محتوى مترجم
المصدر
Philosophy Now
التاريخ
2025/02/01
الكاتب
Carlo Filice

لماذا يوجد عالم؟ حتى لو كان واقع هذا العالم مجرد مظهر، حلم أو ما سيظل هناك شيء ما كان من الممكن ألا يكون، كما لاحظ ذلك لايبنتز.

إذن، لماذا هذا العالم؟ ولماذا يوجد به كائن واعٍ؟

إننا لا نملك إجابة متفق عليها لهذا السؤال. تتخذ الردود المقترحة نطاقًا واسعًا جدًّا، بداية من مسألة السؤال نفسه، إلى الإجابة العلمية بحقيقة «إنه فقط كذلك»، إلى أنصاف الإجابات الدينية والميتافيزيقية، أو عدم الإجابة مطلقًا.

من الممكن أن يكون الوجود هو الحالة الطبيعية الافتراضية، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى تفسير، ومع ذلك، كيف يمكن لنا أن نتأكد من ذلك؟ حيث يبدو لنا من طبيعة الأشياء أن العدم كان ممكنًا كذلك.

العلم لا يمكن أن يعطينا إجابة نهائية هو الآخر، نظرية الانفجار العظيم مثلًا تفترض مسبقًا وجود شيء ما، حتى وإن كان في حالة طاقة مندمجة، بعبارة أخرى، الحقول الكمية قد تكون قادرة على توليد العالم؛ لكن وجودها نفسه من البداية يحتاج إلى تفسير، لماذا هذه الحقول بدلًا من لا شيء؟

قد يكون بالفعل عالمنا متقلبًا بين التشكل والطاقة في سلسلة من الانفجارات والانسحاقات العظيمة بلا بداية أو نهاية، لا يمكننا استبعاد ذلك، لكن حتى هذا الخيار يتركنا مشوشين، لماذا لدينا سلسلة أبدية من شيء ما بدلًا من العدم الكامل؟

بمعنى آخر، هناك إجابة واحدة قد تكون كافية؛ وهي إجابة قديمة أتى بها القديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر: «ما يوجد بشكل محتمل لا بد أن يشتق من شيء يوجد بالضرورة = إله».

لكن الإجابات الدينية التي تفترض إلهًا سابقًا على العالم، زمانيًّا ومنطقيًّا، فقط تؤجل الإجابة. لماذا هناك إله في المقام الأول بدل من لا شيء؟

ربما يمكن تفسير وجود إله على أنه ضرورة، لكن قد يظل أكثرنا غير مقتنعين، وحتى إذا أمكننا إثبات وجود إله على وجه الضرورة، هذا لا يخبرنا لماذا إله ضروري قد يخلق العالم؟ ولماذا لموجود كامل وضروري أن يخلق عالما؟ لهذا يبدو أننا قد لا نحصل على إجابة مطلقة في نهاية المطاف.

ماذا عن إجابات ما قبل نهائية؟ هل القبول بوجود إله يساعد في فهم لماذا هذا العالم؟ هناك سبب لوجود مزيد من الأمل هنا.

هذا يقود للسؤال الذي أريد أن أطرحه وأحاول الإجابة عليه، إذا كان لنا أن نفترض موجودًا إلهيًّا، عقلًا فائقًا، كيف سيساعد هذا في تفسير العالم؟ لماذا لموجود مثل هذا أن يخلق العالم؟


اعتبارات بديلة للعالم

قد نتمكن من تقديم إجابة مقنعة عن هذا السؤال إذا افترضنا وجود أشياء لها قيمة جوهريًّا وموضوعيًّا.

إجابة كهذه قد لا تكون جذابة للموحدين فقط، ولكن أيضًا لأتباع المذهب الأفلاطوني، وكذلك أتباع لايبنتز وفلاسفة السيرورة، وقد يقبل الميتافيزيقيون الهندوس بها كذلك. وكمفكر حر بميول إيمانية، أجدها إجابة جذابة.

لنتحدث أولًا عن بعض الخيارات الأخرى؛ لقد أنكر البعض الجدوى من السؤال ذاته – لماذا يوجد العالم؟ – قد يقولون إن طرح هذا السؤال مشابه للسؤال «أين يقع الكون بكامله؟»، وكما أن السؤال الأخير لا معنى له فكذلك السابق.

أنا لا أرى السؤالين متماثلين، المكان سواء في الفراغ أو الزمكان ينطبق فقط على الأشياء داخل هذا الكون، ولا يمكن أن ينطبق على الكون ككل، على العكس من ذلك، التساؤل عن السبب أو الغاية قد ينطبق على الأشياء داخل أو خارج حدود الزمكان.

قد تكون هناك أسباب أخرى لماذا هذا التساؤل غير متسق، لكن حقيقة بقاء هذا التساؤل على قيد الحياة تشهد على خلاف ذلك. (انظر في الكتاب الأخير لجيم هولت «لم يوجد عالم؟»)

إن العقلية العلمية تميل بشدة نحو دراسة المادة، وبشكل عام ترفض التفسيرات غير الفيزيائية، كالعلل الإلهية والعقول غير المادية.

ربما نحن مجرد منتج عارض لعمليات فيزيائية أكبر، أو منتج حتمي إذا قبل المرء فكرة العالم اللا نهائي الذي ينتجه تعدد الأكوان. ومع ذلك فإن المادية لا تمنعنا من التساؤل، لماذا أي عمليات فيزيائية على الإطلاق بدلًا من لا شيء!

إذن وبالعودة للصيغة الحالية من السؤال، وبفرض وجود إله، لماذا يوجد العالم كما نعرفه هنا؟ لماذا ينتج مصدر إلهي عالمًا أو عدة عوالم على الإطلاق؟ هذا سؤال صعب على وجه خاص بالنسبة للذين يتصورون الإله كائنًا كلي الهناء مكتفيًا بذاته، وهو تصور لاهوتي نموذجي للإله. ما الذي يحفز هذا العقل الفائق المكتفي بذاته ليتصور من لا شيء عالمًا غير ذاته ويدركه؟ لماذا لا يستريح للأبد وبلا زمن في حالة هنائه الذاتي؟

من الجدير بالملاحظة أن النصوص التأسيسية للأديان الرئيسية لديها القليل فقط لتقوله عن هذا. يبدأ سفر التكوين ببساطة بعملية الخلق الإلهي دون عرض أي دافع لهذا الخلق، التلميح الوحيد للحافز يأتي بعد عملية الخلق عندما يلاحظ الله مختلف العناصر التي يخلقها ويدرك حسنها، «في الإصحاح الأول من سفر التكوير / ٣١: وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا». ربما هذا الحسن نفسه هو سبب الخلق، وربما لا؛ هو فقط نتيجة ثانوية مفاجئة لعملية الخلق، المزيد كان يجب أن يقال هنا.

النصوص التأسيسية في الهندوسية، البوذية، الطاوية، هي الأخرى غير مفيدة في هذا الصدد، البوذية عمومًا ترفض الحديث في هذه الأمور، وقد لا يفترض النظامان الآخران عقلًا واعيًا بالأساس وراء الكون. الأوبانيشاد الهندوسية تعزز رؤية العالم كتحول ذاتي للإله، هذا الإله الواحد، براهمان، يصبح هو ذاته كثرة من العوالم والأفراد. هذا يخبرنا أن العالم جانب أو مظهر متعدد الأوجه للوجود الإلهي، ولكن لا يخبرنا لماذا يتخذ الإله هذه الصورة من العالم.

ومع ذلك، يقترح اللاهوتي وفيلسوف القرن الثامن الهندوسي شنكارا أن هذا حدث كنوع من الرياضة والمرح. قياسًا على أنه حتى الأمراء الذين يتمتعون بالاكتفاء الذاتي يسعون للرياضة لمجرد الاستمتاع بها.

في حين أن هذا الاقتراح – العالم موجود كليًّا من أجل المرح – يستحق التطوير، لكنه يبدو أيضًا غير مفسر على نحو كافٍ، على سبيل المثال، ما الذي يجعل الكثرة مقابل صورة غير متمايزة للوجود مرحًا؟


قيمة مضافة

إن العقلية العلمية تميل بشدة نحو دراسة المادة، وبشكل عام ترفض التفسيرات غير الفيزيائية، كالعلل الإلهية والعقول غير المادية.

دعونا نستخدم المقاربة «الإله يصبح العالم» للنظر في الفكرة التي أود طرحها. فلنتخيل العقل الإلهي في حالته الأصلية على أنه كلي الهناء، وخالٍ تمامًا من المحتوى – الأفكار – قبل ذلك، لا شيء آخر. وكعقل، في نهاية المطاف أو ربما على الفور، سيتصور الممكنات. ويمكنه تصور عوالم افتراضية – متخيلة تمامًا – ومن الممكن أيضًا أن يتصور موجودات فردية في هذه العوالم الافتراضية، ولقيمة التسلية المطلقة قد يمنح الحرية هذه الأفراد، وقد يدرك أيضًا في نهاية المطاف أو على الفور أن مراقبة عالم كهذا ليست ممتعة بقدر المشاركة في الدراما والإثارة وحياة هذه الأفراد من داخل هذا العالم.

المتعة القصوى قد تتطلب أن ينسى الإله نفسه – جزئيًّا؟ – ويلعب دور هذه الشخصيات المتخيلة في هذا العالم المتخيل. من خلال الحياة الذاتية لهذه الأفراد سيتم إثراء واقع الإله من خلال مصادر جديدة للمتعة، الإله بجانب كثرة العالم أكثر متعة من إله بمفرده.

لذلك، الانقسام الظاهر للوجود إلى الكثير والعديد من الكائنات الواعية أمر مفهوم من منطلق المتعة حتى لو كان وهمًا مؤقتًا. الإحساس بالفردية والانفصال يخلقان مجموعة واسعة من المشاعر والأحاسيس والعواطف الجيدة. علاوة على ذلك، قد تتطلب الحاجة للإثارة والدراما والحماس هؤلاء الأفراد حياتهم محدودة ومحفوفة بالمخاطر وكذلك عرضه للألم والخسارة. ولكن، مع الألم والخسارة نواجه المشكلة المحورية أن الحياة ليست كلها متعة!

هنا يمكننا تقديم مساعدة فلسفية، ونقول إن إلهًا مكتفيًا بذاته في هناء، من شأنه خلق عالم يبدو على الأقل وكأنه خارج عن ذاته، لأن هذا العالم يضيف للقيمة الكلية لوجوده أو للواقع ككل بطرق أكثر من كونها مجرد متعة.

نحن نستطيع أن نرى على سبيل المثال كيف أن الدافع الإلهي لمجرد المتعة يضيف في نهاية المطاف أو فورًا أبعادًا أخلاقية، فإذا كانت الكائنات المخلوقة لها حياة ذاتية ويمكن أن تتأذى، فإن كلًّا منها يكتسب قيمة جوهرية. الإله يدرك ذلك، وسيكون ملتزمًا أخلاقيًّا أن يعاملهم بعناية، ربما وعلى سبيل المثال قد يمنحهم حيوات متعددة لتحقيق تكافؤ الفرص.

بالإضافة لذلك فإن جزءًا من مهمة هذه الشخصيات في العالم هو أن يدركوا القيمة الجوهرية للآخرين كموجودات واعية وشعورية – سواء كانت بشرية أم لا – عندها يمكنهم اختيار العمل وفق ذلك أو لا، وتصبح الفضيلة الأخلاقية حينها ممكنة.

من شأن هذا الإنجاز أن يقدم قيمة جوهرية تتجاوز مجرد المتعة؛ القيمة الأخلاقية، عندها يمكن للعبة الحياة كما نعرفها أن تنطلق.

إذن انقسام واحد إلى كثرة من الموجودات الواعية والمدركة بسمات وتجارب متنوعة يتضمن قيمة أخلاقية، يمكن أن تضيف قيمة جوهرية لأي واقع. العالم الذي يضم مثل هؤلاء الأفراد هو عالم ذو قيمة جوهرية معتبرة. لذلك فإن هذا العالم في نهاية المطاف، قد يكون موجودًا بسبب أن قيمته تثري الواقع الإلهي، «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا». إذن بالنظر إلى إله مبدع، وقيمة الحياة الذاتية، يصبح هذا العالم مفهومًا بطريقة ما قبل نهائية.

هذه الحجة تفترض مسبقًا إلهًا له القدرة على التفكير والتخيل، وكذلك تفترض القيمة الجوهرية للتجربة الواعية. يمكنني القول بأن العديد من الفلاسفة الحاليين يدركون أن التجربة الواعية هي مصدر للقيمة الجوهرية، فمن المسلم به أن عالمًا من الزومبي سوف يفقد معظم أو كل قيمته، من المسلم به كذلك أنه وإذا كانت الحيوانات موجودات واعية فإنه يجب أن نعاملها بعناية. أما فرضية الإله فتظل بالطبع مثيرة للجدل.