محتوى مترجم
المصدر
universe today
التاريخ
2017/05/14
الكاتب
مات وليامز

ما هو الكون؟، إنه سؤال مكثف بشدة!، ولا تهم الزاوية التي ننظر منها للإجابة على هذا السؤال، فقد نقضي سنوات في الإجابة على هذا السؤال ولم نقترب من السطح حتى. فمن ناحية الزمان والمكان، إنه كبير بشكل لا يدرك (أو بالأحرى لا متناهٍ) وقديم جدًا بالمعايير الإنسانية. ولذلك، يكون وصفه تفصيلًا مهمةً ضخمة. لكننا عازمون هنا في Universe Today على المحاولة.

إذن؛ ما هو الكون؟ حسنًا؛ الإجابة المختصرة هي أنه مجمل الوجودِ كله. إنه مجموع الزمان والمكان والمادة والطاقة، والذي بدأ في الانفجار منذ 13.8 بليون سنة، واستمر في التمدد مذّاك. لا أحد يعلم بالضبط مدى امتداد الكون، ولا أحد متأكد بالضبط متى سينتهي. إلا أن البحث العلمي الجاري والدراسة علّمتنا الكثير عبر التاريخ البشري.


الكون = الكل

يرجع أصل مصطلح «الكون The Universe» إلى الكلمة اللاتينية «universum: الكل»، والتي استخدمها القانوني الروماني شيشرون ومؤلفون رومان بعده للإشارة إلى الدنيا والعالم كما عرفوه. وكان يتكون من الأرض وكل المخلوقات الحية التي سكنتها، والقمر والشمس والكواكب المعروفة ساعتها (عطارد، الزهرة، المريخ، المُشترى، زُحل) والنجوم.

ويستخدم مصطلح «العالم: Cosmos» عادةً بشكل تبادلي مع «الكون: The Universe»، وهي مشتقة من الكلمة اليونانية «kosmos» والتي تعني حرفيًا «العالم». وهناك كلمات أخرى تستخدم للدلالة على الوجود منها «الطبيعة» (مشتقة من الكلمة الجرمانية natur)، والكلمة الإنجليزية «كل شيء everything»، والتي يمكن أن نراها في الاصطلاح العلمي؛ مثل «نظرية كل شيء Theory of Everything».

صورة توضيحية للتصور الكوني البطلمي المتمركز حول الأرض من رسم وصّاف الكون ورسّام الخرائط بارتولوميو فيلو في كتابه Cosmographia

واليوم، يستخدم هذا المصطلح للدلالة على كل الأشياء الموجودة داخل الكون المعروف؛ النظام الشمسي، والطريق اللبني، وكل المجرات والهياكل الضخمة. وفي سياق العلم الحديث، وعلم الفلك، والفيزياء الفلكية، يشير المصطلح إلى الزمكان كله، وكل صور الطاقة (مثل الإشعاع الكهرومغناطيسي، والمادة) والقوانين الفيزيائية التي تربط بينهم.


أصل الكون

الكون، تصور الكون، فيزياء، فلك، كونبرنيكوس
الكون، تصور الكون، فيزياء، فلك، كونبرنيكوس

يُجمع العلماء حاليًا على أن الكون قد تمدد من نقطة تحتوي كثافة عالية جدًا من المادة والطاقة منذ 13.8 بليون سنة تقريبًا. ولا تعد هذه النظرية، المعروفة باسم نظرية الانفجار العظيم، النموذج الكوني الوحيد المفسر لأصول الكون وتطوره، فمثلًا هناك نظرية الحالة المستقرة، ونظرية الكون المتذبذب.

لكنها [أي نظرية الانفجار العظيم]، أكثر النظريات قبولًا وشعبية؛ لأنها النظرية الوحيدة القادرة على تفسير أصل كل المادة المعروفة، وقوانين الفيزياء، وبنية الكون واسعة النطاق. وكذلك تفسر تمدد الكون،وإشعاع خلفية الكون، ومجموعة واسعة من الظواهر الأخرى.

نشأة الكون أخطاء علمية
رسم بياني يظهر تمدد الكون من وقت الانفجار العظيم إلى العصر الحالي

وبناءً على الحالة الراهنة للكون، نظّر العلماء لكون أصل الكون هو نقطة من الكثافة اللانهائية والوقت المحدود، بدأت في التمدد. وبعد التمدد الأول، تشير النظرية إلى أن الكون بردت حرارته بشكل كافٍ يسمح بتشكيل الجسيمات دون الذرية، ثم الذرات بعد ذلك. وتجمعت هذه العناصر الأولية بعد ذلك من خلال الجاذبية لتكوّن النجوم والمجرات.

بدأ كل هذا منذ 13.8 بليون عام تقريبًا، ولذلك يعتبر هذا هو عمر الكون. قام العلماء ببناء خط زمني للأحداث التي بدأت بالانفجار العظيم وأدت إلى الحالة الراهنة من التطور الكوني، من خلال اختبار المبادئ النظرية والتجارب القائمة على مسرّعات الجسيمات وحالات طاقة مرتفعة، ودراسات فلكية قامت بمتابعة الكون العميق.

ومع ذلك، تخضع اللحظات المبكرة للكون –من 10-43 ثانية إلى 10-11 بعد الانفجار العظيم مباشرة- لتخمين كبير. فنظرًا لكون قوانين الفيزياء كما نعرفها اليوم لم تكن موجودة في ذلك الوقت، من الصعب سبر غور طريقة سير الكون ساعتها. والأكثر من ذلك، أن التجارب التي يمكنها تطوير الطاقات الضرورية لا زالت في طور النشوء.

ولكن هناك العديد من النظريات المنتشرة لتفسير ما حدث في هذه اللحظة الأولى من الزمن، والعديد منها مناسب بالفعل. وطبقًا للعديد من هذه النظريات، يمكن تقسيم اللحظة التي تلت الانفجار العظيم إلى الفترات التالية: حقبة التوحد، وحقبة التضخم، وحقبة التبريد.

وتعد حقبة التوحد، والمعروفة كذلك بحقبة بلانك (عصر بلانك)، أقدم فترة معروفة من الكون. في هذا الوقت، كانت المادة كلها مكثفة في نقطة واحدة من الكثافة اللانهائية والحرارة القصوى. وخلال هذه الفترة، يُعتقد أن آثار الجاذبية الكمومية هي التي سيطرت على التفاعلات الفيزيائية ولا توجد أي قوى فيزيائية أخرى كان لها قوة الجذب.

تمتد فترة بلانك هذه من النقطة صفر حتى 10-43 ثانية، وسميت بهذا الاسم لأنها لا يمكن قياسها إلا بزمن بلانك. ونتيجة لحرارة المادة القصوى وكثافتها العالية، كان الكون في حالة غير مستقرة للغاية. ولذلك، بدأ يتمدد ويبرد، مؤديًا إلى ظهور القوى الأساسية للفيزياء. ومن 10-43 ثانية إلى 10-36، بدأ الكون في تجاوز درجات حرارة التحول.

وفي هذه اللحظة يُعتقد أنه قد بدأت القوى الأساسية التي تحكم الكون في الانفصال عن بعضها البعض. كانت الخطوة الأولى في ذلك هو انفصال قوة الجاذبية عن مجموعة من القوى المُقدّرة، كانت مسئولة عن كهرومغناطيسية وقوى نووية قوية وضعيفة. ثم من 10-36 إلى 10-32 ثانية كانت حرارة الكون باردة كفاية (10 28 كلفن) كي تنفصل الكهرومغناطيسية والقوة النووية أيضًا.

وبنشأة القوى الأساسية الأولى للكون، بدأت حقبة التضخم، واستمرت من 10-32 ثانية من زمن بلانك إلى نقطة غير معلومة. وتشير معظم النماذج الكونية إلى أن الكون في هذه النقطة كان مليئًا بشكل متجانس بكثافة طاقة عالية، وأن درجات الحرارة والضغط المرتفعة بشدة أدت إلى تمدد سريع وبرودة.

بدأ الأمر عند 10-37 ثانية عندما أدت المرحلة التي سببت فصل القوى إلى مرحلة كان ينمو فيها الكون تصاعديًا. وفي هذه النقطة أيضًا حدثت نشأة الباريونات، وهو حدث افتراضي كانت فيه درجات الحرارة مرتفعة بحيث كانت حركات الجسيمات تحدث بسرعات نسبية.

ونتيجة لهذا، نشأت أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة ودُمّرت في تصادمات، والذي يُظن أنه السبب في سيطرة المادة على المادة المضادة في الكون المعاصر. وبعد انتهاء التضخم، كان الكون يتكون من بلازما كوارك-غلونية (حساء الكوارك)، بالإضافة إلى كل العناصر الأولية الأخرى. ومن هذه النقطة فصاعدًا، بدأ الكون في البرودة وتجمعت المادة وتشكلت.

وبينما تقل كثافة الكون وحرارته، تبدأ حقبة التبريد. واتسمت هذه الحقبة بالانخفاض المستمر لطاقة الجسيمات، وتحول المراحل المستمر حتى أخذت القوى الفيزيائية الأساسية والعناصر الأولية صورتها الحالية. ومن اللحظة التي أصبحت فيها طاقة الجسيمات يمكن الحصول عليها من خلال تجارب فيزياء الجسيمات، تكون هذه الفترة وما يليها أقل خضوعًا للتخمين.

فعلى سبيل المثال، يعتقد العلماء أنه بعد 10-11 ثانية من الانفجار العظيم انخفضت طاقة الجسيمات بشكل ملحوظ. وبعد 10-6 ثانية، اندمجت الكواركات والغلونات لتكون الباريونات من البروتونات والنيوترونات وغيرها، ونتيجة لزيادة بسيطة في عدد الكواركات على الكواركات المضادة أدت إلى زيادة بسيطة للباريونات على الباريونات المضادة.

ونظرًا لكون درجات الحرارة ساعتها لم تكن مرتفعة كفاية لتشكيل أزواج جديدة من البروتونات والبروتونات المضادة (أو النيوترونات والنيوترونات المضادة)، حدثت حالة من الإبادة الشاملة فورًا، تركت بعدها واحدة في 10-10 من البروتونات والنيوترونات ولم تترك أيًا من جسيماتها المضادة. وحدث الأمر نفسه للإلكترونات والبوزيترونات بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم.

بعد هذه الإبادات، أصبحت البروتونات والنيوترونات والإلكترونات الباقية لا تتحرك نسبيًا وسيطرت الفوتونات، وبشكل أقل النيوترونات، على كثافة طاقة الكون. وبعد دقائق قليلة من التمدد، بدأت مرحلة تعرف بالتخليق النووي للانفجار العظيم.

وبفضل انخفاض درجات الحرارة إلى 1 بليون كلفن، وانخفاض كثافة الطاقة حتى أصبحت مساوية للهواء، بدأت النيوترونات والبروتونات في الاندماج لتشكل أول ديوتيريوم في الكون (أحد نظائر الهيدروجين المستقرة) وذرات الهيليوم. إلا أن معظم بروتونات الكون ظلت غير مندمجة كنواة الهيدروجين.

وبعد 379.000 سنة، اندمجت الإلكترونات مع هذه النواة لتشكل الذرات (معظمها من الهيدروجين أيضًا)، بينما انفصل الإشعاع عن المادة واستمر في التمدد خلال الكون، بلا عائق يوقفه. شكل هذا الإشعاع ما يُعرف اليوم بإشعاع خلفية الكون، والذي يعد أقدم ضوء في الكون.

بتمدد إشعاع خلفية الكون، بدأ تدريجيًا في فقدان الكثافة والطاقة، وتقدّر حرارته اليوم بـ 2.7260 ± 0.0013 كلفن (-270.424º سليزيوس / -454.763º فهرنهايت) وكثافة طاقته بـ 0.25 إلكترون فولت/سم3 (أو 4.005 x 10-14 جول/م3؛ 400-500 فوتون/سم3). يمكن رؤية إشعاع خلفية الكون من كل الاتجاهات من مسافة 13.8 بليون سنة ضوئية تقريبًا، لكن مكانه الفعلي يقع تقريبًا على بعد 46 بليون سنة ضوئية من مركز الكون.