محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2015/8/7
الكاتب
جوردون لوف

ترتبط الذئاب والثعالب ارتباطاً وثيقاً وتتشارك العديد من الخصائص نفسها. لكن انظر إلى أعينهم، فبينما تمتلك عيون الذئاب حدقات دائرية Rounded pupils مثل البشر، تمتلك الثعالب خطاً عمودياً رقيقاً، لكنها ليست مثل الكلاب. ومثل التنوع في مملكة الحيوانات، تظهر حدقات العيون بمختلف الأشكال والأحجام. فما سبب هذه الاختلافات؟

اهتم عديد من العلماء الذين يعملون في مجال الرؤية والبصريات بهذا السؤال. ففي دراسة نُشرت في مجلة Science Advances، فسّر العلماء سبب تطور أشكال تلك الحدقات.

الماعز والأغنام والخيول والقطط المنزلية وعديد من الحيوانات الأخرى لها حدقات تتغير من دائرية تماماً في الضوء الخافت، إلى شقوق ضيقة أو ممتدة في الضوء الساطع.

من اليسار، اكتشف حدقات الثعلب والذئب والغنم و الحبار

الفكرة الراسخة عن ذلك هي أن الحدقات الممتدة Elongated pupils تسمح بتحكم أكبر في كمية الضوء التي تدخل العين. على سبيل المثال، يمكن للقطط المنزلية أن تُغيّر مساحة حدقة عينها بمقدار 135 ضعفاً من متقلصة تماماً إلى متوسعة تماماً، في حين أن حدقة العين البشرية المستديرة، يمكن تغيير مساحتها بمقدار 15 ضعفاً فقط. بالطبع، هذا مفيد بشكل خاص للحيوانات التي تنشط ليلاً ونهاراً، لأن ذلك يسمح لها برؤية أفضل في ظروف الإضاءة المنخفضة.

القطة على اليمين تُحملق في الظلام

ومع ذلك، إذا كان السبب الوحيد لاستطالة حدقة العين هو التحكم في كمية الضوء التي تدخل العين، فلن يكون الاتجاه مهماً: فسواء أكان أفقياً أو عمودياً أو قطرياً فسيقدم المزايا نفسها. ولكن على الرغم من ذلك، نلاحظ أن الحدقات دائماً ما تكون أفقية أو عمودية فقط، ما يشير إلى أنه يجب أن تكون هناك فوائد أخرى تفسر هذا الاتجاه.

الحدقة والمكانة الإيكولوجية

تَركز عمل العلماء على الفوائد البصرية للحدقات العمودية والأفقية في الثدييات والثعابين. أحد العوامل التي وجدها العلماء والأكثر إثارة للاهتمام هو أن اتجاه الحدقة يمكن ربطه بالمكانة الإيكولوجية Ecological niche للحيوان. ربما كان ذلك معروفاً من قبل، لكن العلماء ذهبوا خطوة أبعد من ذلك لتحديد العلاقة بدقة.

وجد العلماء أن الحيوانات ذات الحدقات الممتدة عمودياً من المرجح جداً أن تكون مفترسات مباغتة Ambush predators تختبئ حتى تصطاد فريستها من مسافة قريبة نسبياً منها. كما أنه عادة ما تتموضع أعينها في مقدمة رؤوسها. الثعالب والقطط المنزلية هي أمثلة واضحة على ذلك. لكن الفرق بين الثعالب والذئاب يرجع إلى حقيقة أن الذئاب ليست مفترسات مباغتة، وبدلاً من ذلك فهي تصطاد في مجموعات وتطارد فريستها.

في المقابل، توجد الحدقات الممتدة أفقياً في الحيوانات الرعوية، التي لها عيون على جوانب رأسها. والتي من المحتمل جداً أن تكون فرائس مثل الأغنام والماعز.

المحاكاة تكشف السر

أنتج العلماء نموذجاً حاسوبياً للعيون يحاكي كيفية ظهور الصور في الأشكال المختلفة من الحدقات، وذلك لفهم أهمية اتجاه الحدقة في الحيوانات المختلفة. وأظهرت النمذجة أن الحدقات الممتدة عمودياً في مفترسات المباغتة تعزز من قدرتها على تقدير المسافة بدقة من دون الحاجة إلى تحريك رؤوسها، حتى لا يَكشف ذلك عن وجودها لفريسة محتملة.

الحيوانات الرعوية لديها مشكلات مختلفة، إلا أنها تتكيف معها. إنها في حاجة إلى التحقق من وجود الفريسة في كل مكان، كما أن عليها الفرار بسرعة في حالة الهجوم. لذا يساعد وجود عيون على جانب رؤوسها على رؤية كل ما حولها تقريباً. كما يعزز وجود حدقة أفقية كمية الإضاءة التي يمكن أن تتلقاها من أمامها وخلفها مع تقليل كمية الإضاءة من الأعلى والأسفل. كل ذلك يسمح لها برؤية بانورامية على امتداد الأرض للمساعدة في اكتشاف الحيوانات المفترسة المحتملة في أقرب وقت ممكن. كما تحسن الحدقة الأفقية أيضاً من جودة الصورة على المستويات الأفقية وهذه الرؤية المُحسنة على المستوى الأرضي هي أيضاً ميزة مهمة عند الجري بسرعة للهروب.

عادة ما تتمكن الأغنام من رؤيتك قادماً

إذن، الحدقات الممتدة عمودياً تساعد الحيوانات المفترسة في مباغتة فرائسها، كما تساعد الحدقات الممتدة أفقياً الفرائس على تجنب مفترسيها.

افترض العلماء أن الحدقات الرأسية في الحيوانات الأقصر يجب أن يكون لها فائدة أكبر مقارنة بالحيوانات الأطول، وتأكدوا من صحة فرضيتهم عندما أعادوا فحص البيانات الخاصة بالحيوانات ذات العيون الأمامية والحدقات الرأسية، ووجدوا أن نسبة 82% يعتبر قصيراً مقارنة بـ17% فقط من الحيوانات ذات الحدقات الدائرية.

مشكلات أثناء الدراسة

أدرك العلماء أن هناك مشكلة محتملة في فكرة الامتداد الأفقي للحدقات؛ فإذا كانت الحدقات الأفقية ميزة في حيوانات الرعي، فماذا يحدث عندما تثني تلك الحيوانات رؤوسها لأسفل أثناء الرعي، هل ستعتبر الحدقات غير متماشية أفقياً مع الأرض؟

قام العلماء بفحص هذا من خلال مراقبة عدد من الحيوانات بحدائق الحيوان والمزارع. ووجدوا أن عيون الماعز والغزلان والخيول والأغنام تدور أثناء ثني رؤوسها لتناول الطعام، مما يحافظ على تماشي الحدقة مع الأرض.

تُعرف حركة العين الاستثنائية تلك، التي تكون في اتجاهين متعاكسين في العينين، باسم الدوران الحلقي المتزامن Cyclovergence، إذ تدور كل عين في هذه الحيوانات بمقدار 50 درجة، وربما أكثر، لا يمكننا نحن البشر القيام بنفس الحركة إلا ببضع درجات.

لا يزال هناك مشكلات، فبعض أشكال الحدقات غير مفهومة. على سبيل المثال، النمس له عيون أمامية ولكن له حدقات أفقية، والبرص له حدقة عند توسعها تظهر دائرية وكبيرة وعند تقلصها تظهر كثقوب منفصلة، والحبّار لديه حدقة على شكل حرف «W». إن فهم كل هذه الاختلافات يُعد تحدياً مثيراً للاهتمام في المستقبل.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.