محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2019/03/05
الكاتب
سالي أوريلي

كانت أمتع أوقات طفولتي تلك التي قضيتها في قراءة أعمال «إديث نسبيت» و«كليف ستيبلز لويس» و«جوان آيكن». وكنت أفضِّل القراءة في ركنٍ منزوٍ يبعدني عن الأعين، ويمنحني فرصة الاستغراق التام في القصص، إذ كنت أصدق تمامًا وقائعها السحرية، بل وأحاول الولوج إلى عالم «نارنيا»، الذي شيده كليف ستيبلز لويس على الورق، عبر ضلفة خزانة ثياب جدتي.

حتى بعدما شببت عن الطوق لم أزل أعيش بجوارحي فيما أقرأ، لكنني إذ أستعيد أيام طفولتي، يجول بخاطري أحيانًا أنني أضعت الطريق. أقضي الوقت بين شراء الكتب والحديث عنها وقراءة ما استطعت منها، وفي بعض الأحيان أكتب، على أنني لم أعد أشعر بذلك الاستغراق التام في عالم الخيال الذي كان يغلف حواسي ويدوم تأثيره الملهم لبعض الوقت.

إن مناسبات مثل اليوم العالمي للكتاب تشجع الأطفال على القراءة، وتذكّرنا بما يمكن أن يمنحنا كتابًا جيدًا من مباهج الحياة. يفلح البعض منا في قراءة المزيد، لكن هنالك إلحاحًا متزايدًا هذه الأيام على قراءة الشيء «الصحيح».

في عالم البالغين يتحول كل شيء باستمرار إلى إغراء بالمنافسة، وما القراءة باستثناء من ذلك، حينها تغدو محاصرًا من كل صوب بالأهداف التي يتعين عليك بلوغها والخطوات التي يجب اتباعها بالتسلسل الصحيح والتصنيفات التي لا بد أن تشمل كل شيء. لقد صرنا نجبر أنفسنا على قراءة الأدب النسوي وأدبيات الجريمة، ونتصفح مجموعات الكتب بتعجل، ونعتقد ألا سبيل لتحسين مهاراتنا سوى بقراءة الكتب المرشحة في القوائم القصيرة للجوائز.

ونحن نفعل ذلك مدفوعين برغبة ملحة في ترقية أنفسنا، وهو ما يبدو واضحًا في إقبال القراء على منافسات القراءة، التي يحددون فيها كتبًا معينة يُلزمون أنفسهم بمطالعتها. بعض المستخدمين على موقع «Good Reads» يحددون لأنفسهم أهدافًا معقولة، فيما يضع آخرون نصب أعينهم قراءة عدد مهول مثل 190 كتابًا في السنة، أي 15.8 كتاب في الشهر، 3.6 كتاب في الأسبوع، ونصف كتاب يوميًا.

هل تجد ذلك مثيرًا للإعجاب؟ ربما، لكن البعض يقرأ بمعدل أسرع حتى من هذا. لقد ابتعد أحد الصحفيين، مؤخرًا، عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع، وخلال تلك الفترة قرأ عشرة كتب. ما أبعد الشُقة بين هذا وأيامي البعيدة مع مستر تومنوس (إحدى شخصيات عالم نارنيا).


بهجة غامرة

هنا نجد أنفسنا أمام سؤال أساسي: لماذا نقرأ بالأساس؟ هل نرغب في الاستمتاع بالكتب أم تخزينها في عقولنا؟ هل نحن مهووسون بقدرتنا على الانتهاء من الكتب المدرجة في قوائمنا، إلى حد مخاطرتنا بنسيان أن القراءة هي نشاط بدني وعاطفي بقدر ما هو ذهني؟

إننا نولي قدرًا من الاهتمام للفوائد الملموسة للقراءة أكثر من ذلك الذي نوليه للمتعة بحد ذاتها، وذلك لأن مسئولي دعاية الكتب يميلون إلى الإلحاح على فوائدها العملية ومدى دقتها العلمية، بما يضمن إقبالًا أكبر وأطول زمنًا على قراءتها.

بيد أن متعة القراءة أمر لا يقل أهمية، ومن علاماتها الإبطاء في مطالعة الكتاب كلما اقتربت من صفحاته الأخيرة، والتردد في مغادرة العالم الذي خلقه وأدخلك إياه. وكما تصف مؤسسة «ريدنج آجنسي» البريطانية الأمر، فـ«القراءة إحدى أمتع مباهج الحياة، بجانب فوائدها العملية الأساسية».

ويبدو أن الأطفال يدركون هذه الحقيقة بالغريزة والحدس، فهم يغرقون تمامًا في الحكايا حتى ينسوا ما عداها، ويلحون في طلب قص القصص على مسامعهم، ثم إنهم قراء أمناء منصفون، وكل ما يشغل بالهم هو وقائع الروايات، وأين سينتهي بهم المطاف، ولا يعبؤون بما إذا كان الكتاب مرشحًا لجائزة من عدمه.


القراءة بتمهل

ليس من الصعب استعادة الشعور بالاستغراق التام في كتاب ما؛ فكل ما نحتاج إليه هو فرصة للتركيز على ما هو مكتوب، والإرادة لتجاهل المنافسات الملحة والكتب المستهدفة.

عندما شرعت في كتابة روايتي الثانية أقمت في برشلونة لمدة عام بلا وظيفة. وخلال تلك الفترة لم أقرأ سوى ستة كتب، أحدها رواية «العميل السري» لجوزيف كونراد. وفي نوبة زهد في الكتابة مررت بها مؤخرًا، كنت أقضي ساعتين يوميًا في قراءة رواية مايكل فيبر «البتلة القرمزية والبيضاء». لقد استغرقت تمامًا في هاتين الروايتين حتى نسيت العالم من حولي، وظل تأثيرهما يلازمني وشخصياتهما وحبكتاهما ماثلتين أمامي، في حين تلاشت من ذهني كتب أخرى طالعتها على عجل وسط مشاغل مختلفة.

ولست وحدي من أدرك مزايا القراءة المستغرقة والبعيدة عن التنافسية. في مقال نشرته، مؤخرًا، بصحيفة «الجارديان»، اعترفت الكاتبة «سارة ووترز» بأنها تشعر بالعزلة حين يناقش القراء الأعمال الصادرة حديثًا، وعندما سُئلت عن أي الكتب تخجل من أنها لم تقرأها، كانت إجابتها «أي شيء يثرثر حوله الناس. أنا قارئة بطيئة، وأقرأ الكتب القديمة والجديدة على السواء، ولذا أشعر بفشل لا رجاء منه حين يتعلق الأمر بمتابعة الإصدارات الجديدة».

هناك بالفعل أنصار لـ«الحياة البطيئة»، والتحول الثقافي نحو حياة أبطأ وتيرة، نتذوقها على مهل ونعيد اكتشاف العلاقات الإنسانية. وربما حان الوقت كي نطبق ذلك على القراءة أيضًا.

في كل عام، يصدر 184 ألف كتاب في المملكة المتحدة وحدها. إننا لن نصل إلى أي شيء حين نقرأ 12 كتابًا كل أسبوع. ولا يهم في الواقع بأي سرعة نقرأ، لأنه في جميع الأحوال ستظل الأغلبية الساحقة من الكتب الموجودة في العالم مجهولة بالنسبة لنا.

إن كان ثمة مزية واحدة يجدر بالبالغين تعلمها من الأطفال، فهي القراءة من أجل المتعة الخالصة دون سواها.