محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/08/01
الكاتب
جوزيف شوارتز . باسكار سونكارا

تحظى حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا بعضوية 25 ألف عضو. وكان نموها عبر العام الماضي كبيرًا بما يمثل ثلاثة أضعاف حجمها، ولا شك أنها كانت نتاجًا للرفض المتزايد لإجماع الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- على النيوليبرالية، والذي صاحبه انعدام الأمن الاقتصادي للغالبية العظمى، لاسيما بين العمال الشباب. ولم تحظَ أية منظمة اشتراكية بهذا العدد من الأعضاء طيلة عقود، إن احتمالات تحول السياسات الأمريكية مبهجة إذًا.

عند النظر في كيفية إجراء مثل هذا التحول، فربما نميل إلى إدخال تلك المراتب من الاشتراكيين الجدد إلى الوسائل الحالية التي يبرز دورها في التغيير الاجتماعي، مثل المنظمات المجتمعية والنقابات العمالية أو الحملات الانتخابية – وهي المؤسسات التي من المرجح أن تحقق انتصارات آنية للعمال الذين هم في محور رؤيتنا.

فلماذا لا نضع طاقتنا ونصقل مهاراتنا في المكان الذي يبدو أنه في حاجة ماسة لها؟، إن احتياجات العمال ملِحة بدرجة كبيرة، ألا ينبغي أن نسقط كل شيء وأن ننضم لهذه الصراعات الحالية الآن؟.

بالرغم من أهمية الانخراط بشدة في تلك الصراعات، فإننا كاشتراكيين نملك أيضًا شيئًا فريدًا نقدمه للطبقة العاملة واستغلال منطق يدعمها لكنه مختلف عن المنطق الذي يعمل وفقه منظمو تلك المؤسسات.

وفيما يلي سنضع رسمًا تخطيطيًا لنهج عملي مرتبط بتلك الرؤية التي يمكن أن تكتسب الدعم للتغيير الاجتماعي الديمقراطي على المدى القصير، ووجود الأغلبية للتحول الاشتراكي على المدى الطويل.


القتال من أجل إصلاحات «غير إصلاحية»

بالنسبة للاشتراكيين، فإن النظرية والتطبيق ينبغي أن يرتبطان ببعضهما عن كثب. يعمل الاشتراكيون من أجل إقرار إصلاحات تعمل على إضعاف سلطة رأس المال وتعزز من سلطة الطبقة العاملة، بهدف كسب مطالب مستقبلية – الأمر الذي وصفه أندريه جورز بـ «الإصلاحات غير الإصلاحية».

إننا نريد أن نتحرك صوب فصل كامل عن النظام الرأسمالي. إن الاشتراكيين، على عكس النشطاء الذين ينصب تركيزهم على قضية واحدة، يدركون أن الانتصارات الديمقراطية ينبغي أن تتبعها انتصارات ديمقراطية بشكل أكبر أو أنها ستخفت.

إن نظام الرعاية الصحية الذي تدفع تكلفته جهة واحدة، هو مثال كلاسيكي للإصلاح «غير الإصلاحي»، والذي من شأنه أن يخلص نظام الرعاية الصحية الخاص بنا من القبضة الحديدية لرأس المال ويعمل على تمكين الطبقة العاملة من خلال تأميم صناعة التأمين الصحي الخاص. لكن الاشتراكيين لديهم تصور مختلف بشأن ذلك الصراع عن أنصار القضية الواحدة (الرعاية الصحية للجميع).

بمعنى أن الاشتراكيين يدركون أن تقديم جهة واحدة فقط للرعاية الصحية لا يمكنه التعامل مع ارتفاع التكلفة وانخفاضها من قبل المستشفيات الربحية وشركات الأدوية، وفي حال استطعنا تقديم نظام دفع أحادي للرعاية الصحية على مستوى الدولة فلن تنتهي المعركة أيضًا، حيث سيحارب الاشتراكيون وقتها من أجل تأميم قطاع صناعة الأدوية.

إن وجود نظام رعاية صحية اجتماعي حقيقي (كالموجود في بريطانيا والسويد) من شأنه أن يؤمم المستشفيات والعيادات التي يعمل بها موظفو نقابات الرعاية الصحية، ويتقاضون أجورًا جيدة.

وينبغي على الاشتراكيين أن يكونوا في الصفوف الأمامية في معارك كتلك في يومنا هذا. وللقيام بذلك ينبغي علينا أن نكتسب المهارات اللازمة لتحديد من بيده السلطة داخل قطاع بعينه، كما ينبغي علينا أن نقوم بتنظيم أصحاب المصلحة في التخلص منها.

ولا ينبغي أن يكون المنظمون الاشتراكيون هم الأكثر كفاءة في أي نضال فحسب، بل ينبغي عليهم أيضًا أن يقدموا تحليلاً يكشف أصول أية أزمة ويقدمون إصلاحات تتحدى منطق الرأسمالية.


بناء أغلبية

كاشتراكيين، فإن تحليلاتنا للرأسمالية تقودنا ليس فقط إلى نقد معنوي وأخلاقي للنظام، بل أيضا لأن نرى العُمّال بمثابة عوامل أساسية في كسب التغيير، ويقوم ذلك على أساس الوضع الهيكلي للعمال في الاقتصاد.

بمعنى أن العمال لديهم القدرة على تعطيل الإنتاج والتبادل التجاري، كما أن لديهم مصلحة في التكاتف مع بعضهم البعض والتعبير عن مطالب جماعية، وهذا ما يجعلهم عوامل أساسية في التغيير في ظل الرأسمالية.

هذا الرأي يمكن تصويره على أنه تجاهل لنضالات من أجل العدالة العنصرية وحقوق المهاجرين والحرية الإنجابية. معنى أن غالبية الطبقة العاملة تتألف من النساء والمهاجرين والسود، والقتال من أجل الطبقة العاملة يعني محاربة هذه القضايا تحديدًا إضافة إلى حقوق الأطفال وكبار السن وجميع من لا يستطيعون المشاركة في سوق العمل المدفوع الأجر.

ينبغي على الاشتراكيين أيضًا أن يحاربوا على الصعيد الأيديولوجي. ينبغي علينا محاربة أيديولوجية «فردانية السوق» السائدة، وذلك من خلال رؤية مقنِعة للديمقراطية والحرية وأن نبين كيف يمكن أن يزدهر الأفراد في مجتمع يتسم باتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي وتوجد به حقوق سياسية ومدنية واجتماعية.

وفي حال لم يتمكن الناشطون الاشتراكيون من الإفصاح عن رؤية جذابة للحرية الاشتراكية، فلن نستطيع التغلب على الشكوك الشائعة عن الاشتراكية في أنها ستشكل مجتمعًا مستبدًا لا تسوده المساواة.

وبالتالي، يجب علينا أن نقتدي في منظماتنا الاشتراكية، بالنقاش الديمقراطي والصراع السلمي والتضامن الاجتماعي، وهي الأمور التي تميز العالم الاشتراكي.

إن أية مؤسسة اشتراكية ديمقراطية لا تملك حياة تعليمية يمكن الولوج إليها لن تطور ناشطًا يمكنه أن يكون زعيمًا شعبيًا مدافعًا عن الاشتراكية.

فالنشطاء لا يبقون ملتزمين ببناء منظمة اشتراكية ما لم يوضحوا لأنفسهم ولغيرهم سبب اتصاف الرأسمالية بأنها «معيبة» وغير ديمقراطية، حتى وإن خضعت لإصلاحات.


سلطة الأقلية

لكن ينبغي على الاشتراكيين أن يكونوا في مقدمة ومحور النضالات لتحقيق انتصارات قصيرة الأجل تعزز من قوة الأشخاص وتقودهم للمطالبة بالمزيد.

وفي يومنا هذا، يُعتبر الاشتراكيون أقلية تمضي قدمًا لتصبح أغلبية تقدمية مناهضة للشركات.

ليست لدينا أوهام بأن الجناح المهيمن للديمقراطيين هم أصدقاؤنا. وبطبيعة الحال، فإن غالبية مستويات الحكومة يديرها الجمهوريون، ولكن يجب أن يكون إشراك الديمقراطيين النيوليبراليين جزءًا من أية إستراتيجية لهزيمة اليمين المتطرف.

وإذا نظرنا إلى الحزب الديمقراطي، نرى أن مرشحة الحزب في الانتخابات الأخيرة هيلاري كلينتون، التي خاضت الانتخابات على أساس الخبرة والكفاءة، قد خسرت لأن علاقاتها بالشركات حالت دون صياغة برنامج يقدم المساعدة للطبقة العاملة يتمثل في وضع حد أدنى للأجور (15 دولارا) ووضع برنامج رعاية صحية لجميع الطبقات وتقديم تعليم عالٍ مجاني.

لقد فشلت كلينتون أيضًا في الحصول على أصوات كافية من الطبقة العاملة بجميع أطيافها لكسب الولايات الرئيسية في قلب المنطقة الصناعية السابقة، وأنهت السباق بالخسارة أمام المرشح الرئاسي الأكثر كرهًا وهزلاً في التاريخ.

وإذا بقينا متحمسين للسياسات الديمقراطية – كالمعتاد، سنستمر في التورط مع الحمقى أمثال دونالد ترامب. وبطبيعة الحال، فإن المرشحين التقدميين والاشتراكيين، الذين يرفضون علنًا الأجندة الديمقراطية النيوليبرالية، ربما يختارون لأسباب عملية استغلال خط الاقتراع الخاص بالحزب الديمقراطي في سباقات حزبية.

ولكن أيًا كان خط الاقتراع الذي ستختار الحركة استغلاله، يجب أن نعمل دائمًا على زيادة القوة المستقلة للعمل وتيار اليسار.

يقدم بيرني ساندرز مثالاً، حيث استطاع أن يظهر قوة الاشتراكيين الذين يستغلون السياسات لتأسيس أغلبية تقدمية على المدى القصير، ولكسب تأييد الناس لبرنامج اجتماعي ديمقراطي وأحيانًا للاشتراكية.

لقد استطاع ساندرز أيضًا أن يكسب تأييد 6 نقابات عمالية أساسية، وفي حال كان لدينا حركة نقابية اجتماعية حقيقية في هذا البلد، لحمَل ساندرز راية حركة الطبقة العاملة بأكملها.

إن الأداء الأكثر ضعفًا لساندرز عن كلينتون بين الناخبين من مختلف الأطياف، يظهر أن الاشتراكيين بحاجة لجذور اجتماعية أكثر عمقًا بين المسنات والأطياف الأخرى.

ويعني ذلك أن تطوير الإستراتيجيات التنظيمية سيضعنا بشكل أفضل داخل الحركة العمالية والطبقة العاملة، فضلاً عن خوض نضالات أخرى من أجل العدالة العرقية وتحرير الجنس والنوع.

إن الاشتراكيين لديهم التزام حالي بتوسيع نطاق التوجه المناهض للشركات في مرحلة ما بعد ساندرز داخل السياسة الأمريكية؛ ليؤول الأمر في نهاية المطاف إلى «تحالف قوس قزح» للطبقة العاملة.

ينبغي علينا أيضًا أن نكافح السياسة الخارجية الإمبريالية لحكومتنا وأن نضغط لخفض الإنفاق «الدفاعي» الهائل، كما ينبغي أن نشارك في تحالفات متعددة الأعراق، تكافح من أجل إدخال إصلاحات مثل التعليم العام العادل والإسكان الميسر.

يمكن أن يكون الاشتراكيون الديمقراطيون هم الوسيلة التي تجمع بين الحركة الاجتماعية المتباينة التي تشترك في مصلحة إضفاء الطابع الديمقراطي على سلطة الشركات.

يمكننا أن ننظر للعلاقات الطبقية التي تنتشر في المجتمع وكيف تقدم سبلاً مشتركة للنضال. ولكن بالنسبة لحركة تمتلك 25 ألف عضو، لا يمكننا أن نستبدل أنفسنا بالتيارات الضرورية لكسر سلطة الجمهوريين اليمنيين والديمقراطيين النيوليبراليين المؤيدين للشركات.

ينبغي أن نعمل سويًا مع حركات أوسع نطاقًا ربما لا تكون مناهضة للرأسمالية لكنها تظل ملتزمة بالإصلاحات. تمتلك تلك الحركات القدرة على الظفر بتحسينات جوهرية لحيوات العمال. وإذا بقينا معزولين عنهم، سننزلق إلى حالة تجاهل طائفي.

بطبيعة الحال، ينبغي على الاشتراكيين السعي لبناء قوتهم التنظيمية الخاصة بهم وأن يعملوا كقوة سياسية مستقلة. ولا يمكننا أن نصمت عن توجيه انتقاداتنا ضد التوجهات النقابية التجارية داخل الحركة العمالية.

ولكن في الوقت الحالي، يجب أن نساعد أيضًا على تحقيق تلك الانتصارات التي من شأنها تمكين العمال لتصور المزيد من المكاسب الديمقراطية الأساسية. ولكي نحقق انتصارات، يجب أن نتبع إستراتيجية وتوجه يجعلنا أكثر تمثيلاً للطبقة العاملة.


اغتنام اللحظة

يجب أن يكون الاشتراكيون بمثابة منابر للاشتراكية وأفضل منظميها. هذه هي الطريقة التي نما بها الحزب الشيوعي بشكل سريع في الفترة ما بين عامي 1935 و1939.

لقد هيأ الاشتراكيون آنذاك أنفسهم ليكونوا الجناح اليساري لمؤتمر المنظمات الصناعية وائتلاف «الصفقة الجديدة»، ليزيد عددهم من عشرين إلى مائة ألف عضو خلال تلك الفترة.

الحزب الاشتراكي، على الجانب الآخر، استنكر «الصفقة الجديدة» ووصفها بأنها إحياء للرأسمالية.

ويمكن القول إنهم كانوا على حق بشكل جزئي في ذلك الصدد: بمعنى أن الصفقة الجديدة كانت تمثل إنقاذًا للرأسمالية من نفسها. ولكن مثل هذا الوضع كان أيضًا خاطئًا بشكل كبير في أنه أبعد الحزب الاشتراكي عن النضالات الشعبية، بما فيها تلك المتعلقة بحقوق العمال والمساواة العرقية التي أجبرت رأس المال على تقديم تنازلات مهمة.

وكان هذا الرفض مرتبطًا بمخاوف من أن تكون تلك النضالات «إصلاحية»، ليؤدي ذلك لانخفاض عدد أعضاء الحزب الاشتراكي من عشرين ألف عضو في عام 1935 إلى ثلاثة آلاف فقط في عام 1939.

بطبيعة الحال، هناك أيضًا دروس سلبية نتعلمها من نمو الحزب الشيوعي خلال فترة وجود ائتلاف الجبهة الشعبية. فقد كان أفراد الائتلاف يخفون هويتهم الاشتراكية في محاولة منهم لإغراء أوسع قطاع ممكن من الأمريكيين.

وعندما أجبِروا على الكشف عن هويتهم، أشاروا إلى الاتحاد السوفييتي الاستبدادي كنموذج لهم.

وباتباع مسار موسكو على ميثاق هتلر-ستالين ثم تعهده بعدم الإضراب خلال الحرب العالمية الثانية، تخلى الحزب الاشتراكي عن القطاعات الأكثر نضالاً داخل الطبقة العاملة.

وهكذا، وضع الشيوعيون أنفسهم في وضع حال دون حصدهم الهيمنة المطلقة داخل حركة الطبقة العاملة الأمريكية، من القوى الليبرالية. ومع ذلك، كان ائتلاف الجبهة الشعبية آخر الائتلافات التي حققت وجودًا شاملاً بالولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الشيوعيين رسخوا نضالاتهم من أجل الديمقراطية داخل الثقافة السياسية الأمريكية بينما كانوا يحاولون بناء حركة متعددة الأعراق من الطبقة العاملة.

إن طريق وصول حركة الاشتراكيين الديمقراطيين إلى مؤسسة حقيقية للطبقة العاملة يمر من خلالنا نحن لتصبح الحركة هي الجناح الاشتراكي الصريح للحركة الجماعية المناهضة للإجماع النيوليبرالي الحزبي.

وفي حال أصحبنا منظمين فقط مع امتلاك مهارات عملية في التواصل، فمن المرجح أن نشهد انشقاقًا للعديد من منظمينا الأكثر مهارة الذين سيستغلون مهاراتهم تلك ليحصلوا على وظائف في مجال «العمل الجماهيري» بالمنظمات الإصلاحية.

لقد أسهم مثل ذلك الانشقاق في إفساد حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا خلال ثمانينات القرن الماضي، وأدى لأن يكون آلاف من أعضاء الحركة جزءًا لا يتجزأ من الحركات الجماهيرية.

ينبغي علينا أن نتجنب ذلك. وفي الوقت نفسه، إذا لم نرتبط سياسيًا بالقوى الاجتماعية بشكل أكبر من ارتباطنا بقوتنا الخاصة، فإن حركة الاشتراكيين الديمقراطيين قد تتحول إلى مجرد طائفة اشتراكية.