إذا شعرت بالضجر، أو القلق ليلًا؛ فأول نصيحة تسدى إليك هي التواجد في مكانٍ هادئ، صامت من كل الأصوات حتى تسترخي تمامًا، وتحظى ببعض النوم. هذه الحيلة ربما تجدي نفعًا مع الكثيرين، لكن البعض لا يمكنه الاسترخاء إلا في وجود ضوضاء (صوت) بجوارهم.

بالطبع لا نقصد هنا الضوضاء بمفهومها المعهود وهي الأصوات الصاخبة (الدّوشة)، وإنما نوع آخر من الأصوات يعرف باسم «الضوضاء البيضاء – white noise». فماذا تعني؟ وكيف تكون هذه الضوضاء سببًا للاسترخاء؟ هذا ما نعرفه لاحقًا، لكن لنتعرف أولًا.


ممَ يتكون الصوت، وكيف تستقبله آذاننا؟

الصوت كالضوء،يتكون من موجات تضاغطية تتذبذب وتنتقل عبر الأوساط والهواء بترددات مختلفة. كلما زاد التردد الذي تتذبذب فيه موجة الصوت، زادت درجة الصوت الناتج، حيث تستقبله الأذن البشرية صوتًا عاليًا. بالطبع هناك العديد من الترددات الصوتية التي تحيط بنا، لكن البشر مؤهلون لسماع ترددات صوتية محددة يتراوح مداها بين 20 و20000 هيرتز.

أما عن الأصوات ذات الترددات أقل أو أكبر من هذا المدى، فإننا لا نستطيع سماعها. على سبيل المثال؛ نحن لا نستطيع سماع الصافرات المخصصة للكلاب عالية التردد. كما أن الفيلة تستطيع سماع بعضها البعض على مسافات طويلة تصل إلى بضعة كيلومترات باستخدام صوت فائق التردد، لكننا لا نستطيع سماع هذه الأصوات أيضًا.


الضوضاء البيضاء «white noise»

موضوع حديثنا الأبرز. يعرفها الناس بشكل عام بأنها أصوات هادئة نسبيًا ذات نمط مستمر مثل صوت التشويش في التلفاز، صوت المطر، مجفف الشعر، مروحة المكتب، التكييف، أو حتى المكنسة الكهربائية منخفضة الصوت. سميت بالضوضاء البيضاء لأنها تشبه إلى حدٍ كبير الضوء الأبيض، عبارة عن مزيج من جميع الأطوال الموجية.

أما إذا عرفنا الضوضاء البيضاء بشكل فيزيائي، فهي عبارة عن ضجيج عشوائي لها «كثافة طيفية مستوية – Flat Spectral density» (تردد مستو) خالية من الأنماط أو التداخلات والتغيرات، ذات تردد منخفض (من 40 – 60 هيرتز) في مدى تردد الصوت المسموع للأذن البشرية.


علاقتها بالنوم

هذا النمط الثابت من التردد يجعل الضوضاء البيضاء وسيلة مثالية لحجب الأصوات المزعجة الأخرى خاصة أثناء العمل، أو في المساعدة على النوم؛ على حد قول عالم الأعصاب «سيث س. هورويتز – Seth S. Horowitz» ومؤلف كتاب «The Universal Sense: How Hearing Shapes the Mind». يمكننا رصد تأثير هذه الضوضاء كالآتي:

1. البالغون

تفيد دراسة نشرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، إلى أن الاستماع إلى هذا النوع من الضوضاء يساهم بشكل جيد على القدرات المعرفية الضعيفة لدى البالغين. هدف الدراسة البحث عن تأثير الضوضاء البيضاء على تعلم البالغين كلمات جديدة.

أجريت هذه الدراسة على 80 شخصًا شاركوا في دورة تدريبية لتعلم 20 كلمة. انقسم المشاركون إلى مجموعتين. المجموعة الأولى، استمعت إلى الضوضاء البيضاء أثناء مراحل التعلم، والمجموعة الأخرى، تعلموا في صمت.

أظهرت النتائج أن وجود الضوضاء البيضاء أثناء عملية التعلم أدى إلى تعزيز تعلم الكلمات الجديدة بشكل ملحوظ لدى البالغين. سبب ذلك هو أنه من المحتمل أن الضوضاء البيضاء تؤثر على إفراز الدوبامين وتسهيل الانتباه والذاكرة.

من جهة أخرى تعمل هذه النتائج عاملًا محفزًا لإجراء المزيد من الأبحاث لاستخدام الضوضاء البيضاء علاجًا غير دوائي لأولئك الأشخاص الذين يعانون فقدان الدوبامين، أو يعانون صعوبات التعلم أو اللغة. كما يوصي بها الأطباء لمرضى الطنين، حيث تتغلب عليه الضوضاء البيضاء. الطنين ببساطة رنين دائم في الأذنين يصيب الكثير من الأشخاص.

2. الأطفال

هل لاحظتِ أن طفلك يغلبه النعاس أثناء تشغيل مجفف الشعر، أو عند استخدام المكنسة الكهربائية، أو المروحة؟

إذا كان يفعل ذلك، فالأمر على الأغلب بسبب الضوضاء البيضاء الصادرة عن هذه الأدوات، حيث تشير دراسة[1] نشرت في مجلة «Archives of Disease in Childhood» إلى أن الأطفال ينامون بشكلٍ أسرع عندما يتعرضون للضوضاء البيضاء.

أجريت الدراسة على 20 طفلًا حديثي الولادة، تتراوح أعمارهم من يومين إلى 7 أيام. أظهرت النتائج أن 80% من الأطفال غلبهم النعاس خلال 5 دقائق عندما تعرضوا للضوضاء البيضاء. هذا يعني أن الضوضاء البيضاء قد تساعد الأطفال بشكل فعلي على النوم.

3. هل من تأثير سلبي؟

لكل شيء جانب مظلم، حتى الأصوات التي تساعدك على الاسترخاء أو النوم لها أضرارها أيضًا.

ففي حين أننا يمكننا استخدامها لتعزيز قدرات الدماغ إيجابيًا، وعلاج مؤقت للطنين في الأذن، لكنها قد تكون مضرة أيضًا على الدماغ والجهاز السمعي المركزي.تشير دراسة إلى أن تعرض الدماغ بشكل مستمر لمعلومات عشوائية بكثرة قد يعرضه للتلف. الضوضاء البيضاء واحدة من هذه الطرق؛ هكذا يقترح باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.


ضوضاء أخرى

كما أن للضوء ألوانًا متعددة، للضوضاء أيضًا ألوان أخرى تعتمد بشكل أساسي على تغيير «شدتها – Intensity» مع التردد.

فهناك على سبيل المثال الضوضاء الوردية، البنية، الزرقاء، البنفسجية، والبرتقالية.«الضوضاء الوردية – Pink Noise» تشبه بشكلٍ كبير الضوضاء البيضاء في التردد، لكن تختلف في الطريقة التي يتم بها توزيع قوة الإشارة بين الترددات المختلفة، تنخفض طاقتها كلما زاد التردد.


تطبيقات الهواتف الذكية

قد لا تكون مضطرًا للاستماع لهذه الضوضاء طوال الوقت، ولكن قد تحتاجها في وقت ما لمدة قصيرة، خاصة عند النوم. بالطبع لا ننصح بالاستماع إلى صوت تشويش التلفاز مدة ساعة أو أقل أو أكثر في أي وقت، ولكن يمكنك الاستماع إلى أصوات مختلفة تمنحك الهدوء أو الاسترخاء مثل صوت المطر، أو مروحة المكتب، القطار، الطائرة، أو أفضلهم – ربما- صوت التكييف.

هناك مئات التطبيقات للهواتف الذكية التي توفر هذا النوع من الضوضاء وغيرها، لكن أفضل التطبيقات التي جربتها هما تطبيقا Wood، و Sleep Sound، حيث يوفران باقة جيدة جدًا من أصوات الطبيعة المختلفة والموسيقى الهادئة. يمكنك المزج بين أكثر من صوت، وتحديد مدة زمنية للتشغيل، وأفضل الخواص لهذه التطبيقات هي أنها تعمل في وضعية غلق الشاشة، حيث يمنحك الظلام والصوت التي تفضله جوًا هادئًا رائعًا.

وأخيرًا؛ نستطيع رصد تأثير الضوضاء البيضاء في حياتنا، وفي أماكن عامة نرتادها يوميًا مثل وسائل المواصلات. فعندما تستقل القطار أو أي وسيلة مواصلات، فقد يغلبك النعاس دون سابق إنذار.

في المرة المقبلة، ستلاحظ أن صوت وسيلة المواصلات التي تستقلها أهم العوامل التي أسهمت في حضور الغفوة السريعة التي خطفتها من صخب العالم حولك نهارًا.

المراجع
  1. White noise and sleep induction, J A D Spencer, D J Moran, A Lee, D Talbert, 1 Jan. 1990