يعبدون الشيطان ويقدسون يزيد بن معاوية.. هكذا هم الإيزيدون في المتخيل الجمعي للكثير من المسلمين في المشرق العربي من الشيعة والسنة على حد سواء، دون تصور واضح أبعد من ذلك عن هوية وكنه عقائد معتنقي ذلك الدين الذين يصل عددهم إلى مئات الآلاف في العالم العربي وكذلك في المهجر؛ لاسيما في دول الاتحاد الأوروبي.

برز الحضور الإيزيدي في الإعلام العربي والعالمي خلال السنوات الأخيرة جرّاء اضطهاد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لهم في المناطق التي سيطر عليها من سوريا والعراق. ورغم هذا الحضور البارز على مستوى التناول الإعلامي الذي سلط الضوء على وجود هذه الأقلية الدينية في السنوات الماضية، فإن التصورات حول تلك الديانة ومعتنقيها ما زالت باهتة للغاية حتى الآن، فمن هم الإيزيديون؟ وما هي أبرز عقائدهم؟


ما هي الإيزيدية؟

تعد الديانة الإيزيدية إحدى الديانات المحيّرة للغاية في تأريخ نشأتها، فهنالك العديد من الفرضيات في هذا الإطار، وهي فرضيات متباينة للغاية بصورة تجعل الباحث في تاريخ هذه الديانة يشعر بالعجز عن إيجاد نقطة بداية محددة يستطيع أن يضع يده عليها. من تلك الفرضيات على سبيل المثال:

1. فرضية انتمائها للديانات القديمة لحضارة بلاد ما بين الرافدين التي ترى علاقتهم بالتراث السومري والبابلي بشكل خاص، وهي بحسب الباحث العراقي في تاريخ الأديان والحضارات القديمة خزعل الماجدي، نظرية غير محكمة الترابط ومبنية بطريقة عشوائية على بعض المفردات اللغوية المنتقاة.

2. نظرية الأصل الإيراني التي تربطهم بمدينة يزد قرب خراسان وببعض معتقدات الديانة الزرادشتية التي كانت تؤمن بإلهيْن: إله للنور أي الخير، وإله للظلمة أي الشر، والمعروفة لدى العرب والمسلمين تاريخيًا باسم المجوسية، وهي نظرية غير متماسكة بحسب الماجدي أيضًا، رغم أن هنالك كثيرًا من أركان الديانة الإيزيدية التي تتقاطع تمامًا مع الزرادشتية .

3. نظرية الأصل الإسلامي التي تعتبرهم فرقة منشقة عن الإسلام تبعت الخليفة يزيد بن معاوية، أو يزيد بن أنيسة الخارجي، والمتصوف عدي بن مسافر، وهي نظرية ضعيفة جدًا بحسب الماجدي أيضًا.

من جهة أخرى، تشير بعض المخطوطات إلى أن جذور الديانة الإيزيدية ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تعود أصولها إلى إحدى الديانات الكردية والفارسية القديمة يُطلق عليها اليزدانية، كانت أحد الديانات الرسمية السائدة إلى جانب الديانات الكردية القديمة الأخرى، كاليارسانية والزرادشتية والميترائية.

الإيزيدية: التوفيق بين الزرادشتية والإسلام

من جانبنا نميل إلى ترجيح فرضية خاصة نطرحها هنا،تدمج العديد من تلك الفرضيات السابقة، من خلال قراءة أصول الإيزيدية كطبقات حفرية تاريخية لتلك الديانة التي تشكلت معتقداتها عبر عملية آخذت آلاف السنين، والصادم ربما لكثيرين في هذه الفرضية أن الإيزيدية وفق تصورنا هي وجه من وجهي التأثر بالأديان الثنوية كالزرادشتية، كان وجهه الآخر هنا هو التشيع كما سنوضح الآن. حيث أعاد الإيزيديون هيكلة عقائدهم خلال العصر العباسي لتتوافق مع الإسلام والأديان الإبراهيمية، للتكيف مع البيئة العقائدية التي تشكلت حولهم، والتي كانت تنظر إليهم كوثنيين لا تنطبق عليهم أحكام أهل الكتاب.

وقد حدث هذا التحول على الأرجح في عهد الخليفة المأمون الذي كان متوجهًا في إحدى المرات إلى ديار بكر، وجاءته الطوائف والملل والسكان ليحيوا موكبه حين مروره بهم، وحينها استغرب المأمون هيئة وملابس الإيزيديين، وسألهم فعرّفوه بأنفسهم، فأنذرهم أن يتحولوا إلى الإسلام أو إلى دين من أديان أهل الكتاب وإلا نفاهم أو قتلهم، ويومها تحول كثير منهم إلى المندائية (الصابئة في القرآن الكريم) أو اعتنق الإسلام وتأثر به ثم عاد إلى الإيزيدية، وألحق بها بعضًا من تعاليم الإسلام.

والإيزيدية باختيارها يزيد بن معاوية والشيطان وفق تعريف الأديان الإبراهيمية أو «طاووس ملك» كما يسميه الإيزيديون، تمثل هنا الوجه الآخر للتحولات الدينية في المنطقة التي نشأت وعاشت فيها الإيزيدية، والتي انفرط معها عقد الأديان الثنوية التي كانت منتشرة لدى الأكراد والفرس وبلاد ما بين الرافدين إلى قسمين رئيسيين.

قسم كبير من ساكنة تلك المنطقة نزع إلى التشيع الذي يقدس الأئمة من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب من زوجته شهربانو بنت يزدجرد بن أنوشروان آخر أكاسرة الفرس، خلال فترة ظهور نزعة الشعوبية والعداء للعرب لدى كثير من الفرس المتعصبين التي تحولت إلى عداء إلى الإسلام السني بنهاية المطاف، وقسم صغير ظل على ولائه لعقائده القديمة، واختار التدثر تحت الإسلام بستار نسب نفسه إلى أعداء آل البيت من الأمويين من خلال تقديسهم ليزيد بن معاوية، وإلى التصوف من خلال تبجيلهم للشيخ عدي بن مسافر الأموي واعتباره من رموز طائفتهم.

تعد الديانة الإيزيدية ديانة كردية بامتياز، حيث يلاحظ غلبة الأسماء الكردية على العشائر المعتنقة للإيزيدية، بينما تغيب في المقابل أسماء العشائر العربية، رغم أن هنالك بعض العرب الذين اعتنقوا الإيزيدية واستطاعوا الاندماج معهم والانصهار في ديانتهم.


أبرز عقائد الإيزيدية

تتألف العقيدة الإيزيدية من مركب معقد من المعتقدات، لا يخلو من التناقض، يقوم على فكرة وحدة الوجود، حيث يؤمن الإيزيديون بأن الإله موجود في كل شيء.

يؤمن الإيزيديون بأن «طاووس ملك» هو الذي رفض السجود لآدم عليه السلام، ووفق روايتهم، فإن الله سأله: لماذا لم تكن من الساجدين؟ قال: «عندما خلقتنا أمرتنا يا ربنا ألا نسجد إلا لك، وأنا لم ولن أسجد لغير وجهك الكريم يا رب». فأعلن الله لباقي الملائكة أن طلب السجود لآدم كان اختبارًا، وأن طاووس ملك هو الوحيد الذي اجتازه بنجاح، ومن ثم كافأه الله بجعله أقرب المخلوقات إليه وأناط له حكم الكون.

لدى الإيزيدية طقوس مشتقة من الإسلام، كالصوم والصلاة والحج، ولكن تختلف في مضمونها، حيث قبلة الإيزيديين على سبيل المثال هي الشمس، وحجهم يكون إلى وادي لالش شمال غرب مدينة الموصل، وهو المكان الذي يضم قبر الشيخ عدي بن مسافر، حيث يذهبون إلى هناك مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل، ويظلون هناك لمدة سبعة أيام. ولدى الإيزيدية كتابان مقدسان، هما مصحف رش المنسوب إلى الشيخ عدي بن مسافر، وكتاب الجلوة المنسوب إلى حسن شمس الدين، أحد أبرز رجال الدين لدى الإيزيدية بعد عدي بن مسافر.


الإيزيديون في العالم

يوجد الإيزيديون تاريخيًا بشكل رئيسي في المنطقة الجغرافية الكردية الواقعة بين كل من العراق وسوريا و تركيا، وبحسب كتاب «شرف نامة» الذي ألّفه المؤرخ والشاعر الكردي شرف خان شمس الدين البدليسي بين عامي 1597-1599م، فإن الإيزيدية ينتشرون تحديدًا في الموصل ودهوك وديار بكر وحلب وجزيرة ابن عمر.

تتراوح أعداد الإيزيدية في العراق الذي يعيش فيه أغلبية الإيزيديين بين 700,000 و500,000 نسمة، وتعيش الكتلتان الرئيسيتان للإيزيدية هناك في منطقتين هما: مدينة شيخان شمال الموصل، وفي سنجار على الحدود السورية العراقية.

وتوجد أيضًا أقلية إيزيدية في كل من تركيا وسوريا تعرضت للتناقص الحاد منذ ثمانينيات القرن الماضي بسبب الهجرة الواسعة إلى أوروبا، وبوجه خاص إلى ألمانيا التي يعيش فيها الآن أكثر من 40 ألف إيزيدي.