ليست النساء وحدهن النواشز، أوقات كثيرة يكون فيها الرجل ناشزًا أيضًا، ففي سابقة هي الأولى من نوعها بالمحاكم المصرية قدمت سيدة إنذارًا بالنشوز ضد زوجها الذي هجرها وأخذ أبناءها ليحرمها منهم لتفتح بابًا من الأسئلة أمام المشرع المصري حول غض الطرف عن نشوز الأزواج.

وفجرت المحامية المصرية، إيمان محسن مفاجأة كبرى بعدما أعلنت مؤخرًا عن أول «إنذار طاعة» ضد زوج في تاريخ القضاء المصري.

ما النشوز في القانون المصري؟

فقهيًا يعد النشوز هو الترفُع عن طاعة الزوج ومعصية أوامره، أو تغيّر طباع الزوجة بوجهٍ عام وامتثالها لتصرفات قد تضر بمنزل الزوجية أو الأبناء، أو ترك بيت الزوجية من دون سبب واضح وإغلاق باب التفاهم مع الزوج، مما ينتج عنه احتمالية هدم المنزل والإضرار بالأسرة ككل.

أما من الناحية القانونية، فقد تم تعريف النشوز في قانون الأحوال الشخصية بالنص التالي «امتناع الزوجة عن طاعة الزوج دون حق، وترك منزل الزوجية دون سبب» وهنا يحق للزوج أن يُرسل إليها إنذار الطاعة الذي تمتد صلاحيته لثلاثين يومًا قبل رفع دعوى النشوز.

الزوج الناشز

هذه المرة تبدلت أدوار الأزواج عقب تخلي الزوج عن القيام بواجباته في الإنفاق عليها وأطفاله الصغار، ودخلت الأزمة في منعطفها الأخير المتمثل في ذلك الإنذار الأول من نوعه في تاريخ القضاء المصري، والتقدم بهذا الإنذار جاء بعدما واجهت الزوجة من زوجها فتورًا وفجورًا، بجانب ضربها وإهانتها وطردها من منزل الزوجية».

وقالت وكيلة الزوجة، إيمان محسن المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة والمتخصصة بقضايا الأحوال الشخصية، في تصريحات لـ«إضاءات»، إن تكرار الخلافات الأسرية بين الطرفين وصل لطريق مسدود، وفشلت محاولات الصلح بين موكلتها وزوجها، فأنذرها الزوج بالدخول في طاعته في منزل بخلاف منزل الزوجية، واتهمها بالنشوز، لإجبارها على العيش معه وتقبل الأمر الواقع بكل معاناته، فقامت الزوجة هي الأخرى بإنذاره واتهامه بالنشوز؛ لأنه لا ينفق عليها ولا على أطفاله.

وقامت المدعية بعرض الحل الودي والطلاق مقابل التنازل عن حقوقها، وبذلك يكون الزوج قد أخل بواجباته في القوامة مع زوجته، وفقًا لتصريحات المحامية إيمان لـ«إضاءات».

«أنا مش عاوزة أعمل تريند على حساب موكلتي، هذا الإنذار مجرد بداية في مشواري مع قضية الزوجة التي عانت من تعنت زوجها ورفض الأهل التدخل للحصول على حقوقها، وما حدث بعد توجيه الإنذار خطوة إيجابية ومحاولة لتغيير واقع مرير للزوجات»، بحسبما أفادت المحامية إيمان.

وتابعت: أي موضوع قابل للنقاش والانتقاد، فمثلًا قانون الخلع في بداية مناقشته واجه هجومًا شرسًا حتى من بعض السيدات، وأنا كمحامية استندت في إنذاري بالنشوز للزوج إلى عدم القوامة لأن الزوج ملزم بتوفير مسكن زوجية والإنفاق على زوجته وأولاده وأن يكون أمينًا على حياة زوجته وهذا غير متوافر.

وأضافت: ما يحدث الآن أن الأزواج في معظم الحالات التي وُكلت بها، يطرد زوجته من مسكنها ويسرق ذهبها ومنقولاته ويضربها ويعنفها، هناك حالات عنف وضرب يقوم فيها الزوج بحبس زوجته بعد ضربها حتى لا تحرر محضرًا ضده لدرجة أن إحدى موكلاتي رُبطت في رجل السرير بعد ضربها، أي قانون هذا الذي يحمي هؤلاء الرجال الناشزين.

نشوز الزوج بين القانون والشريعة

أفادت المحامية إيمان بأن أحكام الزوج الناشز موجودة لدى المذاهب الفقهية الأربعة، وهناك طرق لتأديب الزوج الناشز، وما يحدث الآن هو عوار قانوني لأن الدين أقر نشوز الزوج وأغفله القانون والتشريع، وهناك حالات أقرها التشريع بشأن نشوز الزوج لكن لم يُلتفت لها كثيرًا.

وفي حديث تلفزيوني مسجل، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إن الزوج يكون مسؤولاً أيضًا عن خراب البيت ويطلق عليه نفس لقب «ناشز» من باب المساواة، لقوله تعالى «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا».

واستطرد الطيب: ما يعني أن هناك حالة نشوز ممكن أن يتهم بها الرجل أيضًا كالزوجة تمامًا، النشوز أو الإعراض جريمة مشتركة أوردها القرآن الكريم، ويأتي بها الرجل تمامًا كما المرأة.

«ومن علامات نشوز الزوج سرعة الغضب لأتفه الأسباب، فكثير من الرجال يقدمون على ضرب الزوجة وهذا كارثة ومعظم ضحايا هذا النشوز من أسر الصعيد والريف بسبب العادات والتقاليد المتخلفة، التهديد بالطلاق أو التزوج من امرأة أخرى أو سب ولعن الزوجة هذا نشوز أيضًا»، هكذا بيّن شيخ الأزهر علامات نشوز الزوج.

وأوضح الطيب أن من حق الزوجة أن تتعامل مع زوجها بعلاج النشوز مثل الزوج أيضًا، ويوجد في القرآن والسنة ما ينص على مساواة المرأة والرجل في حالات النشوز، ويكون التعامل مع نشوز الزوج بالوعظ والنصيحة أولًا، ثم تلجأ للقضاء إذا لم يرتجع ومن ثم يوجب عليه النفقة وتسقط الطاعة عن الزوجة لمدة معينة حتى يعود الزوج عن نشوزه لزوجته.

وهو ما أيده الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر في حديثه لـ«إضاءات»، قائلًا، «إن الزوج قد يرتكب نشوزًا في حق زوجته من خلال تعمد إيذائها دون أي مبرر أو التوقف عن النفقة دون عذر، وفي هذه الحالة يجب أن ترفع المرأة أمرها للقضاء لنصح الزوج وتلافي أسباب النشوز، وإن فشل الإصلاح بينهما يحق للزوجة رفع دعوى طلاق والحصول على كامل مستحقاتها».

وأكد أحمد كريمة، أن المرأة المصرية لم تلجأ من قبل لمثل هذه الدعاوى القضائية، لأنها اعتادت تحمل سوء المعاملة من أجل أولادها، وأن المجتمع دائمًا يحملها ما لا تطيق في مسألة هدم البيت ولم شمل الأسرة، مما جعلها تلجأ إلى المطالبة بأشياء أخرى للمساواة مع الرجل في مسائل أخرى مثل الإرضاع وخدمة زوجها وبيتها.

هل يشكل حلًا أمام الزيجات المستحيلة؟

صرحت المحامية إيمان صاحبة أول إنذار بالنشوز، بأن زوج موكلتها صاحبة الإنذار عرض التفاوض بعد لجوء موكلتها إلى هذا الإنذار، وأنها تتوقع لجوء المزيد من موكلاتها إلى هذا الإنذار بسبب تعنت الأزواج أثناء عرض الحلول الودية.

وفي حديثها لـ«إضاءات»، ترى السيدة (أ. هـ)، أنها ترى في هذا الإنذار إهانة للزوج الذي أعرض عن زوجته، مضيفة أنها رفعت كثيرًا من القضايا ضد زوجها إلا أنها لم تفكر سابقًا في توجيه إنذار نشوز لزوجها، وأنه إذا أمكن أن تفعل هذا حاليًا فستفعله بعد متابعتها سير القضية الحالية.

وتقول ماجي طارق، التي صدر بحقها حكم نشوز، في حديثها لـ«إضاءات»: «يا ريت فعلاً يكون هناك دعوة إنذار بالطاعة للزوج لأن كثيرًا من الأزواج يتهربون من الإنفاق على الأولاد ويتركون الأم بعد عشرة سنين طويلة دون نفقة أو مصدر دخل لإعالة أولادها».

«كنت راضية بالهم والهم مرضيش بيا.. زوجي حصل على حكم نشوز ضدي بعد عِشرة 40 سنة، وأسقط كل حقوقي ورفض الطلاق وواقف حالي، يرضي مين ده اللي أنا فيه؟ لو رجع بيا الزمن كنت رفعت إنذار نشوز ضده»، كما تقول ماجي.

وأضافت: زوجي اعتمد على منصبه وسلطته ليستبد بي وبأولاده الذين تركهم وتركني دون أي نفقات، قد يكون إنذار نشوز الزوج وسيلة لوقف ظلم بعض الأزواج لزوجاتهم.

وفي المقابل ترى السيدة أسماء سعيد: «الموضوع بقى بايخ، وبقيت قضايا الستات زي الأرجوزات من أجل إثارة الجدل فقط، إنما إيه الفايدة وإحنا متشحططين بعيالنا ولا يوجد تنفيذ للأحكام».

وأضافت أسماء: «بقالي أربع سنين في المحاكم حتى أحصل على حقوقي وحقوق أولادي، إلى أن فوجئت بقرار طرد من مسكن الحضانة وتجميد نفقتي وأخذت شقة أخرى أعيش فيها مع أولادي، غير إني لم أحصل على أي شيء من حقوقي، ولا أرى في توجيه إنذار نشوز لزوجي أي فائدة، لا بد أن يساندنا القانون بشكل أكبر فلا أجد أن إنذار النشوز أو غيرها من الدعاوى تنتهي بحصولنا على حقوقنا حتى الآن».

تحريك المياه الركدة

هذا الإنذار بنشوز الزوج ربما يتم معه إثارة الرأي العام والجمعيات الحقوقية، التي هي بصدد الآن اقتراح تشريع جديد في ما يخص الأسرة المصرية، وبهذا تكون صاحبة إنذار نشوز الزوج رمت حجرًا في المياه الراكدة

هكذا صرحت الدكتورة إيناس إبراهيم المحامية بالنقض ورئيس مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة سابقًا.

وأضافت الدكتورة إيناس، في تصريحات لـ«إضاءات»، أن القانون يطبق قواعد الشريعة الإسلامية، وأن الشريعة تعطي العصمة في يد الرجل ولا تمنح الزوجة الحق في الاعتراض على الطلاق، وبالتالي فإنها لا يحق لها رفع دعوى نشوز على زوجها، واعتبرت أن القضية المطروحة حاليًا لا تتعدّى محاولة للضغط على الزوج.

وأكدت المحامية إيناس إبراهيم: فكرة نشوز الزوج لا يوجد بها نص أو سند قانوني وأنه تم الاعتماد على التفسيرات المؤولة، وأن هذه النوعية من الإنذارات هي والعدم سواء، ولن يتم النظر إليها أمام المحاكم لأنه لا توجد بها نصوص في قانون الأحوال الشخصية، وأن على الزوجة المتضررة من هجر زوجها أن ترفع دعوى طلاق للهجر، التي إذا ثبتت صحتها تحصل على كامل حقوقها.

وينص قانون الأحوال الشخصية في المادة رقم 25 لسنة 1929 على أن هجر الزوج لزوجته يعتبر من الأضرار الموجبة للتفريق، إذا لم ترض بغياب زوجها أكثر من 6 أشهر، رفعت أمرها إلى القاضي ليقوم بمراسلة زوجها وإلزامه بالعودة، فإن لم يرجع حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ».

ونوهت الدكتورة إيناس، عضو لجنة تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقدمة من قبل الجمعيات الأهلية، أن قانون الأحوال الشخصية مليء بالثغرات والعوار القانوني، لذلك نحن بحاجة إلى قانون جديد يدعم المرأة ولتفعيل الكثير من البنود المعطلة فيما يخص نشوز الزوج.