«المئوية» 1918: عام تغير الحياة البشرية

انتهاء الحرب العالمية الأولى: آلة الموت تستريح قليلاً

قبل وصول قوات الحلفاء إلى الأراضي الألمانية، أدرك الألمان أن الحرب انتهت، فوقّعوا هدنة مع الحلفاء في عربة قطار بغابة «كومبيين» الفرنسية، في تمام الساعة الـ11، في الـ11 من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1918.

اغتيل ولي عهد النمسا وزوجته من قبل طالب صربي في الـ28 من يونيو/ حزيران 1914، فكانت الحادثة دافعًا للقوى الاستعمارية العظمى لإشعال حرب عالمية بين تحالفين: دول الحلفاء، ودول المركز، وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء.

لم تقم حرب مثلها بتغيير الخريطة الجغرافية والسياسية والتاريخية لسنوات لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا، فبنهاية الحرب انتهت الإمبراطوريات: الألمانية، والروسية، والنمساوية المجرية، وسقطت الدولة العثمانية، وظهرت دول جديدة مستقلة أعادت رسم خريطة أوروبا.

تشكلت عصبة الأمم؛ لمنع تكرار مثل هذه الحروب، لكن الرغبة في التوسع والهيمنة حالت دون ذلك، إضافة لشعور الألمان بالمهانة؛ فقد أُجبرت ألمانيا على تحمل مسئولية الحرب، وفرضت عليها دول الحلفاء تعويضات ضخمة، بلغت 269 مليار مارك ألماني، خُفضت إلى 132 مليار، إلى جانب تقليل القوة العسكرية، ومنع التجنيد الإجباري، مما ساهم في صعود النازية، وقيام الحرب العالمية الثانية.

استغلت بريطانيا الصحوة ضد الحكم العثماني بعقد تحالفات مع العرب، مع وعد بالحصول على استقلال بلادهم إذا شاركوا في الحرب، واستقلوا عن الدولة العثمانية، ولكنهم فُوجئوا بأن اتفاقًا سريًا قد عُقد لتقسيم أراضيهم بين فرنسا وبريطانيا، وهو اتفاق سايكس – بيكو، إلى جانب وعد بلفور، وكان اتجاه بريطانيا نحو العرب دافعًا قويًا لتركيز الجهود الصهيونية نحوها؛ لأن فلسطين كانت خاضعة للنفوذ البريطاني آنذاك، فاستغل اليهود الحرب في تحقيق هدفهم بإنشاء وطن لهم في فلسطين.

ونتيجة لذلك سيطرت القوى الاستعمارية على العالم العربي،فتحولت السياسة العربية من بناء نظم دستورية ليبرالية إلى نظم قومية، هدفها التخلص من الاستعمار ومعاونيه. فسيطرت التوجهات العسكرية على حساب الحريات المدنية والسياسية، مما أنتج مشكلات اقتصادية واجتماعية لا زالت تعاني منها الشعوب العربية حتى الآن.

إحصاءات, الحرب العالمية الأولى
خسائر الحرب العالمية الأولى

مبادئ ويلسون: الطريق نحو الأمم المتحدة

كان الرئيس الأمريكي «وودرو ويلسون» متحمسًا لفكرة إنشاء تحالف يمنع تكرار الحرب، وكان إنشاؤه محورًا لـ 14 مبدأ للسلام أعلنها في خطاب بالكونجرس في الـ8 يناير/ كانون الثاني 1918، مؤكدًا عزمه إنشاء منظمة سلام دولية بالتعاون مع القوى العظمى. وبعد مؤتمر باريس للسلام، تم تشكيل عصبة الأمم التي دعا إليها «ويلسون»، والتي تحولت عام 1943 إلى هيئة الأمم المتحدة.

وبسبب هذه العصبة أصبح الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا والولايات المتحدة والصين) أعضاء دائمين في مجلس الأمن؛ وصار لهم نفوذ دولي كبير.

ويلسون, الحرب العالمية الثانية, انفوجرافيك
مبادئ ويلسون

الأنفلونزا الإسبانية: ومن البرد ما فتك

في 11 مارس/آذار عام 1918 استيقظ «ألبرت جيتشل» طاهي الجيش الأمريكي في كانساس، معتقدًا أنه مصاب بالبرد العادي، لكنه لم يكن كذلك، بل كان «المريض صفر» لأعنف أوبئة التاريخ البشري فتكًا وأسرعها انتشارًا!

فالإنفلونزا الإسبانية وباء قاتل تميز بالقدرة على إحداث مضاعفات مميتة،وتقدر الإحصائيات الحديثة أنه أصاب حوالي 500 مليون شخص (ثلث سكان العالم وقتها)، توفي منهم (50 : 100) مليون شخص؛ أي أكثر من قتلى الحربين العالميتين.

وقد أرّخ الباحثون أولى حالات المرض في كنساس الأمريكية 1918، وهناك من قال بأنها بدأت في النمسا 1917، وسُجلت الموجة الثانية من موجات الإصابة في فرنسا وبوسطن الأمريكية، إلا أن مشاركة الدولتين في الحرب العالمية الأولى فرضت رقابة على الصحف لمنع انتشار أخبار المرض؛ حتى لا تضعف معنويات الجنود مما قد يؤدي إلى الهزيمة؟

وبعد عدة أشهر، انتقل المرض إلى إسبانيا التي لم تكن مشاركة في الحرب، ومن ثم تناولت الصحف الإسبانية أخبار الوباء، فارتبط اسم إسبانيا بهذا الوباء الذي كان سببًا في ترجيح كفة قوات الحلفاء. ولم يقتصر تأثير الوباء على عامي 1918-1919، فجميع أوبئة الإنفلونزا التي ظهرت في العالم منذ ذلك الحين (باستثناء الإصابات البشرية من فيروسات الطيور)ناتجة عن سلالات فيروسية منحدرة منه.


«اليوبيل الماسي» 1943: عام الفصل في الحرب العالمية

مؤتمر القاهرة: مصر والحلفاء «إيد واحدة»

بفندق «مينا هاوس» المطل على الأهرامات، عُقد مؤتمر بين الرئيس الأمريكي الأسبق «روزفلت»،ورئيس الوزراء البريطاني «تشرشل»، والقائد العام الصيني «تشان كاي شيك». وفي الـ27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، أكد إعلان القاهرة على استمرار نشر قوة عسكرية للحلفاء في اليابان حتى الاستسلام غير المشروط،متضمنًا 3 بنود، هي كالآتي:

1. تخلي اليابان عن الأراضي التي احتلتها منذ الحرب العالمية الأولى.

2. عادة الجزر التي استولت عليها إلى الصينيين.

3. حصول كوريا على استقلالها في الوقت المناسب.

ومن بين المؤتمرات المهمة الأخرى التي عقدها الحلفاء عام 1943:

1. مؤتمر القاهرة الثاني (4 : 6 ديسمبر/كانون الأول)، بين كلٌ من «تشرشل، روزفلت، والرئيس التركي إينونو» لبحث العمليات العسكرية في تركيا واليابان.

2. مؤتمر الدار البيضاء بالمغرب (14 : 24 يناير/ كانون الثاني)، بين كلٌ من «روزفلت، تشرشل، والرئيس الفرنسي ديجول، والجنرال الفرنسي جيرو»؛ لإعلان ضرورة استسلام دول المحور استسلامًا غير مشروط لإنهاء الحرب.

ويعد المؤتمر خطوة محورية في نضال المغاربة، فقد منح الفرصة للحركة الوطنية في المغرب بقيادة «محمد الخامس»، لطرح قضية التخلص من الاستعمار الفرنسي، وقد أعلنت الولايات المتحدة دعمها للمطالب المغربية.


«اليوبيل الذهبي» 1968: عام الوفيات الغامضة

مارتن لوثر كينج: اغتيال الحلم الأمريكي الأسمر

من أشهر المناضلين في سبيل الحرية وحقوق الإنسان، والذي كان يحلم بعالم أفضل لكل البشر، مبني على الحرية والعمل المتاحين دون تمييز أو عنصرية.

عام 1963، أخبر كينج العالم بحلمه، عند نصب لينكولن التذكاري بواشنطن، في أكبر احتجاج في تاريخ الحقوق المدنية، تجمع فيه 250 ألف شخص للمطالبة بالحرية والعمل للأمريكيين من أصول أفريقية، و«للمطالبة بدين مستحق لهم، ولم تفِ أمريكا بسداده… فبدلاً من أن تفي بشرف بما تعهدت به أعطت أمريكا الزنوج شيكًا بدون رصيد، شيكًا أعيد وقد كُتب عليه أن الرصيد لا يكفي لصرفه»، على حد قول كينج.

وفي سياق الخطاب وضع كينج أوراقه، وارتجل أروع خطبة «I have a dream».

بعدها اختير كأول أمريكي من أصل أفريقي ليكون شخصية العام لمجلة «تايم» عام 1963، ثم حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1964، وكان أصغر الحاصلين عليها، فقد كان في الـ 35 من عمره. في الـ4 إبريل/ نيسان 1968، كان كينج يستعد لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب جامعي النفايات، استند كينج إلى الشرفة ليتحدث مع مساعده، وفجأة دوى صوت طلقة، وانفجرت حنجرة كينج، فسقط قتيلاً.

على إثر ذلك نشبت أعمال عنف في شيكاجو وبوسطن وواشنطن ونيويورك، فأصدرت زوجته بيانًا تناشد فيه الجميع بالتوقف عن العنف والعمل تحقيقًا لأحلام كينج. ويعتبر كثيرون أن رسالته قد تحققت، وأن التفرقة العنصرية قد انتهت عندما فاز أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وفي 8 يونيو/حزيران 1968 اعتُقل جيمس راي المتعصب الأبيض الذي اغتال كينج وأحلامه، فاعترف بجريمته تجنبًا لحكم الإعدام، فحُكم عليه بالسجن 99 عامًا، مات خلالها في السجن عام 1998، متأثرًا بمرض التهاب الكبد الفيروسي c.

اغتيال روبرت كينيدي: الرئيس الذي لم يتولَّ المنصب

قاد «بوبي كينيدي» حملة أخيه الأكبر جون كينيدي في الانتخابات الرئاسية عام 1960، ثم تم تعيينه نائبًا عامًا بعد الانتخابات، واشتهر بمناصرته للحقوق المدنية. كان كينيدي مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1968، وكان الأقرب لمنصب الرئيس؛ إذ كان يحظى بشعبية كبيرة، فضلاً عن دعم مارتن لوثر كينج له.

تم اغتياله في 5 يونيو/ حزيران 1968، بطلق ناري في رأسه، من شاب مسيحي أمريكي من أصل فلسطيني يُدعى سرحان سرحان، خطط لاغتياله في الذكرى الأولى لنكسة 1967، بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل بإرسال أسلحة إليهم لقتل الفلسطينيين، وقد حُكم عليه بالإعدام في غرفة الغاز، ثم تم تخفيف الحكم إلى المؤبد مدى الحياة، ولا يزال في السجن حتى الآن.

وفاة يوري جاجارين: الإنسان الأول على القمر

خلّد رائد الفضاء الروسي «يوري جاجارين» اسمه كأول إنسان ينجح في السفر إلى الفضاء الخارجي، والدوران حول الأرض، وذلك في رحلته التاريخية على متن مركبة الفضاء السوفييتية «فوستوك 1»، في الـ12 أبريل/ نيسان 1961. ورغم نشأته بين أحضان الشيوعية إلا أنه صرّح قائلاً:

حين صعدت إلى الفضاء، أخذتني روعة الكون، فمضيت أبحث عن الله.
فعدّلت الدولة تصريحه ليتماشى مع مفاهيمها الإلحادية، فأصبح:

إلا أن وكالات أنباء روسية أكدت أن جاجارين كان إنسانًا مؤمنًا، فقد اقترح إعادة بناء كنيسة المسيح المخلص في موسكو التي دمرها البلاشفة. لذا فهو لم يقل العبارة على نحو ما تم نشره. وفي الـ27 مارس/ آذار 1968، وأثناء قيامه بطلعة تدريب روتينية تحطمت طائرته نتيجة لخلل لم يعرف سببه.

وقد صرّح «ألكسي ليونوف»، رائد الفضاء السوفييتي بأن سبب الحادث هو تصادم طائرة «جاجارين» مع طائرة أخرى، حلق بها قائدها على ارتفاع منخفض تحت الغيوم، فاصطدم به لأنه لم يره.

تم تكريم جاجارين بإدراج اسمه ضمن قائمة ضمت 14 رائد فضاء فُقدوا ضحية للبحث العلمي، ونُحتت هذه الأسماء على لوحة وضعت على سطح القمر إلى جانب تمثال من الألومنيوم يعرف باسم «رائد الفضاء الفقيد»، والذي يعتبر العمل الفني الوحيد على القمر.


«اليوبيل الفضي» 1993: اتفاقيات تغير السياسات

السوق الأوروبية الموحدة: أوروبا تزيل الحدود

بدأت الدعوة إلى سوق موحدة عند تشكيل الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957، فكان أحد أهدافها إنشاء سوق مشتركة، مع حرية لحركة السلع والخدمات ورأس المال والأشخاص،ونص الاتفاق الموقع بين دول الاتحاد الأوروبي على أنه بداية من عام 1993 سيتم إزالة القيود التجارية بين دوله، معلنًا بدء السوق الأوروبية الموحدة.

اتفاقية أوسلو: مصافحة القاتل والمقتول

فمضيت أبحث عن الله فلم أجده!
من مذكرات «بيل كلينتون»
قلت لإسحق إنه في حال كان متمسكًا بالسلام عليه أن يصافح عرفات لإثبات ذلك… فرد بلهجة جافة: «طيب، طيب، ولكن من دون عناق». وفي البيت الأبيض، قبيل الذهاب إلى منصة التوقيع، حيا عرفات رابين ومد يده ليصافحه لكن الأخير أبقى يديه خلف ظهره ورد على عرفات بجفاء قائلاً: «في الخارج». كنت أعلم أن عرفات يحب الاستعراض وأنه قد يحاول معانقة رابين بعد المصافحة. تفاديت ذلك بوضع يدي اليسرى على الذراع اليمنى لعرفات.
اتفاقية أوسلو, إسرائيل, فلسطين
اتفاقية أوسلو

في أول مصافحة علنية بينهما، «ياسر عرفات» يصافح «إسحاق رابين»، وبينهما «بيل كلينتون». هو مشهد حُفر في ذاكرة الكثيرين بعد توقيع اتفاق سلام بين دولة الاحتلال، ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، في الـ13 من سبتمبر/ أيلول 1993، بحضور الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون».

سُمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية عام 1991، والتي أفرزت هذا الاتفاق، أول اتفاق رسمي مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين. شكّل هذا الاتفاق نقطة فارقة في العلاقة بين العرب واليهود؛ فقد عالجت مفاوضات أوسلو العنصر الغائب عن جميع المحادثات السابقة، وهو إجراء المباحثات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تمثلت أهميتها في التوصل إلى اعتراف متبادل بين الطرفين، وبسببها مُنح كلاٌ من «عرفات، ورابين، وشيمون بيريز» جائزة نوبل للسلام عام 1994.