محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2019/04/08
الكاتب
Freya Higgins-Desbiolles

اشتهر معبد نانزوين في اليابان بتمثال بوذا الضخم المتكئ باسترخاء، لكن حراس المعبد بعيدون عن التمتع باسترخاء كهذا، بالنظر إلى جحافل السياح التي تتقاطر إلى المعبد. يمكنك الآن أن تلمح لافتات مكتوبة بـ 12 لغة مختلفة، تنبه إلى أن الزوار قد لا يمكنهم دخول المعبد في مجموعات كبيرة.

يمكن قراءة هذه التنبيهات على ضوء شعور متنام بالنفور من السياح، نتيجة «السلوكيات السيئة والأفعال الشائنة» التي يقترفها بعض السياح الأجانب، وهي ظاهرة متزايدة الحضور في أنحاء اليابان كما في أنحاء أخرى من العالم. في أمستردام مثلًا، أوقفت السلطات بناء فنادق ومحال هدايا جديدة، وأغلقت منصات الإعلان عن تأجير العقارات.

تجلب السياحة معها فوائد كثيرة للمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم، لكن الوجهات الأكثر جذبًا باتت تشعر بوطأة العدد المتزايد من السياح، فيما يتعاظم شعور بالاستياء لدى السكان المحليين إزاء ازدحام المطاعم والحدائق بالأجانب، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، والأهم من كل ذلك: سلوكيات السياح المستفزة.

أضحى الانتشار الواسع للسياح سيئي السلوك، سواء على أرض الواقع أو كاتجاه ثقافي، مشكلة جدية لصناعة السياحة؛ ففي مدن يتوافد إليها السياح بكثافة شديدة مثل البندقية، ترجم الاستياء من السياح نفسه عمليًا في شكل مظاهرات احتجاجية، وفي برشلونة تبنى نشطاء يساريون قضية مناهضة السياح، واحتضنت الجدران رسوم جرافيتي ممهورة بشعار:

اللاجئون مرحبًا بكم… السياح عودوا من حيث جئتم.

هذا الشعور المناهض للسياح مرشح للتفاقم، ما لم تفعل صناعة السياحة شيئًا لتهدئته. هنالك سياحة خطرة تبني جدرانًا من الصور النمطية السيئة التي تُفرّق بين الناس، بدلًا من أن تبني جسورًا ومعابر لتبادل الثقافة والتفاهم والصداقة.


في روما

في بعض الأحيان، يغدو السلوك السيئ مسألة إدراك، ويحيل إلى الاختلافات الثقافية. هناك في الصين مثلًا أماكن ترحب وبشدة بأن تترك طاولتك في المطعم وما يحيط بها في حالة فوضى شديدة. لكن واقعة تطورت إلى أزمة دولية، حين طُلب من سائحتين صينيتين في اليابان مغادرة مطعم في أوساكا بسبب «طريقتهما المقززة في تناول الطعام».

بدأت الأسئلة تُطرح حول وجوب تعرف السياح على العادات المحلية للوجهات السياحية واحترامها، وحول سر تصرف السياح بطرق لا يتبعون مثلها في مواطنهم، على غرار ما صدر من مجموعة سياح رجال تجولوا في مدينة كراكو البولندية مرتدين (المانكيني)، أو مجموعة سياح تجولوا عراة تمامًا في مجمع معابد أنجكور وات، أكثر البقاع قداسة في كمبوديا.

ثمة دلائل تثبت وجود علاقة بين قضاء المرء عطلة وشعوره بالتحرر من القيود، وهذا ما يغري بعض الأشخاص الطبيعيين بالإقدام على حماقات، مثلما فعل الأمريكي «فريد وارمباير» حين حاول سرقة ملصق دعائي في كوريا الشمالية؛ أكثر بلاد العالم سلطوية، أو مثلما فعل طالب مراهق إسرائيلي حين رسم جرافيتي خلسة على أحد جدران معتقل أوشفيتز النازي في بولندا، أو مثلما فعل مجموعة من السياح حينما تشاجروا حول أولوية التقاط الصور بجانب نافورة تريفي في روما.

ترتكز السياحة المستدامة على عدد من الدعائم، إحداها الحاجة إلى احترام السياح للسكان والثقافات والبيئات المحلية. المشكلة الآن، كما يصفها خبراء سياحيون، أن السياحة تُروج باعتبارها متعة خالصة، وبدلًا من تشجيع السياح على إدراك كونهم مواطنين عالميين لهم حقوق وعليهم مسئوليات، يُباع لهم وهم التساهل بلا حدود مع نزواتهم، ويتم التعامل معهم كمستهلكين يتمتعون بامتيازات خاصة، وهذا بلا شك يُشجع السياح على السلوك المستهتر والشعور الزائف باستحقاق التميز.


وعد تياكي

إننا نعرف بعض الحوادث المذكورة آنفًا لأن مرتكبيها سجلوا الوقائع بأنفسهم، وفي بعض الحالات تكفل السكان المحليون المجني عليهم بتصوير ما حدث.

ينطبق ذلك على واقعة السياح البريطانيين، الذين كانوا يقضون عطلة في نيوزيلندا في يناير/كانون الثاني الماضي، وخلّفوا وراءهم كمية كبيرة من القمامة على أحد الشواطئ. سرعان ما تحولت الواقعة إلى عاصفة إعلامية، ووقّع أكثر من عشرة آلاف شخص عريضة تطالب بترحيلهم من نيوزيلندا.

كانت هذه الحادثة حالة نموذجية لبيان كيف يمكن لحادثة محلية صغيرة أن تتحول بسهولة إلى قضية وطنية أو عالمية، ولكن أيضًا لبيان كيف يمكن لصناعة السياحة العالمية التعامل مع الشعور المناهض للسياح، من خلال تشجيع هؤلاء على التصرف بقدر أكبر من الاحترام.

أصدرت سلطات السياحة في نيوزيلندا بالتعاون مع شركات سياحة «وعد تياكي»، لمعالجة مشكلات عديدة مرتبطة بالسياح، بما في ذلك القيادة المتهورة وأنشطة التخييم المدمرة للبيئة وتجاهل معايير السلامة.

و«تياكي» هي مفردة بلغة شعب الماوري، سكان نيوزيلندا الأصليين، مرادفة لمعنى الحراسة أو الحماية أو المأوى، وهي مرتبطة بمبدأ «كايتياكيتانجا» المنظم لأخلاقيات الحماية، على أساس فهم الماوري التقليدي للرابطة الوثيقة بين البشر والطبيعة.

تناشد حملة «تياكي» السياح العناية بنيوزيلندا، و«التصرف كحراس يحمون ويصونون وطننا»، مقابل الترحيب الدافئ بمن يهتمون بالحفاظ على البلاد، وهو مبدأ جذاب لترويج مفهوم السياحة المسئولة.

إن التحدي الماثل أمام صناعة السياحة هو تطوير إستراتيجيات فعالة للتقريب بين السياح والسكان المحليين، ومفتاح الحل يكمن في نقل الخبرات الثمينة الناتجة عن تفاعل السياح مع السكان المحليين، بدلًا من فرض الإجراءات.