تتغير قائمة أثرياء العالم سنويًا، في أحيان قليلة يخرج اسم من القائمة ويدخل اسم آخر، لكن في أغلب الأحيان يكون الأمر مجرد تبادل للترتيب بين أفراد القائمة المعتادين. وبينما تكون بعض القصص لهؤلاء الأثرياء ملهمةً في أنهم كوّنوا ثرواتهم دون الحصول على شهادة جامعية رسمية، إلا أن الأغلب منهم قد حصل على دراسة أكاديمية جامعية، وبعد التخرج كذلك.

فمثلًا قد حصل 51 مليارديرًا على شهادة جامعية من جامعة هارفرد، وهي على قمة الجامعات التي يتخرج فيها الأثرياء. وتأتي جامعة ستانفورد في المركز الثاني، فقد تخرج فيها 34 مليارديرًا. أما كلية هارفرد للأعمال فجاءت في المركز الثالث بـ20 خريجًا من المليارديرات.

لهذا يبدو من البديهي أن تتربع الولايات المتحدة على عرش الدول التي درس فيها أكبر عدد من المليارديرات في العالم. فقد درس فيها 615 مليارديرًا. أما الصين فدرس فيها 150 واحدًا، وروسيا 96 فردًا، أما الهند فدرس فيها 36 مليارديرًا. وأقل دول العالم التي درس فيها مليارديرات كانت أوكرانيا، فقد درس فيها 9 مليارديرات فقط.

أما بخصوص التخصصات نفسها فعند النظر إلى القوائم التي تضم أغنى 100 رجل في العالم، على مدار الأعوام الماضية، نجد أن قرابة 12% منهم قد درس إدارة الأعمال. لكن بينما 9% درسوا فروعًا أدبية في الجامعة. وهناك 4% منهم قد درسوا الرياضيات والعلوم المصرفية. أمّا من درسوا الهندسة فهم الأكثر ثراءً فتبلغ ثرواتهم مجتمعة قرابة 25% من قيمة ثروات أثرياء العالم.

المفاجئ أن العلوم والفنون هي رأس التخصصات الأكاديمية التي درسها الأثرياء. فهناك 526 مليارديرًا قد حصلوا على بكالوريوس في العلوم والفنون. أما من حصل على ماجستير إدارة الأعمال فعددهم 148 فقط. أما العلوم فقد حصل 49 على الماجستير فيها. 16 مليارديرًا فقط هم من اهتموا باستكمال رحلتهم التعليمية والحصول على درجة الدكتوراه في تخصصهم. أما الذين درسوا القانون فعددهم 33 رجلًا. وقد كان للطب نصيب في الوجود بين التخصصات التي درسها أثرياء العالم، فقد درسه 17 مليارديرًا.

اقترضوا لأجل إكمال التعليم

برنارد أرنو يتربع على قائمة أغنى 10 رجال في العالم لعام 2023. كان أرنو مهتمًا بدراسة الهندسة المدنية، التي كانت ستؤهله لقيادة شركة جده وأبيه. لكن والدته كانت مولعة بالموضة، وبشركة ديور تحديدًا. فاستطاع تكوين شركة ناجحة للسلع الفاخرة، وعبرها استحوذ على شركة ديور. وكان أرنو في المراكز الخمسة الأولى ضمن قائمة الأكثر ثراءً، لكن عام الجائحة أسهم في وضعه على القمة بسبب ارتفاع مبيعات الموضة عكس المتوقع.

أما رجل المركز الثاني، حاليًا فهو إيلون ماسك. علّم ماسك نفسه البرمجة في سن العاشرة. التحق أولًا بمدرسة بريتوريا العليا للبنين في جنوب أفريقيا، لكنه تركها كي لا يؤدي الخدمة الإلزامية في جيش جنوب أفريقيا. ثم قضى عامين في جامعة الملكة في كندا. ثم سافر من كندا لدراسة الاقتصاد والفيزياء في جامعة بنسلفانيا. حصل على شهادة التخرج لكنه قضى عامًا إضافيًا لينهي بكالوريوسًا تخصصيًا في الفيزياء.

أما جيف بيزوس صاحب المركز الثالث عالميًا، فقد بدأ حياته الوظيفية فتى شوّاية في مطعم ماكدونالدز. وكان ينظم معسكرات صيفية للأطفال لتعينه على تحمل تكاليف دراسته. تلك الدراسة التي تنوعت في فروع مختلفة. فبدأها بجامعة برينستون المرموقة، ليدرس تخصص الفيزياء الذي كان شغوفًا به منذ الصغر، كجزء من شغفه بالفضاء. لكنه لاحقًا عدّل تخصصه لدراسة علوم الحاسب. في تلك المرحلة لفت النظر إليه بتفوقه رغم أنه قد بدأ في جني أموال معتبرة من مشاريعه العديدة.

في المرتبة الرابعة يقع لاري إليسون. مؤسس شركة أوراكل الأمريكية، والتي تُعتبر واحدة من أبرز شركات التقنية والبرمجيات في العالم. كانت حياة لاري صعبة، فقد كان والده دائم التنقل بحكم عمله طيارًا مقاتلًا في القوات الجوية الأمريكية. وانتقل في عامه الأول للعيش مع أفراد عائلته في شيكاغو. قضى طفولته في حي من أحياء اليهود السود. أثر ذلك على حياته الدراسية، وتعرض للطرد من عديد من الجامعات، ومن نفس الجامعة طُرد عددًا من المرات. حتى إنه اضطر لتعلم البرمجة ذاتيًا عبر القراءة.

المدرسة عرّفت بيل جيتس على الحاسب

أما المركز الخامس4 فمن نصيب وارن بافيت. التحق الرجل بكلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا. ثم انتقل إلى جامعة نبراسكا وتخرج فيها. كان التخرج عام 1949، ثم بعد عام حصل على بكالوريوس في العلوم من نفس الجامعة. أراد الالتحاق بكلية هارفرد للتجارة لكن الكلية رفضت طلبه، فالتحق بكلية التجارة جامعة كولومبيا. كان هدفه من الالتحاق أن يدرس كتاب المستثمر الذكي لبنيامين جراهام، وهو الكتاب الذي سيكون مرشدًا لبافيت في بقية حياته حتى تربعه على عرش الثراء.

بيل جيتس يحتل المركز السادس. ترعرع في عائلة لها تاريخ طويل وعريق في العمل السياسي والعام. وفي بدايات عمره أظهر جيتس بزوغًا وتفوقًا على زملائه في المدرسة الابتدائية. وكانت الرياضيات والعلوم هما منطقتا قوته المفضلة. وحين رأى والده هذا النبوغ ألحقاه بمدرسة ليكسايد الخاصة. كانت المدرسة مشهورة آنذاك بجوّها الأكاديمي المميز، وملاحقتها لآخر التطورات العالمية. وفي تلك المدرسة تعرف بيل جيتس على اختراع الحاسوب لأول مرة.

السابع هو مايكل بلومبرج، رجل الأعمال والسياسي الأمريكي البارز. لم يكن يستطيع إكمال تعليمه لولا بعض الوظائف التي شغلها مثل تنظيف السيارات. ولكي يكمل التعليم اضطر لاقتراض أموال من بنك حكومي أمريكي. لأنه يدرك أن الفشل لم يعد اختيارًا متاحًا، أظهر نبوغًا دراسيًا كبيرًا. تخرج في جامعة جون هوبكنز وحصل على شهادة في الهندسة الكهربائية. لكنه التحق لاحقًا بجامعة هارفاد وحصل منها على ماجستير في إدارة الأعمال.

كارلوس سليم، المكسيكي من أصل لبناني، فهو في المرتبة الثامنة عالميًا. فقد درس في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، وتخرج فيها مهندسًا. كان كارلوس قد بدأ العمل منذ سن الثامنة، لذا فعند تخرجه في الجامعة في عمر السادسة والعشرين كانت ثروته قد بلغت 40 مليون دولار.

التعليم هو الأهم دائمًا

أما المركز التاسع فمن نصيب الهندي موكيش أنباني. كانت حياتهما صعبة كعادة الأسر الهندية الآتية من طبقة متوسطة. وانضم إلى مدرسة هيل جرانج في مومباي. أنهى موكيش دراسته بالتخرج في قسم الهندسة الكيمائية من قسم التكنولوجيا الكيمائية بالجامعة. وقد كان ترتيبه السادس بين دفعته. بعد التخرج قدّم لدراسة ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ستنافورد. بعد التحاقه بالبرنامج فشل في عامه الأول، فلم يستطع إكمال دراسته به. ثم ترك الأكاديميا ليبدأ مسيرته المهنية في خيوط الغزل والنسيج، ثم البتروكيماويات لاحقًا. وفي عام 2010 مُنح درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم من جامعة جوجارات.

ستيف بالمر، هو العاشر في قائمة الأثرياء حاليًا، إذ كان الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت لمدة 14 عامًا. والده هو فريديرك هنري بالمر، مدير شركة فورد للسيارات. درس الهندسة في جامعة لورانس التكنولوجية، كما تخرج في مدرسة ديترويت التابعة للكلية التحضيرية في بيفرلي هيلز بمجموع ممتاز في المناهج الحسابية، ما لفت النظر إلى قدراته الإدارية.

بالتأكيد سوف تتغير قائمة الأثرياء، ويظهر آخرون ويختفي حاليّون، لكن الثابت أن رحلة السعي للتعلّم هي أساس ما يصل إليه الأثرياء. فهم يجمعون بين التعليم الأكاديمي النظري، سواء في مجال العمل أو في مجال بعيد، ويجمعون معه التعليم الحياتي المبني من تراكم الخبرات عبر الاحتكاك مع سوق العمل ومهاراته.

ومع تعقد التكنولوجيا وتعمق فروعها، وتوجه العالم نحو التخصص الدقيق في قلب التخصص العام، فإن قيمة الأكاديميا تزداد يومًا بعد الآخر. صحيح، أنه على الجهات المعنية بتقديمها مراعاة أحوال سوق العمل، ومواكبة العصر، لكن الأكاديميا النظرية ستظل حتى في صورتها القديمة مطلبًا مهمًا وحيويًا للنجاة في عالم الأعمال.