كل يوم مع انتهاء الفترة الدراسية يبدأ آباء الطلاب فورًا الاستعداد لحل الواجبات المنزلية مع أبنائهم.

بعضهم كثرة الواجبات المنزلية يكون مؤشرًا لهم على كفاءة التعليم الذي يتلقاه أبناؤهم، فواجبات كثيرة تعني أنهم يتعلمون الكثير، والبعض الآخر تمثل لهم عبئًا نفسيًا وجسديًا ويفكرون أن أبناءهم يعانون ويتكبدون المشقة فيشفقون عليهم من هذا الحمل. ولكن في كلا الحالتين معظم أولياء أمور الطلاب لا يرتاحون أبدًا لفكرة أن مدرسة أطفالهم تتخلي تمامًا عن الواجبات المنزلية أو حتى تقليل مقدارها.

قديمًا كانت القاعدة التي حددتها ر ابطة الآباء والمعلمين PTA، والرابطة الوطنية للتعليم NEA في الولايات المتحدة الأمريكية أن لكل مرحلة دراسية يحدد للطالب 10 دقائق للواجبات المنزلية، هذا يعني أن طالب الصف الأول لا يقضي في حل الواجبات المنزلية أكثر من 10 دقائق يوميًا، وطالب الصف الثاني 20 دقيقة، حتى نصل للمرحلة الثانوية فلا يقضي الطالب فيها أكثر من ساعتين يوميًا!

بعد ذلك بدأت تظهر اتجاهات في بعض المدارس، منها مدرسة نيويورك الابتدائية العامة، بإلغاء الواجبات المنزلية تمامًا، وبدلًا منها يقضي الطلاب ساعتين إضافيتين في المدرسة لحين الانتهاء تمامًا من كل ما على الطالب استذكاره ويعود لمنزله ليقضي وقته فيما يحب، ولكن عكس توقعات المؤسسات التعليمية هذا لم يرضِ أولياء الأمور تمامًا وأثار نوبة من الغضب بينهم. استمرت التباينات في الآراء بين المتخصصين والمؤسسات التعليمية لفترة طويلة، حتى أجريت عدة دراسات وأبحاث للبت في الأمر، هل الواجبات المنزلية مفيدة للطلاب أم أنها بلا جدوى ويجب إلغاؤها.


رأي العِلم

في عام 2006 أجرى هاريس كوبر، أستاذ علم النفس في جامعة ديوك، دراسة على العلاقة بين الواجبات المنزلية ومستوى الطلاب الأكاديمي، وكانت نتيجة الدراسة أن الواجبات المنزلية بداية من الصف السابع حتى الصف الثاني عشر تحسن بشكل كبير من مستوى الطلاب الأكاديمي، ولكن للمراحل الأقل تأثيرها أقل، حتى أنه صرح بعدم ثبوت أي أدلة على أهميتها للأطفال في المرحلة الابتدائية.

بينما في دراسة أخرى أجراها روبن فرناندز ألونسو، نشرت في مجلة علم النفس التربوي عام 2015، تقول الدراسة إن الطلاب إذا قضوا 90 دقيقة أو أكثر يوميًا في حل الواجبات المنزلية فإن هذا يتسبب في انخفاض مستواهم الأكاديمي، وليس ارتفاعه كما هو متوقع.


الواجبات المنزلية بين العيوب والمزايا

بعد العديد من الدراسات التي أجريت على تأثير الواجبات المنزلية على الطلاب نستطيع تلخيص ميزاتها الإيجابية في:

  1. تحسن من مهارات إدارة الوقت والتنظيم ومهارات التفكير.
  2. تقوي من قدرة الطالب على الفهم والاستيعاب لدى تعرضه لدروس جديدة.
  3. تساعد أولياء أمور الطلاب ومعلميهم على تتبع مستوى الطالب وتعطيهم فكرة عن مدى استيعابه.
  4. تزيد من قدر تفاعل الأهل مع المدارس، حيث إنها تجعلهم على وعي بالموضوعات التي يدرسها أطفالهم.
  5. تساهم في زيادة الثقافة والمعارف العامة لدى الطالب.

لكن الأمر أيضًا لا يخلو من العيوب مثل:

  1. الإرهاق الجسماني للأطفال وظهور مشاكل صحية لهم، مثل الصداع وآلام البطن واضطرابات النوم.
  2. الضغط النفسي الذي يقع على الأطفال من اضطرارهم لإنهاء كل فروضهم يوميًا.
  3. سوء علاقة الطفل بأبويه نتيجة إجباره أحيانًا على الانتهاء من واجباته.
  4. تقليل أوقات المتعة واللعب والأنشطة غير الأكاديمية من هوايات أو أنشطة اجتماعية.
  5. العمل تحت ضغط قد يؤثر سلبًا على اهتمام الطلاب بالعلم نفسه، وعلى فضولهم الفطري للتعلم، والتركيز فقط على إنهاء الواجبات للتخلص منها، حتى أنها قد تساهم في ممارستهم للغش والخداع، سواء بأنفسهم أو بمساعدة آبائهم.
  6. لا شك زيادة الواجبات المدرسية تزيد الضغط على الأسرة بأكملها، وفيهم الطالب نفسه.
  7. تؤثر على اتزانه النفسي وعلاقته بالمجتمع من حوله.

إذن.. هل نحن مضطرون للاختيار بين تفوق أبنائنا العلمي وبين اتزانهم النفسي والجسدي؟


جني الثمار وترك المساوئ

لمحاولة حل هذه المعادلة الصعبة للموازنة بين جني مميزات الواجبات المنزلية وتجنب عيوبها علينا طرح عدة أسئلة على أنفسنا أولًا:

ما الهدف الذي نطمح له عند تحفيز أبنائنا لإنهاء فروضهم؟ هل كل جهدهم المبذول يستثمر فعلًا من أجل هذا الهدف ويصب في الجانب العلمي لهم أم أنه فقط أداء للواجب ولا يهم ماذا استفاد الطالب منه؟ هل هناك فائدة يجنيها الطالب جراء هذا الجهد أم أنه يضيع هباءً منثورًا؟ وماذا إذا قلت الواجبات المنزلية المفروضة على الطالب قليلًا، هل سيتأثر مستواه؟ وهل هو تأثير سلبي أم إيجابي؟ ماذا يضيع ويفوت على الطفل من مهارات وخبرات مقابل الاهتمام بتأدية الواجبات في المقام الأول؟ هل حقًّا تقضية الطفل لكل هذه الأوقات تعطيه أفضل ما يحتاجه في مرحلته العمرية؟ لماذا يتحول الأمر لصراع بين الطفل وأهله ويحاول بكل جهده التنصل من أدائه؟

وبعد أن تسأل نفسك عليك أن تعلم أن سياسة التعليم ليست فقط دور المؤسسات التعليمية، وأن مسئوليتك تجاه تعليم أولادك لا يمكن أن تخلي طرفك تجاهها بتوكيل المعلمين بها، فأنت من حقك اختيار ما تراه أنسب لطفلك، إنه ليس من الضروري أبدًا إلغاء الواجبات المنزلية، ولكن يلزم تحسين جودة التعامل معها، فإن الواجبات المنزلية ليست الصورة الوحيدة للتعلم، فإن طفلك يمكنه تعلم اللغات بممارستها في علاقات اجتماعية متعددة، ويمكنه تعلم العلوم بالاستكشاف للعالم المحيط وبالتجارب والأنشطة المرحة، ويمكنه تعلم التاريخ بالرحلات والقصص والدراما، ويسري هذا على كل فروع العلم، فلا تقصر تفوق ابنك على إتمامه لفروضه.

وهذا يطرح علينا تساؤلًا عظيمًا، هل حقا الواجبات المنزلية فقط هي ما يحقق إنجازًا في الدرجات والمستوى الأكاديمي، أم أن الأطفال المنفتحين على العالم متعددي المهارات هم الذين ينجذبون لعمل واجباتهم أكثر؟

ماذا لو أنها علاقة ترابط وليست علاقة سببية؟