على خلاف معظم التيارات الإسلامية المعاصرة، السنية والشيعية على حد سواء، غرّد كثير من رموز التيار السلفي في العالم العربي أحيانًا بعيدًا عن السرب في موقفه من القضية الفلسطينية، حيث اتسم موقفهم العام بالفتور إلى حد ما، بل بالسلبية في حالات بعينها.

في السطور القادمة نستعرض كرونولوجيا (تسلسلًا زمنيًا) لتطور الخطاب السلفي وتشكل ملامحه العامة، فيما يخص القضية الفلسطينية والموقف من حركات المقاومة في الأراضي المحتلة.


أبرز الفتاوى السلفية عن القضية الفلسطينية

فتوى الألباني بوجوب الهجرة من فلسطين

قبل خمسة عشر عامًا من وفاته في أكتوبر/تشرين الأول عام 1999، سُئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عن مدى وجوب هجرة أهل فلسطين في الضفة الغربية إلى بلاد ثانية،فكان الحوار كالتالي:

السائل: أهل الضفة الغربية، هل يجب أن يخرجوا ويهاجروا إلى بلد ثانٍ؟

الألباني: يجب أن يخرجوا من الأرض التي لم يتمكنوا من طرد الكافر منها إلى أرض يتمكنون فيها من القيام بشعائرهم الإسلامية.

لو أنهم تركوا الضفة الغربية ورحلوا إلى بلاد ثانية، فلقد مكنا الأعداء من الأرض؟

أنا أعرف أنك تريد أن تقول هذا الكلام، ولكن ما رأيك: المهاجرون الأولون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، ماذا فعلوا، أخلوا المكان للكفار أم لا؟

السائل: هذا طبعًا بحال ضعفهم لأنهم ضعفاء.

الألباني: ما جاوبتني؟

السائل: أخلوها.

الألباني: فلذلك يجب أن يخضع عقلك ورأيك لشرعك، لا تخضع شرعك لعقلك. لأنه -لاتؤاخذني- مهما كان عقلك جبارًا وكبيرًا جدًا فأنت لا تساوي شيئًا بالنسبة لعقل الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي نزل عليه الوحي أولًا ثم طبقه كما أنزل عليه ثانيًا، فهو الذي هاجر من مكة إلى المدينة، فلماذا لا يقتدي المسلم بمهاجرته من البلد الذي فيه الكفار؟ حجتك أنت وغيرك: أي أخلينا البلد للكفار؟ أي نعم خلوا البلد للكفار كي تتهيئوا لإخراج الكافر من بلدكم الذي احتكم فيه. ذلك هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.

[فتاوى الشيخ الألباني، عكاشة الطيبي، مكتبة التراث الإسلامي – القاهرة، ط1 1994، ص18 وما يليها]

فتوى ابن باز وابن عثيمين بخصوص العمليات الفدائية «الاستشهادية» إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)

سئل الشيخ الراحل عبد العزيز بن باز: ما حكم من يلغم نفسه ليقتل بذلك مجموعة من اليهود؟

فأجاب:

الذي أرى وقد نبهنا غير مرة
أن هذا لا يصح، لأنه قتل للنفس، والله يقول: «ولا تقتلوا أنفسكم»، ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة».. وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين، وإن قتل فالحمد لله، أما أنه يقتل نفسه؛ يحط اللغم في نفسه حتى يقتل معهم! هذا غلط لا يجوز.

وقد سئل كذلك الشيخ الراحل محمد بن صالح العثيمين عن حكم العمليات الفدائية فكان رده:

تحريم قتل الجنود الإسرائيليين في غير حالات الاشتباك

وجّه أحد طلبة الداعية السلفي الأردني علي الحلبي، المشرف على مركز الإمام الألباني للأبحاث العلمية والدراسات المنهجية في الأردن، سؤالًا عن مسألة قتل اليهود في فلسطين على الإطلاق، فكان جواب الأخير كما يظهر في هذا الفيديو:

الحلبي: واحد مأمِّن عليك، وبيعطيك كهرباء وماء، ويمرر لك الفلوس، وتشتغل عنده، وتأخذ ماله، وتغدره، حتى لو كان يهوديًا؟

هذا القتل يجوز عند المواجهة، عند الحرب المعلنة، أما أنت مأمنه وهو مأمنك ثم تغدره، وتقلته، هذا لا يجوز.

الشيخ ابن باز بعث برسالة للشيخ أحمد شاكر، أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث أفتى الأخير بقتل أي إنجليزي، وقال له الشيخ ابن باز إن هذا لا يجوز، وهنالك معاهدات شرعية تحفظ الحقوق وتحفظ دماءهم. النظر العاطفي شيء والنظر العلمي شيء آخر.

سائل آخر: هذا يا شيخ بالنسبة للمواطنين، ماذا بالنسبة للجنود الذين يحملون السلاح في الشوارع؟

الحلبي: الجواب نفسه، الآن بدي أسألك سؤال: هل هذا الجندي الحامل للسلاح في الشارع يقتل كل مسلم يراه؟

السائل: لا.


سلفيو الداخل الفلسطيني

منذ أن قامت حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية وسعت للانخراط في المنظومة السياسية الفلسطينية، رأى بعض السلفيين الفلسطينيين [وهم المنتسبون إلى ما يعرف في السلفية بالتيار المدخلي] في هذا النهج اتباعًا لوسائل علمانية، كما ساد لديهم الاعتقاد بأن حماس لم تطبق الشريعة بعد وصولها إلى الحكم، مما أدى في نهاية المطاف لصدامات متعددة بين السلفيين والحركة.

اقرأ أيضًا:السلفية المدخلية في مصر: رحلة من الصمود

تتمثل أبرز نقاط الخلاف بين السلفيين المدخليين وحماس في أن الدعوة السلفية فى فلسطين ترفض أسلوب العمليات الفدائية «الاستشهادية» كما ترفض أسلوب الاقتتال والحسم العسكري في الشئون الداخلية، وهذا ما أكّده رئيس المجلس العلمي للدعوة السلفية فى فلسطين الشيخ ياسين الأسطل، بعد الحسم العسكري عام 2007م، وسيطرة حماس على قطاع غزة.

كما تنظر السلفية الدعوية إلى الرئيس محمود عباس، بصفته ولي الأمر الواجبة طاعته، وتعتبر أن حركة حماس انقلبت على ولي الأمر، بما يخالف الشرع الإسلامي حسب رأيهم، فضلًا على أن «حماس» لم تتصرف في السلطة من وجهة نظرهم على نحو يوحي بأنها تحمل مشروع إقامة دولة إسلامية، فلم تصدر قرارات بمنع الأحزاب العلمانية واليسارية على سبيل المثال، ولم تقم بتطبيق الحدود، ولم تفرض الحجاب بالقوة على غير المحجبات، ولم تغلق المقاهي وأماكن الترفيه التي يرتادها غير الملتزمين بمنهج الحركة الديني.

وقد ترتب على إثر هذا الخلاف احتكاكات ومناوشات بالغة الدموية خلال عدة محطات مفصلية، كان أبرزها في منتصف أغسطس/آب 2009 عقب إعلان الشيخ عبد اللطيف موسى عن إقامة إمارة إسلامية في مدينة رفح، وهو الأمر الذي ردت عليه حماس بقوة، حيث حاصرت موسى ومرافقيه في مسجد ابن تيمية الذي تعرض في نهاية المطاف للتدمير إثر اشتباكات واسعة استمرت ساعات عدة، وأدت إلى مقتل أربعة وعشرين شخصًا بينهم موسى نفسه، إضافة إلى إصابة عشرات آخرين.


السلفية السعودية (نسخة 2017 – 2018)

نرى أن العمليات الانتحارية التي يتيقن الإنسان أنه يموت فيها حرامٌ، بل هي من كبائر الذنوب؛ لأن النَّبي، صلى الله عليه وسلم، أخبر بأنَّ «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة»، ولم يستثنِ شيئًا بل هو عامٌّ؛ ولأنَّ الجهاد في سبيل الله المقصودُ به حماية الإسلام والمسلمين، وهذا المنتَحر يُدمِّر نفسه ويُفقَد بانتحاره عضو من أعضاء المسلمين، ثمَّ إنَّه يتضمن ضررًا على الآخرين لأنَّ العدو لن يقتصر على قتل واحد، بل يقتل به أُممًا إذا أمكن؛ ولأنه يحصل من التضييق على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي الذي قد يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، يحصل ضررٌ عظيم، كما هو الواقع الآن بالنسبة للفلسطينيين مع اليهود.

في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي هاجم الداعية السلفي السعودي بدر العامر قطاعًا عريضًا من أهل فلسطين من المؤيدين لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ووصفهم بأنهم حثالة الفلسطينيين، وأنهم أعداء للسعودية.

واتهم حركة حماس بتجيير القضية الفلسطينية لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ورفض أن يلومه أحد لنقدهم بأنهم تحت الاحتلال، حيث وصف ذلك بالفكرة السخيفة، وقال إن أول خطوة لنصرة القضية الفلسطينية هي إبعاد حماس عن المشهد السياسي، كونها باتت في حلف واحد مع الحوثيين، وحزب الله، وإيران، ضد المملكة العربية السعودية.

جدير بالذكر أيضًا أن بعض المغردين الذين سبق لهم أن أعلنوا مواقف مؤيدة للمقاومة ولقطاع غزة المحاصر، ورافضة للعدوان الإسرائيلي، الذي استهدف القطاع خلال عيد الفطر في العام الماضي، قد أعلنوا دون سابق إنذار اعتزالهم التغريد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وأزالوا من حساباتهم تلك التغريدات التي أدانت العدوان الإسرائيلي، ودعت للدعاء لأهل غزة ونصرتهم. كما حصل مع الداعية السعودي عادل بن سالم الكلباني.

حيث تعرض الأخير لانتقادات شديدة عقب تغريدة نشرها الثلاثاء 27 يونيو/حزيران من العام الماضي، متضامنًا مع غزة بعد تعرضها للقصف من قبل القوات الإسرائيلية، الأمر الذي اعتبره منتقدوه يأتي ضد موقف بلده التي وصف وزير خارجيتها عادل الجبير الصيف الماضي حركة حماس بالإرهابية.

وكان أحد أبرز المواقف اللافتة أيضًا في هذا الإطار قيام إمام الحرم المكي الداعية سعود الشريم بحذف التغريدات المؤيدة لغزة وأهلها.