محتوى مترجم
المصدر
Deutsche Welle
التاريخ
2017/11/16
الكاتب
دويتشه فيليه

أجرت شبكة «دويتشه فيله» الألمانية مقابلة مع «روجر بيركويتز»، الباحث في مركز «حنة أرندت» للسياسة والعلوم الإنسانية في كلية بارد الأمريكية.

وحنة أرندت هي فيلسوفة ألمانية من أصول يهودية، وخلال حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية الماضية برزت نظرياتها، ولجأ إليها المواطنون لفهم مجريات الأمور بشكل أفضل.

ويقول بيركويتز إن أرندت تساعدنا في إدراك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس «توتاليتاري»، لكنه يجمع عناصر «التوتاليتارية».

ويضيف:

تعتقد أرندت أن أحد العناصر الجوهرية للتوتاليتارية هي أنها تأسست داخل حركة، لكن الحركة لا تسعى لسياسات قابلة للتحقيق لأنه إذا تم تحقيق السياسة، فستفقد الدافع وراءها.

لقد اعتبر «ترامب» نفسه صراحة أنه اللسان الناطق للحركة التوتاليتارية، وهذا موقف خطير لأي سياسي، حيث يعني ذلك أنه مهتم بحشد الناس عن إنجاز أي هدف.

كما أنه يهتم بإثارة وحشد قاعدة من الناس، وذلك أمر خطير لأنه يوجِب عليه استمرار تجاوز الحدود، وفي أي وقت يحقق خلاله أي هدف، فسيكون عليه إيجاد شيء آخر صادم يتخطى الحدود يحتفظ من خلاله بإثارة الناس وحشدهم. وتدرك أرندت ذلك، وترى أن الحركات تكون أكثر جذبًا في العصر الحديث، وأنها مهمة في مجتمعنا لأن ما تقوم به الحركات هو منح الناس الشعور بالهدف في حيواتهم.

ويقول بيركويتز إن أحد الأشياء التي تحدثت عنها كثيرًا في كتابها «أصول التوتاليتارية» هي أن الأصل الحقيقي للتوتاليتارية بالعصر الحديث هو ما يشعر به الناس في يومنا هذا من تشرد ووحدة وافتقار للأصول. وأوضح أن جيل أرندت كان الجيل الأول في تاريخ العالم الذي كان مضطرًا لأن يحيا حياة دون الإيمان بالتقاليد والدين والعائلة والماضي والعادات كوسائل لتنظيم الحياة وإضفاء معنى لها.

ويضيف:

ما تعنيه أرندت هو أن الألم في الحياة وافتقادها للمعنى من خلال الدين والتقاليد والعائلة والانتماء لمجتمع متناغم، هو ما يدفعنا لتبني حركات نجد من خلالها المعنى والهدف في الحياة.

ويشير إلى أن أرندت ترى أنه ثمة حاجة لأن نتبنى حركة نرى هويتنا من خلالها، فإذا قالت الحركة: «إن كل اليهود هم سبب الشرور في العالم»، وإن هناك يهوديًّا لا يسبب أي شرور، فإن الطريقة الأسهل للإبقاء على استمرار حركتك هي قتل اليهودي دون وجود دليل على ذلك.

وتقول أرندت إننا نفضل عالما كاذبا يدعم إحساسنا بالهدف والمغزى في حركتنا وهويتنا عن فوضى الواقع، التي تجعلنا نشعر بعدم الارتياح من أي معنى وهدف بالحياة. ووفق أرندت، يقود ذلك لإحدى طرق فهم ترامب، فهو يقدم للناس عالما كاذبا من الثبات على المبدأ، ما يعد مثارا للسخرية؛ لأن خيال ترامب مبني على التضارب، فهو يكذب ويغير رأيه بانتظام.

لكن العالم الذي يعنيه ترامب ضمنيا، والآخر الذي يقدمه للناس، ينطوي على الوثوق به على أنه الشخص الذي يخلق معنى لأي عالم غير مستقر ويوجهنا خلاله. ويفضل الناس أن يكون لدينا شخص يمكنه عبور الأوقات الصعبة بنا بدلا من التعامل مع فوضى أكاذيب ترامب وتغييراته وتقلبه.

ويقول بيركويتز:

ثمة خطر فعلي نواجهه في تجاهل ترامب التام للواقع وعدم اكتراثه بمعاني الكلمات، فهو يمكن أن يقول شيئا اليوم ثم يقول شيئا آخر غدا وينكر ما قاله بالأمس، وذلك من شأنه أن يثير السخرية تجاه الخطاب العام.

إن التحدي الحقيقي من وجهة نظر أرندت هو أنه خلال الأعوام الأربع المقبلة ينبغي التأكيد على معنى الخطاب العام وأهمية المؤسسات العامة وعدم السماح بسيادة السخرية، إن أحد الأخطاء التي أعتقد أن اليسار يقترفها هي ادعاؤه أن ترامب عنصري أو مناهض للسامية.

لكنه ليس كذلك، فإذا ركزنا على عنصريته، فسنجد أن اليسار يشارك في ذلك التزييف للواقع باسم الحركة أو اسم السياسة، وذلك سيزيد من مدى السخرية لعالمنا السياسي.

حقيقة الأمر هي أن اليسار واليمين كليهما متورطان في حزبية أيديولوجية كاملة، وهي لعبة خيالية غير واقعية للسياسة، الأمر الذي يعد خطيرا للغاية حيال أي أمل لإيجاد خطاب عام مشترك ذي مغزى يعيد إحياء الديمقراطية.