تحت عنوان «الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل صحة ورفاهية الإنسان وحماية الكوكب»،تستضيف مصر -كأول دولة عربية- خلال الأيام الحالية، مؤتمر الأطراف الرابع عشر الخاص بـ«اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي»، التي تم تفعليها منذ عام 1993، لتحتفي بعامها الخامس والعشرين، بمشاركة أكثر من 190 دولة على أرض مدينة شرم الشيخ في مصر.

وعليه، فربما قد تردد على مسمعك بشكل متكرر مصطلح «التنوع البيولوجي» خلال الفترة الماضية. فما هو المقصود بالتنوع البيولوجي؟ وكيف يمكنه الإسهام في تحسين صحة ورفاهية الإنسان؟


جينات، أنواع، بيئة

يوضح نص اتفاقيةالأمم المتحدة أن التنوع البيولوجي هو «التباين بين الكائنات الحية من مختلف المصادر، وذلك بما يشمل النظم البيئية البرية والبحرية والأنظمة المائية الأخرى، يضاف إلى ذلك التراكيب البيئية المعقدة التي تنتمي إليها، والتي تضم التنوع داخل الأنواع الحية، وبينها وبين الأنظمة البيئية ككل».

قد يبدو هذا التعريف معقدًا؛ لأن التنوع البيولوجي في ذاته يشمل كافة العلاقات المعقدة بين عناصر النظام البيئي. فكيف نفهمه؟

يمكن فهم التنوع البيولوجي على ثلاثةمستويات؛ وهي مستوى الأنواع الحية، والجينات التي تحملها تلك الأنواع، والأنظمة البيئية التي تشمل العناصر الحية أو غير الحية.

على سبيل المثال فتنوع «منخفض القطارة» الواقع بالصحراء الغربية المصرية، بين البيئات الصحراوية و السبخات الملحية، يعبر عن التنوع على مستوى النظام البيئي.

بينما تنوع عناصر تلك البيئة من المكونات الحية بما فيها النباتات العشبية إلى الثدييات الكبيرة كالفهودالنادرة، يوضح التنوع على مستوى الأنواع. أما الجينات التي تحملها أفراد الفهود المختلفة، مع جينات الكائنات الأخرى تظهر التنوع على المستوى الأخير، أو مستوى الجينات.

ويشير علماء البيئة أن مع زيادة التنوع البيولوجي في نظام معين، تزداد معه قدرته على مقاومة التغيرات أو الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال فانقراض إحدى فرائس الفهود في بيئة متنوعة، تحوي فرائس مختلفة، لن يهدد بشكل مؤثر استقرار جماعة الفهود، بينما يعد موت الشعاب المرجانية في بيئة بحرية بمثابة ضربة قاضية للنظام البيئي البحري، بسبب اعتماد العديد من الكائنات عليه.


لماذا يجب أن نهتم بالتنوع البيولوجي؟

يزودنا التنوع البيولوجي في الأنظمة البيئية المستقرة بالعديد منالخدمات، بعضها مباشر كالهواء الذي نتنفسه، وهو من منتجات النباتات والعوالق البحرية، إلى الغذاء بشتى أشكاله، إلى الموارد الصناعية كالأخشاب، أو الطبية كالعقاقير التي تستخرج من الأعشاب أو الحيوانات.

الخدمات غير المباشرة التي تقدمها الأنظمة البيئية، ويرتكز عليها استقرار مجتمعاتنا بشكل أو بآخر، تشمل مقاومة التصحر، استقرار الظروف المناخية، وتحليل مخلفاتنا ومواجهة التلوث، كما تخصيب التربة بالمكونات المغذية المناسبة للزراعة.

تقدّر دراسة سابقة تعود إلى عام 1997 أن قيمة تلك الخدمات تتراوح بين 16-54 تريليون دولار أمريكي في العام الواحد، بينما تشير بيانات «وكالة البيئة الأوروبية» أن الخسائر في التنوع البيولوجي في أوروبا وحدها، تخفض قيمة إجمالي الناتج القومي العالمي، بما تقارب نسبته 3% سنويًا.


ما حجم الضرر الذي ألحقناه بالأنظمة البيئية؟

يهدد خطر الانقراض أكثر من 26 ألف نوع في زماننا الحالي، حيث إن قرابة 25% من الثدييات، و13% من الطيور، وقرابة نصف البرمائيات، بحسب بيانات «الاتحاد الدولي لصون الطبيعة»، هي على شفا الانقراض، وتلك النسب لا تمثل كل الأنواع الحية، فالعديد من الحيوانات المكتشفة وغير المكتشفة بعد لم يتم تقييمها.

كما أن تقييم حالة الأنواع وفقًا لمعيار الانقراض فقط يغفل الصورة الأكبر، طبقًا لبيانات «الصندوق العالمي للطبيعة»، فإن تعداد الحيوانات الفقارية انخفض بما يزيد عن النصف، خلال 40 الماضية فقط، بينما توضح دراسة أخرى أن معدلات الانقراض تزايدت ألف ضعف عن حالتها الطبيعية، أو قبل سيادة البشر للكوكب، فيما يصفه العالم الانقراض السادس بفعل البشر.


ما الذي يمكننا فعله؟

إن «اتفاقية التنوع البيولوجي» منذ تأسيسها ارتكزت على ثلاثةأهداف رئيسية؛ وهي السعي المنظم للحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية، الاستخدام المستدام بالحدود المعقولة لمكونات الأنظمة البيئية، والتوزيع العادل للفوائد والخدمات المرتكزة عليه.

يمكن إتمام ذلك من خلال سن قواعد وسياسات للحد من انتهاك الأنظمة البيئية، كتجريف الغابات مقابل الأراضي الزراعية، زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة بدلاً من الوقود الأحفوري، الالتزام بالحدود المنصوص عليها في اتفاقية المناخ، زيادة دعم الأبحاث التي ترتكز على التنوع البيولوجي.

من ناحية فردية، فإن اهتمامك بعدم رمي مخلفات بلاستيكية بالقرب من الشواطئ، التنبه إلى مصادر التلوث البيئي والإبلاغ عنها، ودعمك ونشر التوعية بأهمية التنوع البيولوجي قد يشكل الفارق.