لطالما ارتبطت سمكة البلطي بأرض مصر وأهلها منذ قديم الزمان. ففي مصر القديمة قبل 4 آلاف سنة، رسمها المصريون على جدران المعابد وصنعوا منها التمائم المزركشة، حيث كانت تمثل رمزا للحياة والتجدد. أما اليوم، فأسماك البلطي المصرية قد ترمز للموت، أو ما عرف حديثا في الأوساط العلمية بأزمة «الموت الصيفي»، حيث شهدت 37% من المزارع السمكية في مصر حالات وفاة متزايدة خلال السنوات الماضية، وفقا لدراسة حديثة من جامعة سترلينج الأسكتلندية بالتعاون مع منظمة «وورد فيش».


سمكة مصرية

لا تقتصر قيمة البلطي في مصر على مكانته التاريخية فقط، فهو أحد أعمدة الأمن الغذائي، حيث تسهم أسماك البلطي بما نسبته 75% من الأسماك المستزرعة في مصر. ويعد الاستزراع السمكي المصدر الرئيس للأسماك المستهلكة فيها، كما أن سمك البلطي هو أرخص المصادر البروتينية المتاحة في الأسواق المصرية.

وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، يعد استزراع سمك البلطي أحد المشاريع الصغيرة الميسرة على الطبقات محدودة الدخل، حيث يتمتع البلطي بقدرة مميزة على التأقلم على ظروف مختلفة، مثل جودة المياه والحرارة وكثافة الأسماك المستزرعة. كما أنه سريع النمو والتكاثر، ولا يعد غذاؤه مكلفا، حيث يتنوع غذاؤه بين كل من المصادر النباتية والحيوانية، كما تقدر منظمة «ورد فيش» عدد العاملين في قطاع الاستزراع السمكي في مصر بـ 144 ألف فرد، خمسهم من الإناث.

ويحتل قطاع الاستزراع السمكي في مصر المركز الأول أفريقيا، كما أنها تنافس على المراكز الأولى عالميا في إنتاج أسماك البلطي المستزرع، تسبقها الصين التي تحتل المركز الأول.

وبسبب ذلك يقدر الباحثون في الدراسة الأخيرة أن الموت الصيفي قد كلف مصر ما قيمته 100 مليون دولار أمريكي خلال عام 2015، بعد أن بلغ معدل الوفيات في ذاك العام إلى ما نسبه 9.2 % من إجمالي المزارع التي عانت من الأزمة غير الواضحة الأسباب.


فيروس برك البلطي

سمك البلطي
سمك البلطي

قدمت الدراسة الأخيرة كذلك مشتبها به خلف حالات الموت الأخيرة، ذاك القاتل الخفي هو فيروس فتاك ينتقل عبر البرك الملوثة، اكتشف لأول مرة منذ ثلاثة أعوام في إسرائيل بعد موجة موت مشابهة، ويعرف بـ «فيروس برك البلطي» TilV.

انخفض العائد السنوي من أسماك البلطي في بحرية طبريا من 316 طنا في عام 2005 إلى 45 طنا في عام 2010 وفقا لتقارير وزارة الزراعة الإسرائيلية، وهو ما دفع بدوره فريق من الباحثين الإسرائيليين والإيطاليين إلى دراسة الظاهرة ليتوصلوا إلى نتيجة مفاجئة.

فحين لم تكشف الاختبارات الروتينية أي زيادة في معدل الطفيليات أو الفيروسات المعتادة، عثر الفريق في أنسجة الأسماك التي تظهر أعراضا مرضية على فيروس جديد، لينال اسمه الحالي «فيروس برك البلطي».

يحمل الفيروس مادة وراثية من الحمض النووي الريبوزي RNA، وعندما طعم إلى خلايا مخ بلطي مستزرعة في المعمل، أظهر اختلالات خلوية في مدة تتراوح بين 5 و10 أيام فقط بعد الإصابة، وعند حقنه بداخل أسماك بلطي حية، أظهر الأعراض المتعارف عليها للأسماك المريضة، والتي تشمل خمولا شديدا وتآكلا جلديا وإعتام عدسة العين. كما أظهرت الاختبارت الهستولوجية انتفاخا في الأعضاء الداخلية خاصة الدماغ، بمعدل وفيات يصل إلى 80% من العينة المصابة.

نشرت الدراسة عام 2014 في دورية «كلينكال ميكروبيولوجي»، ومنذ ذلك الوقت عاود الفيروس هجومه في دول مختلفة منها الإكوادور ومن ثم مصر.

اعتمادا على تتابع الجينوم الذي وفرته الدراسة الإسرائيلية، تمكن الباحثون من جامعة سترلينج في الدراسة الأخيرة، من العثور على الفيروس القاتل في 3 عينات من أصل 7 تم التقاطها من مزارع سمكية مختلفة في مصر.

وعلى ذاك الانتشار المفاجئ يعلق «مايكل فيليبس» من منظمة «وورد فيش»، بأن البلطي يشتهر بسمعة عالمية عن قدرته على مقاومة الأمراض، وفي حين لن تؤثر الدراسة الجديدة على سيطرة البلطي على المزارع السمكية حول العالم، فإن المزيد من الجهد واجب بذله لحماية سمعة السمكة المنيعة.

وحيث إن دراسة عام 2014 أظهرت أن الأسماك المريضة تتمتع بمناعة دائمة ضد المرض إذا نجت من الإصابة الأولى، يشجع عالم الفيروسات «مانفريد ويدمان» من جامعة سترلينج على البحث عن حلول طويلة الأمد لمواجهة الوباء، يتقدمها خطة لإنتاج لقاح يوفر مناعة دائمة للأسماك، أو استزراع أنواع منيعة ضد المرض، لكن كل تلك الحلول مازلت قيد الدراسة حتى الآن.