أعلنت السلطات السعودية، صباح اليوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2017، أن رفات الجثة التي عثروا عليها من عدة أيام، تعود للشيخ الشيعي محمد عبد الله الجيراني، الذي تم اختطافه من أمام منزله قبل عام تقريبًا.


من هو الشيخ محمد عبد الله الجيراني؟

هو شيخُ شيعي المذهب، وهو القاضي بدائرة الأوقاف والمواريث (ضمن اختصاصها الشرعي في الطلاق والزواج والمواريث والأوقاف) وذلك في محافظة القطيف، وقد تولى رئاسة المحكمة هناك، في 2 فبراير/شباط 2015، خلفًا للسيد وجيه الأوجامي، وذلك بسبب وجود ملاحظات حول الأخير رصدتها وزارة العدل السعودية.

ولا شك أن الشيخ الجيراني من الشخصيات المثيرة للجدل في المجتمع القطيفي، وذلك بسبب مواقفه وسلوكياته التي غالبًا ما تنحاز للسلطات السعودية على حساب أبناء مجتمعه ومطالبهم، وهو ما ظهر بشكل جلي في موقفه من تظاهرات القطيف عام 2011، وكذلك الحركة الاحتجاجية التي استمرت طول عام 2016 تقريبًا.

كما يبدو أن بعض عناصر المجتمع القطيفي كانت تعارض الجيراني قبل موجة تظاهرات 2011، ورأت أنه لم يكن صالحًا لشغل منصب القاضي، فالمحكمة في عهده عانت من الفوضى وعدم الانضباط في أمور إدارتها، إلى جانب أنه لم يكن مؤهلاً علميًا ولا أدبيًا لهذا المنصب، ناهيك عن تورطه في بعض قضايا الفساد، وذلك وفق تعبير البعض.

ومن غير المستبعد أن تعيين الجيراني في منصب رئيس المحكمة في فبراير/شباط 2015، كان تعيينًا سياسيًا، مع تولي الملك سلمان وابنه مقاليد الحكم في المملكة، خاصة وأن تصريحاته اللاحقة، والتي أثارت غضب الكثيرين في القطيف، لم تحِد عن الخط السياسي للنظام السعودي.

ففي أغسطس/آب 2016، استنكر الجيراني حوادث الاعتداء على رجال الأمن، وصرّح، عقب وفاة العريف عبد السلام العنزي في القطيف على يد 4 من المسلحين، بأن حوادث الاعتداء على الأنفس البريئة تعتبر إرهابًا لا تقرب للشرائع السماوية وتتنافى مع مبادئ الدين الحنيف.

وكذلك في برنامج «بالمختصر» المذاع على قناة MBC في أكتوبر/تشرين الأول 2016، انتقد الجيراني طريقة تعامل المواطنين في القطيف مع أموال الزكاة، فقال: «إن بعضهم يقوم بإرسالها لإيران والعراق ولبنان عوضًا عن توزيعها في المدينة التي يعيشون فيها»، مؤكدًا أنهم أشخاص معدودون حاول إقناعهم بأن بلادهم أحوج من غيرها.

كما أنه كان دائم الانتقاد للشيوخ الذين يستخدمون المنابر في مهاجمة الدولة وانتقادها، واعتبر أنهم يتاجرون بدماء الشباب وجهود الآخرين ويُقحمون الشباب في الفتن والاعتراض والتظاهر.


اختطافه ومقتله

تلقت شرطة القطيف بلاغًا من أهل القاضي الجيراني يوم الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول 2016، وقد تبين من البلاغ أن الشيخ الجيراني قد اخُتطف من أمام منزله أثناء توجهه إلى مقر عمله، وقالت أسرته عن تفاصيل اختطافه، إن شخصين قاما بالإمساك به واقتياده للمركبة عنوة، وشوهد بعد ذلك حذاؤه مرميًا على الطريق.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2017، أعلنت السلطات السعودية أنه تم القبض على ثلاثة أشخاص، تورطوا في ترصد ومراقبة الجيراني قبل اختطافه، وهم: عبد الله علي أحمد آل درويش (25 عامًا)، ومازن علي أحمد (40 عامًا)، ومصطفى أحمد سلمان آل سهوان (25 عامًا).

وقال المتحدث الأمني إن الموقوفين الثلاثة كُلفوا من قبل المخططين والمنفذين لجريمة الاختطاف بعملية مراقبة وترصد لمدة أسبوعين تقريبًا للجيراني قبل مباشرة اختطافه. وأكد المتحدث أن التحقيقات توصلت إلى تحديد ثلاثة من المطلوبين للعدالة والضالعين مباشرة في عملية الاختطاف وهم: محمد حسين علي العمار، وميثم علي محمد القديحي، وعلي بلابل سعود الحمد. وهم كانوا ضمن قائمة مطلوبين سبق أن أعلنتها وزارة الداخلية السعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

ومنذ ذلك الحين لم تسفر الجهود الأمنية السعودية عن أي تقدم في القضية إلى يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2017؛ أي بعد ما يزيد عن العام، وذلك عندما أكدت الشرطة السعودية أنها عثرت على رفات جثة الجيراني، والذي كان مدفونًا في مزرعة في بلدة العوامية (شرق القطيف).

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن متحدث باسم الوزارة قوله إن الشرطة داهمت المنطقة يوم الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، وبعد تبادل إطلاق النار مع بعض العناصر المطلوبة أمنيًا، عُثر على الجثة، ثم بيّنت فحوصات الحمض النووي، فيما بعد، أن الجثة التي عثر عليها هي للشيخ الجيراني.

وكشفت التحقيقات الأولية أن الخاطفين اقتادوا القاضي إلى المنطقة المهجورة المذكورة ونكلوا به، ثم حفروا حفرة ووضعوه في داخلها، ثم أطلقوا الرصاص في صدره ودفنوا الجثة.


لماذا قُتل الجيراني؟

قبل الحديث عن الاستنتاجات الأولية حول أسباب اختطاف وقتل الشيخ الجيراني، والتي توفرها المعلومات المتاحة للعامة على شبكة الإنترنت، فلابد من العودة إلى الوراء قليلاً للبحث حول أسباب الزخم الذي باتت تحمله محافظة القطيف.

من المعروف أن القطيف هي من أكبر مناطق تمركز الحضور الشيعي في المملكة، وتحديدًا في قرى: سيهات، وجزيرة تاروت، والعوامية، والجارودية، وأم الحمام، والجش. وهناك اختلاف حول تحديد نسبة المنتمين للمذهب الشيعي في المملكة؛ فالموقع الرسمي للشيخ السعودي محمد العريفي يزعم أن نسبتهم 2.8% من إجمالي السكان، أما شبكة الدفاع عن السنة فقد تبنت نسبة الـ 5% عام 2010، إلا أن النسبة الأكثر رواجًا، والتي اعتمدها أكثر من مركز بحث ووكالة إخبارية دولية، هي الـ 10%.

وعلى مدى سنوات اشتكت القطيف وأبناؤها من الشيعة مما وصفوه بالتمييز والتهميش، وكثيرًا ما كانوا يخرجون في مظاهرات احتجاجية تفرقها قوات الأمن بمنتهى الصرامة والحسم. وقد بدت هذه التظاهرات أشد قوة في فبراير/شباط 2011 حينما كانت المنطقة العربية تعيش ذروة الربيع العربي، واتهمت السلطات السعودية حينها رجال دين شيعة وعلى رأسهم «نمر باقر النمر» بالتحريض على المظاهرات.

وقد قامت السلطات السعودية بإعدام النمر في الأول من يناير/كانون الثاني 2016، وهو ما أثار ردة فعل شعبية عنيفة حينئذ، إلا أن الموجة الأعنف جاءت في صيف نفس العام، حينما قررت الرياض إزالة حي المسورة في العوامية، وتهجير أهله، وهو الذي يتألف من شوارع ضيقة، بعدما أصبح ملاذًا «للمسلحين الشيعة» حسب قول السلطات السعودية.

ومنذ ذلك الحين،تصاعدت المواجهات واكتسبت طابعًا مسلحًا بمجرد أن بدأت عمليات الهدم، إذ اتهمت مجموعات شيعية الأجهزة الأمنية بتهجير سكان العوامية قسرًا، بهدف وأد أي محاولة للاحتجاج في المنطقة. وقال نشطاء إن رجال الأمن طوقوا البلدة وأغلقوا مداخلها ومخارجها في يوليو/تموز 2016، كما حرموا سكانها من حق الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية.

ووسط كل هذا الزخم كان موقف الشيخ الجيراني واضحًا وصريحًا، كما أسلفنا ذكره.

ومن هنا، يمكن القول إن هناك أربع فرضيات أساسية حول أسباب عملية خطف وقتل الشيخ الجيراني:

الفرضية الأولى

أن يكون هذا الحادث جنائيًا، وكان الهدف منه السرقة، أو طلب مبالغ مالية من أسرة المختطف كفدية أو ابتزازه، وهو احتمال ضعيف.

الفرضية الثانية

أن يكون الدافع من ورائه انتقاميًا مرتبطًا بعمله في دائرة الأوقاف والمواريث، فمن الممكن أن من اختطفه أحد المتخاصمين المعترضين على قرار المحكمة، أو الرافضين لتنفيذ تلك القرارات، وهو احتمال قائم.

الفرضية الثالثة

أن يكون تنظيم ما يُعرف بـ «الدولة الإسلامية» هو من دبّر الحادث ونفّذه، خاصة وأن السلطات السعودية قد أعلنت أن هذا التنظيم كان مسئولاً عن سلسلة الهجمات المسلحة والتفجيرات التي وقعت قرب عدد من المساجد الشيعية في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 2016، وهو احتمال قائم، ولكن ليس هناك ما يدعمه كثيرًا، خاصة وأن التنظيم يتباهى في دعايته بمثل تلك العمليات، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة.

الفرضية الرابعة

أن يكون الدافع وراء اختطافه وقتله انتقاميًا، من قبل العناصر المنتمية للجماعات المناهضة للسلطات السعودية في القطيف، خاصة في ظل تصريحاته الأخيرة (التي ذكرناها آنفًا)، وأنه قد تم استهدافه في عدة هجمات قبل خطفه؛ حيث أضُرمت النيران في منزله وسيارته عام 2011، ونجا أفراد أسرته بأعجوبة من النيران، وهاجم مسلحون منزله عام 2012 مرة أخرى لكنهم لم يتمكنوا من الإمساك به، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا.