لا صوت يعلو فوق صخب فيروس الكورونا الجديد (كوفيد-19) الذي يواصل هيمنته المستحقة – والمبالَغ فيها في نفس الوقت – على صدارة أخبار الدنيا، لا سيما وأن ماكينته الدموية تواصل حصد الأرواح في قارات العالم كلها، رغم بدء السيطرة عليه في البؤرة الأولى والكبرى بالصين.

مع تجاوز عدد الدول ذات الحالات الموثقة من كوفيد-19، أكثر من 110 دولة، لم يكُن مستغرَبًا أن تُعلن منظمة الصحة العالمية، يوم 11 مارس/آذار 2020، أن كوفيد-19 قد أصبح وباءً عالميًّا pandemic. وهذه هي المرة الأولى منذ 11 عامًا التي تُعلن فيها منظمة الصحة العالمية عن وباءٍ عالمي (منذ وباء إنفلوانزا الخنازير عام 2009م).

أثار هذا الإعلان تساؤلات البعض عن الفارق بين الوباء Epidemic والوباء العالمي Pandemic، ولماذا انتظرت منظمة الصحة العالمية حوالي 3 أشهر، حتى تصف الوباء الحالي بالعالمي؟  

في السطور التالية، سنبيِّن بإيجاز الفارق بين مصطلحي الوباء والوباء العالمي، وكذلك المقصود بمصطلحٍ قريبٍ الاشتقاق منهما، وهو Endemic، والذي يعني الإصابة المتوطِّنَة في مكانٍ ما، والتي يمكن اعتبارها بشكلٍ مجازي وباءً محليًّا مزمنًا.

معنى الوباء وأسبابه

المقطع -demic مشتقٌّ من الكلمة اللاتينية Demo، والتي تعني الشعب أو الناس. عندما يضاف إليها المقطع Epi، والذي يعني (على) فإنه يعني الانتشار على نطاقٍ واسع من الناس. أما المقطع Pan فيعني حرفيًّا (كل)، والمقصود هو المزيد من الانتشار.

عندما يظهر عدد من الحالات المصابة بمرضٍ ما بشكلٍ طارئ في بقعةٍ ما، فإن هذا يُسمَّى Outbreak، وهذه الكلمة لا تُستَخدم فقط للمرض، إنما لوصف أية ظاهرة طارئة كاندلاع أحداث عنف مثلًا … إلخ.

عندما يتفاقم ظهور المرض بشكلٍ مفاجئ خلال فترة زمنية قصيرة، ويتجاوز الحد المتوَقَّع من الانتشار، وفي شرائح عمرية معيَّنة، وفي مناطق جغرافية مُحدَّدة، فإن هذا المرض يبدأ في حمل الوصف المخيف: وباء Epidemic.

وحتى يتحول المرض إلى وباء لا بد أن يتوفر شرطان رئيسان، الأول هو وجود الإصابة بالميكروب المسبب للعدوى في عدد كبير من الناس. أما الشرط الثاني، فهو امتلاك الميكروب قدرة قوية على الانتقال من المصابين لغير المصابين، مما يتيحُ له الانتشار بشكلٍ وسع.

لكن لدينا عشرات أو مئات الميكروبات المسبِّبة للعدوى، فما الذي يجعل البعض منها قادرًا على الوصول إلى الحالة الوبائية، كما فعل الكوفيد-19؟

يحدث هذا عند وقوع طفرة – تغيُّر كبير مفاجئ – في تركيب هذا الميكروب أو الفيروس، مما يمنحه قدرة أكبر على الانتشار بين البشر، مما يزيد عدد الأشخاص الذين يمكن للمصاب الواحد نقل العدوى إليهم، لا سيَّما من المخالطين له، وقدرة هؤلاء المخالطين بالتبعية على نشر العدوى لدوائر أوسع فأوسع، وهكذا وصولًا للنطاقات المحلية والإقليمية والدولية الأوسع. ولعل تلك الطفرة في القدرة على العدوى هي من أخطر ما يميز فيروس الكوفيد-19.

كذلك قد تكون الطفرة في اكتساب طريقة انتقال جديدة لم تكُن مألوفة من قبل لهذا الميكروب، لا سيَّما إن كانت طريقة أسهل من المعتاد. أو قد يتمثل التغير الطارئ في شدة أعراض ومضاعفات العدوى التي يسببها الميكروب. 

العوامل السابق ذكرها كانت في خصائص الميكروب المُسبِّب للعدوى، لكن قد يحدث الوباء نتيجة تغيرات في طبيعة الأشخاص المُعرَّضين للعدوى، تجعلهم أكثر قابلية لاكتساب العدوى، ولظهور أعراضها وشدة مضاعفاتها، كضعفٍ في مناعة الجسم مثلًا (نتيجة انتشار مرض كالإيدز مثلًا الذي يضعف المناعة المكتسبة، في منطقة ما، مما يعرض آلاف الأشخاص لخطر الإصابة الشديدة بميكروبات في المعتاد صعبة الانتشار أو ضعيفة).

متى يتحول الوباء إلى وباءٍ عالمي؟

العامل الرئيس في تحديد ذلك هو مدى الانتشار الجغرافي بالأساس، عندما يخرج انتشار الوباء عن نطاق دولة ما، أو منطقة إقليمية معينة، لتصل الإصابات إلى مناطق متفرقة حول العالم، وليس بمجرد حالاتٍ متفرقة Sporadic إنما بعدد مهم من الحالات في تلك الأماكن المختلفة. عندها ينتقل الوباء إلى وصف pandemic.

على سبيل المثال في حالة الكوفيد-19، رغم السيطرة الكبيرة على الانتشار في الصين، فإنه أصبح لدينا على الأقل 6 بقع كبيرة من الانتشار في نطاقات جغرافية مختلفة حول العالم، من أبرزها إيطاليا التي تجاوز عدد الحالات الموثَّقَة فيها 15 ألف حالة لحظة كتابة هذه الكلمات، منهم أكثر من ألف حالة وفاة، مما يمثل أكثر من خُمس الوفيات الكلي في العالم، وكذلك لدينا إيران، التي تقترب أرقامها من إيطاليا. وهناك أيضًا في أوروبا إنجلترا وفرنسا وإسبانيا، حيث آلاف الحالات وعشرات الوفيات، وعلى الجهة المقابلة من المحيط الأطلنطي، لدينا الولايات المتحدة الأمريكية التي سجلت حالات في أكثر من 40 ولاية من ولاياتها الخمسين.

المرض المتوطِّن Endemic

بطريقة مشابهة للاشتقاق المذكور في الأنواع السابقة، تعني تلك الكلمة حرفيًّا (في الناس). ومدلولها هو عندما يتواجد المرض ويتوطَّن بين الناس في منطقة معيَّنة، أو بلد مُعيَّن. وغالبًا ما يكون هذا التواجد بشكلٍ دائم وليس مؤقتًا.

ويوصَف مرضٌ ما بأنه قد أصبحَ مُتوطِنًا Endemic disease عندما تُسجل الإصابة به حضورًا دائمًا، ومُتوقَّعًا، في منطقةٍ ما. غالبًا ما يكون السبب في توطُّنِ هذا المرض، في تلك البقعة المحدَّدة، هو توافر البيئة المناسبة لازدهار مسبِّباته، كالمناخ المناسب، أو وجود بعض العادات غير الصحية التي تسبب إصابة البعض به بشكل مستمر. على سبيل المثال حمَّى التيفود المتوطِّنة في مصر، والتي تنتقل غالبًا عبر الطعام الملوَّث، حيث تنتقل البكتيريا مع فضلات الإنسان، إلى فم آخر، عندما تغيب العادات الصحية السليمة في تنظيف اليدين، وفي إعداد الطعام. وكذلك مرض الملاريا المتوطِّن في العديد من البلدان الأفريقية، لا سيَّما الاستوائية.

وهناك مصطلَح آخر هو Hyperendemic، والذي يعني ليس مجرد التواجد المستمر للمرض في ذلك المكان فحسب، إنما وجوده بشكلٍ مكثَّف وبعدد كبير من الحالات.