز تمنته وآمنت به ربما أكثر من كل من في فريقي».

مسيرتي طويلة للغاية، أنا رجل لم يعد يعرف السواد لرأسه طريقًا، أشعر بخشونة في صوتي وضربات قلبي لم تعد كما كانت. لكن هذه الضربات عملت وبحالة غير مُعتادة طوال هذه السنة. أتيتُ إلى هُنا أبحث عن السعادة، عن الشغف. تمنيتُ أن تكون الرحلة ممتعة، أيًا ما كانت نهايتها، لأنني، بشيبِ هذا الرأس، أدركتُ تمامًا أنه لابد من وجود بعض المأساوية في تلك الرواية، لا يُمكن أن تظل حالمة سعيدة إلى الختام. لكن سأكون كاذبًا إن قولت أنني توقعت أن يتخلل تاج إنجلترا الذهبي أحداث القصة، لم أكن لأتخيل ذلك مُطلقًا.

لا أخفيكِ سرًا يا عزيزتي، أشعر بأن شيئًا عظيمًا قد مات فيّ. ربما لم يكن لذلك الحلم وجود في داخلي قبل أشهرٍ قليلة، لكنه قد وُلد، وسريعًا ما توفي. القصة بالكامل غير منطقية، كيف نفوز بالدوري الإنجليزي في وسط هؤلاء الكبار؟ وكيف تتم إقالتي بعد إنجازٍ كهذا!

«ديلي دينج، ديلي دونج» قُضيْ الأمر، لا داعي لهذا الحديث. مسح وجهه بكفيه المرتعشتين ثم قال: «لا بد أن الجميع ينتظر ردي على الأخبار المُعلنة، بالتأكيد تم الإعلان الرسمي عن رحيلي، سأجهز شيئًا ما للجماهير».