سوف نصل إلى جميع أنحاء العالم، وسنمد يد العون باسم تركيا إلى جميع المظلومين.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان

لماذا تيكا وكيف نشأت؟

في 26 من ديسمبر/كانون الأول 1991 انهار الاتحاد السوفيتي، جمهوريات عدة تفككت. لم يكن لديها الخبرة الكافية في الحكم وإدارة شئونها، وكانت بحاجة إلى من يقدم لها الدعم ويساعدها. حينها كانت تركيا هناك، لتقتنص تلك الفرصة التي تنتظرها منذ الحرب الباردة. فها هي تستطيع الوصول لتلك الجمهوريات وتعزز علاقاتها معها. ويمكنها أن تصبح الأخ الأكبر لها.

سارعت تركيا إلى الاعتراف بتلك الجمهوريات، وعملت على تقديم مختلف أنواع الدعم لها، فتنوع بين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. هنا، ظهرت الحاجة إلى كيان يقوم بتنسيق هذا الدعم. فأنشأت تركيا وكالة للتنسيق والتعاون (تيكا). ولم يستغرق الأمر أكثر من شهر واحد، حيث تم الإعلان عن تأسيسها في 24 من يناير/كانون الثاني 1992. لتبدأ عملها في مساعدة تلك الجمهوريات بتقديم الدعم والمشروعات طويلة الأجل.

استمر الوضع هكذا حتى بداية الألفينيات، حيث زاد ثراء عدد من هذه الجمهوريات، وتحولت من دول تحتاج المساعدة إلى دول تقدم المساعدة. وحققت بذلك المنظمة الهدف الذي أنشئت من أجله. إلا أن هذا لم يعن انتهاء دورها أو اندثاره. بل بداية لمزيد من التوسع حول العالم.

فاعتبارًا من بدايات الألفينيات ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وسعيه لأن تصبح تركيا عنصرًا فاعلًا في المنطقة والعالم، تم إلحاق الوكالة برئاسة الوزراء. كما تم توسيع نطاق مساعداتها. فوصل عدد مكاتب برامج التنسيق الخاصة بها من 12 في عام 2002 إلى 25 مكتبًا عام 2011، ثم ارتفع هذا العدد إلى 33 في 2012. واليوم تواصل أنشطتها عبر 56 مكتبًا حول العالم.


تنطلق أينما يوجد الضحايا

مثلما اتسع نطاق أعمالها حول العالم،اتسعت نوعية هذه الأعمال وتنوعت بين المجالات الخدمية والجوانب الثقافية. ففي المناطق الأقل نموًا، تفتتح المدارس التعليمية وتقدم المساعدات في مجالات الصحة، والسكن، وتوفير المياه وغيرها. وفي مناطق النزاعات تقوم بمساعدة الضحايا واللاجئين عبر توفير المخيمات وأماكن اللجوء ومقومات الحياة. وفي مناطق ثالثة تهتم بالمرأة والانتهاكات ضدها. ورابعة تمسح بها آثار الحروب والنزاعات عن الأطفال والمنكوبين.

وهكذا وصلت هذه المساهمات لمختلف البقاع بالعالم. ففي آسيا الوسطى والقوقاز نفّذت عددًا من المشاريع التعليمية وصلت إلى نحو 396 مشروعًا في 2006. كما نفذت أكثر من 256 مشروعًا في البلقان وأوروبا الشرقية في العام نفسه.

وكانت بدايتها مع أفريقيا عام 2005، حينما افتتحت المكتب الأول لها هناك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وفي 2006، تأسس المكتب الثاني في الخرطوم، ثم السنغال في 2007. وانطلقت حتى وصلت مشاريعها التنموية الآن إلى أكثر من 37 دولة بالقارة السمراء، بحجم مساعدات وصل عام 2013 إلى قرابة 781 مليون دولار. فيما تجاوز حجم المساعدات التنموية المقدمة من تركيا لدول القارة منذ بداية 2016، وحتى الآن أكثر من 2.3 مليار دولار.

ولعل أبرز الأمثلة على تلك المساهمات ما قامت به من جهود تنموية بالسودان، فقد نفذت مشروعات عدة في مجالات الزراعة والمياه ودعم الجامعات. كما أنشأت المستشفى التركي في «نيالا» بإقليم دارفور بتكلفة مالية بلغت أكثر من 50 مليون دولار، وقامت كذلك بترميم الآثار بمدينة سواكن وتنظيم الطرق المؤدية إليها.

ولم يكن الأمر ليتوقف عند السودان، إذ انطلقت منها إلى الصومال، وإثيوبيا، والنيجر، وتشاد، وتنزانيا، وجنوب أفريقيا، وغيرها من دول القارة.

كما تحركت في الشرق الأوسط،فقدمت الدعم لأهالي غزة في 2008 و2010، ووفرت المساعدات للسوريين بالداخل والخارج، وساعدت النازحين بليبيا. حتى استأثر الشرق الأوسط وأفريقيا بالجزء الأكبر من مساعداتها، والتي بلغت في عامي 2016 و2017 نحو 14.5 مليار دولار طبقًا لتصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم.


تيكا ليست وحدها

بالطبع لم تكن تيكا المؤسسة الوحيدة بتركيا المعنية بتقديم المساعدات حول العالم. فقد شاركها بهذا المسار عدد من المؤسسات الحكومية، أبرزها أفاد (AFAD). والمؤسسات غير الحكومية على غرار هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH). ويمكن توضيح أبرز فعالياتها واختصاصاتها سريعًا على النحو التالي:

1. إدارة الكوارث والطوارئ التركية «AFAD»

منظمة إنسانية تعنى بإيصال المساعدات الإغاثية، تقوم بإيصال مساعداتها لمختلف المناطق بالعالم. فتسرع لنجدة كل محتاج، سواء كان الحادث ناجمًا عن حروب أو زلازل أو سيول أو غيرها من الكوارث، وقد حصلت على المرتبة الرابعة في مستوى المساعدات اﻹغاثية الدولية لعام 2012، بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واﻷمم المتحدة، ودخلت بذلك إلى مستوى العالمية في اﻹغاثة، ولعل أبرز إنجازاتها حاليًا في سوريا. فقد أنشأت مراكز إيواء للاجئين السوريين في 10 ولايات تركية، وتزايدت أعداد تلك المراكز حتى تعدت الـ 500 ألف مركز. ولم تتوان عن تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين المتضررين طوال سبع سنوات منذ اندلاع الأزمة.

وكما سارعت لإنقاذ السوريين، تحركت أيضًا لمساعدة الروهينجا عقب ما شهدته ميانمار من قتل وتشريد لهم. وقامت بتفعيل حملاتها لمساعدتهم على البقاء على قيد الحياة.

2. هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات «IHH»

تم تأسيسها عام 1992، بغرض مساعدة المسلمين في البوسنة الذين تعرضوا للإبادة. بدأت أنشطتها بشكل تطوعي حتى اكتسبت الطابع المؤسسي في 1995. وأصبحت تعمل الآن في 120 دولة حول العالم. وقد سعت لتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير مقومات الحياة لكل متضرر حول العالم. فجعلت أولوياتها مناطق الحروب والكوارث الطبيعة والمناطق الفقيرة بالعالم، وأطلقت العنان لجهودها في مساعدة المنكوبين لاستئناف حياتهم.

مؤخرًا، وفرت المساعدات لآلاف العوائل من الروهينجا التي نجحت في عبور الحدود البنغالية واللجوء إلى بنغلادش. كما واصلت مساعداتها للسوريين التي بلغت نحو 321 مليون دولار، تراوحت بين المساعدات العينية وإنشاء مخيمات للجوء. والآن تقوم بدورها في استقبال المهجرين من الغوطة الشرقية وتقديم الدعم لهم.


جهود آتت ثمارها.. ولكن

«جهود أتت ثمارها».. هكذا يمكن وصف مساهمات تلك المؤسسات الإنسانية. فقد تمكنت من تحسين صورة تركيا دوليًا، وقدمتها كأبرز الدول دعمًا للمتضررين، وبفضل جهودها تربعت أنقرة على قائمة الدول الأكثر تقديمًا للمساعدات الإنسانية في العالم، كما تصدّرت القائمة من حيث مقارنة حجم المساعدات مع الدخل القومي للبلدان.

فطبقًا لتقرير المساعدات الإنسانية العالمية لعام 2014،حلت تركيا بالمركز الأول عالميًا، ومُنحت لقب «البلد الأكثر سخاء»، حيث بلغت تبرعاتها نحو 1.6 مليار دولار أي ما يعادل 0.21% من مجمل دخلها القومي. وفي 2015 احتلت المركز الثاني في العالم بعد واشنطن بتقديمها مساعدات رسمية بقيمة 3.2 مليار دولار، وتخصيصها نحو 0.37% من دخلها القومي لهذه المساعدات. وتقدمت بذلك على كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وألمانيا.

ومع هذا يبقى التساؤل: هل خلا الأمر من جوانب سياسية؟

الإجابة بالطبع لا، فعالم السياسة لا يخلو من مصالح. وأنقرة كغيرها من الفاعلين الدوليين تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية حول العالم. فتستغل تلك المنظمات كأداة من أدوات السياسة لتعزيز نفوذها الخارجي.ويبدو الأمر واضحًا في أفريقيا. فوراء ذلك الخطاب السياسي النبيل حول المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية بالقارة أهداف عدة للانفتاح السياسي والاقتصادي، وفرص كبيرة لتضييق المجال على المنافسين، والدفاع عن المصالح، وتحقيق الطموحات التركية في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة.