محتوى مترجم
المصدر
نيويورك تايمز
التاريخ
2016/07/18
الكاتب
أليكس روزبرج

عادةً ما يقال إنه لا يمكننا أبدًا معرفة عقول الآخرين؛ لأننا لا نستطيع «دخول رؤوسهم»، لكن قدرتنا على معرفة عقولنا نادرًا ما يتم التشكك بها، فمن المفترض أن اختبارك لوعيك يؤكد اليقين بأنك «تعلم عقلك» إلى حدٍ لا يستطيع شخصٌ آخر الوصول إليه، وذلك خطأ.

منذ عصر أفلاطون، تشارك الفلاسفة، دون كثير من الجدل، ثقةً تنبع من المنطق الشائع بشأن طبيعة أفكاره. لقد جادلوا بأننا نستطيع ضمان اليقين بشأن بعض الاستنتاجات شديدة الأهمية على الأقل، ليس من خلال التحقيق التجريبي، وإنما عبر الاستبطان: وجود، ولامادية (وربما خلود) الروح، والوعي بإرادتنا الحرة وغايتنا وقيمتنا الأخلاقية. في عمودٍ له بنفس القسم (ذا ستون)، شرح جاري جتنج كيف يستمر ذلك الاعتقاد في التعبير عن نفسه في الفلسفة المعاصرة في صورة البحث عن وعيٍ «متسام» أو «مطلق» يوفر الأهمية الأكثر كمالًا لتجاربنا العادية. كما استخدم توماس ناجل نفس المصدر للتغلب على العلم في ذلك الكتاب أيضًا.

يؤكد لنا الاستبطان، «عيل العقل»، بأكبر قدرٍ من الثقة أنه الأفضل، وفي بعض الأحيان السلطة الوحيدة على كيفية عمل العقل؛ لأننا جميعًا نعتقد أن له نفاذًا مباشرًا لنفسه. إننا جميعًا واثقون تمامًا من أننا نعلم بالضبط ما الذي يدور داخل عقولنا من الداخل.

لكن البحث في علوم الإدراك والعلوم السلوكية يقوّض تلك الثقة على نحوٍ متزايد. لا يكاد يمر أسبوع دون ظهور مقالٍ آخر في الإعلام عن نتائج معملية مخالفة للحدس من قِبل علماء نفس تجريبيين يدرسون الإدراك والعاطفة والإحساس. الأمر الذي يجعل الكثير من تلك النتائج جديرة بالملاحظة هو مخالفتها المستمرة للتوقعات والافتراضات والأحكام المسبقة المفروضة علينا من قِبل إدراكنا الواعي.

أظهرت تجارب علوم الإدراك وتصوير الأعصاب وعلم النفس الاجتماعي مدى الخطأ الذي قد نقع فيه بشأن دوافعنا الحقيقية، وتبرير قناعاتنا اليقينية ودقة أدواتنا الحسية.

في الواقع، أظهرت التجارب المسيطر عليها في علوم الإدراك وتصوير الأعصاب وعلم النفس الاجتماعي باستمرار مدى الخطأ الذي قد نقع فيه بشأن دوافعنا الحقيقية، وتبرير قناعاتنا اليقينية ودقة أدواتنا الحسية. بدأ ذلك التوجه حتى قبل ظهور عمل علماء نفس مثل بنجامين ليبيت، والذي أظهر أن الشعور الواعي بالرغبة في فعل شيء يحدث في الواقع بعد عملية الدماغ التي تقوم بذلك الفعل، وهي النتيجة التي تم الوصول إليها مجددًا وتنقيحها مئات المرات منذ اكتشافه لها في الثمانينيات.

في وقتٍ مقارب، اكتشف طبيب يعمل في بريطانيا ويدعى لورانس ويسكرانتز «النظر الأعمى»، وهي القدرة، في البداية لدى القرود الكفيفة ثم لدى بعض الأشخاص المكفوفين، على اختيار أشياء عن طريق لونها بدون الإحساس الواعي باللون. كان الاستنتاج الذي لا مفر منه أنه يمكن للمعلومات البصرية أن تقود السلوك حتى إذا لم نكن قادرين على الوعي بامتلاكه، مثالًا واحدًا فقط على كيف يُخدع العقل والطرق التي يخدع بها نفسه.

في ذات الوقت، استمرت الفلسفة إلى حدٍ كبير في الديكارتية التي يبلغ عمرها قرون – اتباع إصرار ديكارت في «تأملاته» (1641) على أن معرفتنا بطبيعة عقولنا أكثر موثوقية من أي اعتقادٍ آخر. شرح جالن ستروسن مؤخرًا ذلك الاعتقاد القائم منذ قرون في مقالٍ نُشر مؤخرًا بهذا القسم: «نحن نعلم ما هي التجربة الواعية لأن المرور بالشيء يعني معرفته. المرور بتجربة واعية هو معرفة ما هي»، ويضيف: «إنها في الحقيقة الشيء الوحيد في الكون الذي يمكننا ادعاء معرفة طبيعته الجوهرية النهائية».

رغم تلك التأكيدات من الفلسفة، إلا أن العلم التجريبي استمر في مراكمة حجمٍ كبير من الأدلة التي تثبت أن الاستنباط والوعي ليسا أساسين موثوقين لمعرفة النفس، كمصادر المعرفة حتى عن نفسها، ناهيك عن أي شيءٍ بشري آخر، فإن كليهما عادةً ما يكون مخطئًا وبدرجةٍ كبيرة.

لرؤية الخطأ نحتاج إلى إدراك خطأ آخر قام به ديكارت: إنكاره لامتلاك الحيوانات الأخرى أي حياةٍ عقلية على الإطلاق. كشفت المتابعة الميدانية الدقيقة من قِبل علماء الحيوانات الراقية بدايةً من جين جودال أن القرود لديها «نظريات عقل» متطورة جيدًا، إنها تنخرط في «قراءة العقل» للقيام بتخميناتٍ (جيدة أحيانًا) بشأن السلوك المستقبلي للآخرين. قراءة العقل لدى علماء النفس هو اختصار لمعاملة الحيوانات الأخرى على أن لديها شيئًا أشبه بالرغبات والعقائد التي تعمل معًا لصنع اختياراتٍ سلوكية.

بعد نقطةٍ معينة في الماضي التطوري، بدأت الكائنات الحية في احتياج توقع ما إذا كان الآخرون يمثلون خطرًا من أجل حماية أنفسها، واحتاجت في وقتٍ لاحق إلى التنسيق لتحقيق نتائج غير قابلة لتحقيقها على نحوٍ منفرد. فضّلت هذه البيئة بقوة قراءة العقل. إن لم يكن الاختلاف في القدرات الإدراكية قد اكتشف ذلك التكيف، فإن المخلوقات الضئيلة مثلنا لم تكن لتنجو أبدًا في وجه حيوانات السافانا الضخمة.

لا يمكننا في الواقع معرفة ما الذي يعتقده الآخرون أو يريدونه بدقةٍ؛ لأننا لا نستطيع دخول رؤوسهم، لذا فإن توقعاتنا عادةً ما تكون ملتبسة وكثيرًا ما تكون خاطئة.

تعد قراءة العقل، حتى في أيدينا، أداةً غير كاملة تمامًا: علينا التصرف حسب سلوك الآخرين (ويضم ذلك السلوك اللفظي). لا يمكننا في الواقع معرفة ما الذي يعتقده الآخرون أو يريدونه بدقةٍ كبيرة؛ لأننا لا نستطيع دخول رؤوسهم، لذا فإن توقعاتنا عادةً ما تكون ملتبسة للغاية وكثيرًا ما تكون خاطئة. مثل التكيفات الداروينية الأخرى، قراءة العقل هي خاصية غير كاملة، حلٌ «سريع ومرتجل» لـ«مشكلةٍ في التصميم». كان جيدًا بما يكفي أننا نجحنا، مسلحين بنظرية العقل تلك، في التسلق تدريجيًا إلى قمة السلسلة الغذائية. لقد نجحنا في فعل ذلك إلى درجةٍ كبيرة لأنه بمجرد أن وُجدت قراءة العقل أصبحت اللغة البشرية، والتي تتطلبها، ممكنة.

أظهرت أبحاث التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، ودراسة التوحد، والتجارب على اكتشاف «الاعتقاد الخاطئ» لدى الرضع، أن قراءة العقل تمت أقلمته جيدًا مع العقل البشري، غريزي هيكليًا، ومعرض للتعطل – وهو ما يحدث عادةً لأسبابٍ جينية، ويمكن التعرف عليه أثناء نمو الرضيع/الطفل.

الأمر الأكثر أهمية هو أن هناك أدلة دامغة على أن الوعي بالذات لدينا هو في الواقع نفس قدرة قراءة العقل تلك، بعد أن استدارت لتعمل على عقولنا، بكل قابلية الخطأ والتخمين والافتقار إلى أدلة مباشرة التي تعيب قراءة العقل كأداةٍ لتخمين تفكير وسلوك الآخرين. عندما ننظر إلى أنفسنا، كما قال ديفيد هيوم، فكل ما يمكننا رؤيته هو صور، كل ما يمكننا سماعه هو أصوات حديثٍ صامت. تلك الأحاسيس (جنبًا إلى جنب مع المشاعر) هي محتويات الوعي الوحيدة، هي الأشياء الوحيدة التي يمكن للاستبطان استخدامها للتعرف على ما نفكر فيه. موارد الاستبطان تماثل بالضبط موارد أدمغتنا عندما تعمل لشرح وتوقع أفعال الآخرين: بيانات حسية يوفرها البصر والسمع والشم واللمس (وأحيانًا التذوق أيضًا).

بالطبع لدينا بيانات حسية أكثر بكثير – صور وحديث صامت بدلًا من تجربة بصرية وحديث مسموع – للبدء في محاولة اكتشاف رغباتنا واعتقاداتنا مقارنةً مع ما يكشفه سلوك الآخرين من حولنا عما يدور في عقولهم. ذلك جزء مما يشكل وهم أننا نعلم عقولنا على نحوٍ أفضل بكثير. لكن الفرق هو فقط حجم البيانات، وليس كفاءة المصدر. نحن لا نملك أبدًا نفاذًا مباشرًا إلى أفكارنا. كما جادل بيتر كاروثرس لأول مرة، فإن الوعي بالذات ليس إلا قراءة العقل حين توجه إلى الداخل.

كيف نعلم هذا؟، حسنًا، كان هيوم ليردّ بأن الاستبطان يخبرنا بذلك. لكن ذلك لن يقنع العلماء التجريبيين؛ إنهم يطلبون أدلة. تأتي بعض تلك الأدلة من أبحاث التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي التي أثبتت وجود نمط مميز لقراءة العقل، خاصةً لدى الأطفال الذين يعانون من التوحد، والذين تأتي أوجه الخلل لديهم في شرح وتوقع سلوك الآخرين مع قيودٍ على الوعي بالذات والوعي بدوافعهم. يُظهر المرضى الذين يعانون من انفصام الشخصية أوجه خلل في كلٍ من قراءة عقول الآخرين وقراءة عقل النفس. إذا كانت هاتين القدرتين فريدتين فقد كان من المتوقع أن يظهر على الأقل بعض الأطفال المصابين بالتوحد ومرضى انفصام الشخصية إحدى هاتين القدرتين بدون الأخرى.

كوننا نقرأ عقولنا بنفس الطريقة التي نقرأ بها عقول الآخرين يظهر فيما تخبرنا إياه العلوم الإدراكية عن الوعي والذاكرة العاملة– العملية الثنائية التي تتضمن التصور والحديث الصامت التي نستخدمها للحساب واتخاذ قرار والاختيار من بين الخيارات «المطروحة أمام العقل مباشرة». تعرف أكثر نظرية نفسية مقبولة الوعي بأنه نوعٌ من «البث العالمي» من طرائق حسية حصرًا إلى أنظمة شعور صاحبة قرار تنفيذية فعالة تستطيع التصرف وفق المدخل الحسي. ليس لدى الوعي بالذات شيء آخر يستخدمه سوى نفس البيانات الحسية التي نستخدمها لاكتشاف ما الذي يفعله الآخرون وما سوف يفعلونه.

للاستنتاج النهائي من كل تلك الاكتشافات أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة للفلسفة، ولكن بالنسبة لنا ككائناتٍ بشرية: لا يوجد ما يدعى بمنظور الشخص الأول.

إن نفاذنا لأفكارنا لهو غير مباشر وقابل للخطأ تمامًا مثل نفاذنا لأفكار الآخرين. ليس لدينا نفاذ مميز لعقولنا. إذا كانت أفكارنا تعطي المعنى الحقيقي لأفعالنا وكلماتنا وحيواتنا، فإنه لا يمكننا أبدًا التأكد مما تقوله أو تفعله، أو في هذا السياق، ما نفكر به ولماذا نفكر به.

إن ادعاءات الفلاسفة بأن التفكير يمكن الاعتماد عليه عبر الانعكاس على نفسه لكشف طبيعتنا وتأسيس المعرفة ومنحنا الإرادة الحرة ومنح سلوكنا قيمةً أخلاقية، تواجه تحديًا كبيرًا. ولا ينبع الخطر من نظرة علمية مغرضة إلى العالم، وإنما يأتي من الفهم المفصل للعقل الذي توفره العلوم الإدراكية وعلم الأعصاب.