تابعنا جميعًا مهمة رصد هلال شوال وتحديد بداية عيد الفطر المبارك هذا العام باهتمام شديد ربما لأول مرة، كون رمضان هذا العام جاء في ظل ارتفاع غريب في درجات الحرارة، جعل الناس تهتم فعلًا بنهاية الشهر كما اهتمت ببدايته. هنا برز على السطح الخلاف الدائم والمستمر بين مختلف الدول العربية في طريقة تحديد بداية الشهر، فما القصة؟


1. كيف يبدأ الشهر القمري؟

بداية، سنتحدث قليلًا بشكل فلكي بحت دون التطرق لمختلف طرق الرؤية وتحديد بداية الشهر الهجري شرعيًا.

ظهرًا، وتحديدًا الساعة 12:02 بتوقيت مصر (جرينيتش +2) حدث الاقتران الظاهري بين القمر والشمس في السماء وولد القمر الجديد. في هذه اللحظة يكون القمر محاقًا تمامًا ولا يمكن رؤيته بأي طريقة.

يتهادى القمر ببطء بعيدًا منفصلًا عن الشمس في السماء، ويبدأ الهلال في التكون. ووقت غروب الشمس كان القمر قد ابتعد عن الشمس بالفعل وغرب عنها بفارق بضع دقائق حسب الدولة المرصود منها. هكذا بدأ الشهر القمري بالفعل فلكيًا، لكن، ماذا عن بداية الشهر الهجري شوال؟


2. هل بدأ شوال؟

هنا يبدأ الاختلاف بين الدول العربية وهيئاتها الشرعية المختصة بتحديد بداية الشهور الهجرية. قلنا إنه فلكيًا قد بدأ الشهر القمري بالفعل ومكث الهلال دقائق معدودة في السماء بعد غروب الشمس. لكن، هذا المدى الضيق للغاية تستحيل فيه رؤية الهلال.

بالعودة لتقريرنا السابق عن رؤية الهلال بعنوان: «يسأَلُونكَ عنِ الأهِلَّةِ»، كيف تحدد بداية الشهر الهجري؟ سنجد أن رؤية الهلال سواء بالعيد المجردة أو بأدوات فلكية وتلسكوبات متطورة تحتاج لتحقق بضعة شروط:

  • ألا يقل عمر القمر من لحظة الميلاد أو الاقتران عن 14 ساعة عند غروب الشمس.
  • أن يبتعد القمر عن الشمس لحظة غروبها مسافة لا تقل عن 8 درجات سماوية.
  • أن يغرب القمر بعد غروب الشمس بـ30 دقيقة أو أكثر.

بالنسبة للرؤية أمس: ولد القمر قبل الغروب بأقل من 6 ساعات، وكان الفارق أقل كثيرًا من 8 درجات سماوية، وغرب القمر بعد حوالي 6 دقائق فقط في أغلب الدول العربية. هذا يعني أن رؤية الهلال مستحيلة تمامًا تمامًا بأي طريقة بصرية أو تقنية من أي دولة عربية، ولن يتمكن من رؤيته سوى سكان غرب أمريكا وقت الغروب بتوقيتهم المحلي.

استحالة الرؤية في المناطق البيضاء والتي تغطي الوطن العربي بالكامل


3. لماذا حدث الخلاف إذًا؟

نحن الآن أمام حالة متكررة، بدأ الشهر القمري، ومكث الهلال بالفعل في السماء، لكن لا تتحقق شروط الرؤية. هنا يأتي الاختلاف في تحديد بداية الشهر الهجري، فالبعض «كتقويم أم القرى» مثلًا، يعتمد ميلاد القمر فلكيًا ومكوثه فوق الأفق ولو لدقيقة بعد غروب الشمس ليتم اعتماد بداية الشهر الهجري الجديد، وهو ما حدث في الدول التي أعلنت أن الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك، والبعض الآخر «كدار الإفتاء المصرية ومركز الفلك الدولي» تعتمد الرؤية فلكيًا أو شرعيًا بشروطها المذكورة بالأعلى.


4. متى نرى الهلال بالضبط؟

كما قلنا، يغرب الهلال بعد الشمس مباشرة، في حالة أمس كان الفارق دقائق معدودة، ولرؤيته نحتاج أن يكون الفارق أكثر من نصف ساعة. لهذا فاللجان والمختصون المكلفون برصده يخرجون ويجهزون أدواتهم البصرية وتلسكوباتهم ويوجهونها تجاه الأفق الغربي وقت غروب الشمس، ووقت غروب الشمس فقط. ومتى غربت الشمس ولم نرَ الهلال، يعني هذا أنه لا رؤية شرعية، وهو ما حدث بالأمس في الدول العربية.

لهذا، لا يمكن أن يتم استكمال استطلاع الهلال بعد العشاء كما أشيع، ولا يمكن رؤيته منتصف الليل كما قيل في بعض الدول.

الرؤية تحدث فقط وقت غروب الشمس، وليس بعد ذلك.


5. هل يمكن أن يبدأ الشهر الهجري في العالم كله في نفس اليوم؟

فلك، هلال، عيد الفطر، رمضان، شوال
فلك، هلال، عيد الفطر، رمضان، شوال

هذا ما يطلق عليه بتوحيد المطالع، وهي الدعوة القديمة الحديثة، وأحدث المجهودات التي تمت بهذا الصدد كانت من جانب المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في مؤتمره بأسطنبول عام 2016، والذي خرج بتوصيات من أهمها توحيد التقويم الهجري على مستوى العالم الإسلامي.

يقول البيان:

إن هذا التقويم يحقق مصالح كبيرة للمسلمين منه خلال توحيد شعارهم وصيامهم وأعيادهم والقضاء على التفرق الذي يجاوز الحدود المعقولة بين المسلمين وخاضة بين الأقليات المسلمة، حيث قد تصل الاختلافات حول الصيام أو العيد داخل دولة واحدة إلى ثلاثة أيام بل وصل الخلاف إلى أن يقف الحجاج بعرفة في يوم التاسع من ذي الحجة وأهل بلدهم يعتبره اليوم الثامن أو السابع. فهذا الدين هو دين التوحيد الذي جعل الوحدة فريضة شرعية وضرورة واقعية، كما أن التقويم المنضبط المحدد للأعياد والصيام ونحوهما يساعد الأقلية الإسلامية للحصول على عطلهم في الأعياد ويساعدهم في تقديم دينهم العظيم بأنه يحترم العلم بل ينسجم معه كيف لا وأول آية وسورة تبدأ بالأمر بالقراءة والبحث عن العلم.

تقول التوصيات كذلك:

يبدأ الشهر الهجري إذا كان تحقق الشرط التالي في أي مكان في العالم قبل الساعة الثانية عشرة ليلًا بتوقيت غرينتش. أن يكون البعد الزاوي بين القمر والشمس (الاستطالة) وقت غروب الشمس ثماني درجات أو أكثر، وأن يكون ارتفاع القمر عن الأفق وقت غروب الشمس خمس درجات أو أكثر.

ونتمنى أن تقر هذه التوصيات قريبًا من مختلف الهيئات الشرعية في الدول العربية والجاليات الإسلامية، وينتهي هذا الجدال المتجدد، للأبد.

لكن في النهاية، الرأيان صحيحان حسب المذهب المتبع بهما، ولك أن تلتزم بما قالته الهيئة الشرعية المختصة بتحديد بداية الشهر الهجري في بلدك. وكل عام وأنتم بخير.