محتوى مترجم
المصدر
what if
التاريخ
2016/05/12
الكاتب
راندل مونرو

ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.


لا شيء مادي يمكن أن يتحرك بسرعة الضوء في الفراغ والبالغة 299,792,458 مترًا/ثانية سوى الضوء نفسه، فقط يمكن الاقتراب كثيرًا جدًا من تلك السرعة. فمهما قمت بدفع أي شيء بأي قوة، لن تصل أبدًا لسرعة الضوء. وربما يبدو هذا الأمر غريبًا، لكنها قواعد الكون المريبة. لكن، كلما اقتربت أكثر من سرعة الضوء، كلما اكتسب هذا الجسم قوة دفع وطاقة حركية أكبر.

ولذلك، سوف نبدأ ببناء افتراضنا أو تساؤلنا هنا انطلاقًا من سرعات بطيئة، تزداد كل مرة.


ماذا لو كانت سرعة النيزك الماسي كيلومترًا في الثانية؟

سيصل النيزك لهذه السرعة لو بدأ السقوط الحر تجاه الأرض قرب حافة الغلاف الجوي من على حافة الغلاف الجوي على ارتفاع 100 كيلو متر عن سطح الأرض. سيبدأ النيزك بالهبوط والتسارع تجاه الأرض، ولن يفقده اختراق الغلاف الجوي الكثير من سرعته، ثم سيصدم الأرض بسرعة تبلغ حوالي 3 ماخ (3 أضعاف سرعة الصوت في الهواء)، قليلًا فوق كيلو متر في الثانية.

وأثناء سقوطه سيقوم النيزك بضغط الهواء أمامه بقوة، مما سيرفع درجة حرارة الهواء وبالتالي رفع درجة حرارة النيزك – مثلما يحدث لسفن الفضاء، للاحتكاك مع الهواء دور ضعيف جدًا في ارتفاع درجة الحرارة. وعند وصول النيزك للأرض ستكون درجة حرارة سطحه السفلي أكثر من 500 درجة مئوية، وهي كافية لجعل النيزك يتوهج بضوء ساطع.

عند اصطدام هذا النيزك بالأرض، بعد حوالي دقيقتين من إسقاطه، سيُحدث ارتطامه في الأرض حفرة بقطر حوالي 300 متر، وسيدمر تمامًا إلى شظايا صغيرة.

diamond_1
diamond_1

ماذا لو كانت سرعة النيزك 11 كيلومترًا في الثانية؟

هذا في حالة بدأ النيزك سقوطه الحر تجاهنا من مسافة أكثر قليلًا في الفضاء، خارج نطاق الغلاف الجوي تماما. في هذه الحالة سيصل النيزك أثناء سقوطه لسرعة الهروب من الجاذبية الأرضية (السرعة التي تلزم أي مركبة أو صاروخ فضائي بلوغها ليستطيع الهروب من نطاق جاذبية الأرض)، وهذه هي أقل سرعة سيصدم بها أي أي جسيم فضائي الكوكب، والفضل يرجع فقط للجاذبية.

وبهذه السرعة سيبدو النيزك للناظرين ككرة نارية سريعة هابطة من السماء، كما أن قوة الصدمة الناتجة ستكون مقاربة للقوة الانفجارية لقنبلة نووية صغيرة، كما سيبلغ قطر الحفرة الناتجة عن الصدمة حوالي كيلومتر؛ أقل قليلاً من حفرة النيزك الشهيرة في أريزونا.

diamond_11
diamond_11

ماذا عن سرعة 72 كيلومترًا في الثانية؟

هذه هي أقصى سرعة يمكن أن يصدم بها جسم ينتمي للمجموعة الشمسية كوكب الأرض، زخة شهب الأسديات -كمثال- تضرب الأرض بتلك السرعة. على غير المعتقد، وبشكل مريب أيضًا، لا تؤثر سرعة الاصطدام على مدى العمق الذي سيحفره النيزك في سطح الأرض.

هذا ما شرحه الفيزيائي نيوتن قديمًا بشكل عبقري فيما يعرف بتقدير نيوتن لعمق الاصطدام للمقذوفات، والذي يحدد العمق الذي سيصل له المقذوف -النيزك في حالتنا- هو زخم حركته، والمرتبط أساسًا بكتلته وكثافته بجانب السرعة. ومهما كانت السرعة، لن يخترق أي جسم جسمًا آخر بنفس كثافته لأكثر من عمق مساوٍ لارتفاعه.

diamond_momentum
diamond_momentum

في حالة النيزك الماسي بتلك السرعة، سيتسبب الاصطدام في انفجار عملاق يوازي أكبر قنبلة هيدروجينية تم إنتاجها، مع حفرة في الأرض بقطر أكبر من كيلومترين. وكل هذا يمكن احتماله. لكن، ما زال الأسوأ قادمًا لو حدث الاصطدام بسرعات أكبر.


3000 كيلومترًا في الساعة، أو 1/100من سرعة الضوء

سيكون الأمر سيئًا هذه المرة؛ وهذا لأن الهواء تحت ضغط هذه السرعة سيبدأ تفاعلات اندماجية بين جزيئاته، كما أن الحرارة الناتجة ستحول النيزك الماسي لكتلة متحركة من البلازما قبل وصوله للأرض. لكن هذا التحول لن يحدث فارقًا لحظة الاصطدام؛ فكتلة البلازما لن تتشتت كما نتوقع، بل ستصدم الأرض في منطقة واحدة. وسيطلق الاصطدام ربما ألف ضعف أقوى انفجار نووي، مدمرًا المنطقة التي صدمها تمامًا، ومخلّفا حفرة عملاقة، لكنها ليست الأضخم في تاريخ الأرض.

diamond_3000
diamond_3000

نسبة 99% من سرعة الضوء

عند تلك السرعة ستعجز قواعد نيوتن عن تفسير ما سيحدث، وستلعب نسبية أينشتاين لعبتها الخاصة. عند تلك السرعة، ستصبح كل الروابط التي تربط جزيئات النيزك ببعضها عديمة القيمة، وسيصبح مجرد مجموعة من ذرات الكربون التي تتحرك بسرعة كافية لنلاحظ عليها مبدأ انكماش الطول Lorentz contraction؛ مما سيؤدي لأن يصبح النيزك جسمًا مسطحًا في اتجاه حركته، أشبه بفطيرة. لكننا لن نستطيع رؤية هذا بالعين حسب نظرية الاستدارة لتيريل Terrell Rotation، سنظل نرى النيزك مستديرًا لكننا سنصبح قادرين على رؤية الجانب الآخر من النيزك أثناء مروره أمام ناظرينا.

ستبلغ الطاقة التي تحملها ذرات الكربون في النيزك حوالي 70 جيجا إلكترون فولت «GeV». وستكون سرعتها كبيرة لدرجة أنها لن تلتحم مباشرة بالهواء، لكن ستعبر من خلالها، أو تحتجزها بينها، ليزداد حجم وكتلة النيزك أثناء الهبوط ليصل للأرض بكتلة أكبر عما بدأ به النيزك رحلته.

عندما يصدم النيزك سطح الأرض، سيتفكك تمامًا على شكل مخروط مخترقًا القشرة الأرضية، ولن تنطبق هنا معادلة نيوتن لقياس عمق الاصطدام، ذلك لأنه مع تلك السرعة ستعبر الجزيئات خلال بعضها مباشرة. لكن، لن تذهب تلك الطاقة هباءً، لكنها ستخلق حفرة عملاقة في قشرة الأرض، كافية لتصل حتى الدثار المنصهر molten mantle، وسيكون الانفجار بقوة تماثل تقريبا 50 نيزكًا مثل الذي تسبب في انقراض الديناصورات، وسيتسبب بالتأكيد في انقراض الحياة على الأرض.

ومن المثير دائمًا في الفيزياء، أنه لا يوجد نهاية للاحتمالات، ولذلك سنزيد من سرعة النيزك قليلًا مرة أخرى.


نسبة 99.99999% من سرعة الضوء

عند تلك السرعة، ستبلغ الطاقة الذي يحملها كل جزء كربون في النيزك 25 تيرا إلكترون فولت «TeV». وعند مقارنتها بالجزيئات في مصادم الهادرونات الكبير، ستكون جزيئات النيزك أسرع قليلًا، وربما سنستطيع رصد جسيم هيجز بوزون هيجز لحظة الارتطام.

سيصدم النيزك الأرض بطاقة تماثل الطاقة الحركية للقمر، وسيكون الانفجار من القوة ليسبب فجوة تصل لقلب الأرض وتقوم برج قشرة الأرض كاملة وربما تصهرها أيضًا، وسيتسبب هذا بالتأكيد في انتهاء الحياة.


نسبة 99.99999999999999999999951 % من سرعة الضوء

diamond_99
diamond_99

هذه هي أقصى سرعة تم رصدها لجسيم له كتلة، وأطلق عليه اسم «Oh-My-God particle»، وهو على الأرجح بروتون، تم رصده عام 1991 مخترقًا الغلاف الجوي فوق مدينة Utah. وعند مقارنة الطاقة التي يحملها هذا البروتون بأقوى جسيمات أنتجها مصادم الهادرونات الكبير، سينتصر البروتون. ولا يعرف أحد كيف وصل هذا البروتون لتلك السرعة، لكن هذا يحدث عدة مرات كل عام. ويبدو أنهم يأتون من تجاه نجوم ومجرات منفجرة، لكن وصولها للأرض محافظة على تلك السرعة ما زال لغزًا غير مفهوم.

الآن سنعطي نيزكنا الماسي الافتراضي سرعة هذا الجسيم. سيعجز برنامج SRIM الذي أحاكي عليه التجارب عن محاكاة تلك السرعة. لكن، سنضع افتراضاتنا بناءً على ملاحظاتنا لكيفية تساقط الأشعة الكونية على الأرض. سيقوم النيزك باختراق الغلاف الجوي دون أن نلاحظه قبل أن يختفي بداخل القشرة الأرضية، ثم ستبدأ سحابة من البلازما والإشعاع في التكون والنمو حيث اصطدم النيزك، حيث ستتموج الطاقة خلال جسم الكوكب، وبعد ميلليمترات من الثانية، ستتمدد سحابة مضيئة على الجانب الآخر من الكوكب.

ستنتشر الجسميات الناتجة عن هذا الاصطدام خلال كل الكوكب، وستزداد درجة حرارته كثيرًا وسيتوهج للحظات ربما بشكل أقوى من الشمس. أحد الاحتمالات تقول إن الصدمة ربما ستحرك الكوكب بأكمله من المدار، هذا لو تبقى كوكب أصلاً. فالطاقة التي سيحملها الانفجار أقوى بعشرة آلاف ضعف طاقة الثقالة الأرضية «Gravitational binding energy»، وسينفجر الكوكب في سحابة عملاقة من البلازما. سيتناثر الغبار والشظايا حتى يصل للشمس مع الموجات الانفجارية، والتي ستضرب سطحي المريخ والزهرة كذلك.


diamond_alien
diamond_alien

وفي المستقبل البعيد، سيقف عالم فلك في حضارة فضائية أخرى موجهًا تليسكوبه وأجهزة رصده تجاه مجرة درب التبانة، حينئذ سترصد الأجهزة وميضًا شديدًا واضطرابًا، وربما جسيمات متحركة بسرعة عاتية، وسيتساءل العالم أي حدث عنيف حدث على بعد مئات السنوات الضوئية أدى لهذا.