شغفتني الأسئلة الكبرى طوال حياتي، ولطالما حاولت أن أجد إجابات علميّة لها، إذا كنت مثلي، نظرت إلى النجوم وحاولت أن تفهم ما ترى، فإنك بدأت أيضًا بالتساؤل عن سبب وجود كوننا
ستيفن هوكينج.

تحدثنا في المقال الماضي عن مولد النجوم في السدم، عن تصنيف النجوم حسب الحرارة والخصائص الفيزيائيّة المختلفة، وتوزّعها في مجمات وكوكبات، وتوقفنا عند النقطة التالية: لماذا لا نرى نجومًا بألوان خضراء أو بنفسجية؟


لماذا لاتوجد نجوم خضراء أو بنفسجية؟

عندما تنظر إلى السماء ليلًا تستطيع تمييز نجوم مختلفة بألوان عديدة، لكن هل لاحظت نجومًا بنفسجية أو خضراء اللون؟ لن ترى هذه الألوان بسبب طريقة العين البشرية في إدراك الألوان.

تختلف ألوان النجوم بين العمالقة الحمراء التي تكون على حافة الانفجار، والزرقاء الكبيرة المتألقة في حزام كوكبة أوريون (الجبّار)، وتلك الصفراء كشمس مجرتنا التي قد تكون مستقرة ودافئة لدعم وجود الحياة واستمرارها.

يتعلق لون النجوم بحرارتها السطحية، فكلما ازدادت درجة الحرارة كلما قصر طول الأمواج الضوئية التي تصدرها، أعلاها حرارة هي النجوم الزرقاء، أو الزرقاء-البيضاء التي تصدر أطوالًا موجيةً قصيرة، أما الحمراء والحمراء-البنية تصدر أمواجًا ضوئية أطول.

تطورت العين البشرية لترى الإشعاعات الخضراء والصفراء بشكلٍ خاص، وربما يعود ذلك لأن شمسنا تشع أطوالًا موجيةً تقع في مجال هذه الألوان، لكن النجم الأخضر يشعّ في مركز طيف الضوء المرئي، مما يعني أنه يشع قليلًا من الضوء في مختلف الألوان الأخرى، لذلك يبدو لون النجم أبيضًا، أي مزيج من جميع الألوان، تشع شمسنا الكثير من اللون الأخضر، لكن العين البشرية تدركه أبيضًا.

النجوم البنفسجية اللون هي شيء لن تدركه العين البشرية بسهولة، لأن أعيننا حساسةٌ بشكل أكبر للون الأزرق، فالنجم البنفسجي اللون يشع اللون الأزرق أيضًا ووجود اللونين إلى جانب بعضهما في الطيف المرئي من الضوء يؤدي لاختلاطهما في العين البشرية واختيارها بشكل تلقائي للون الأزرق الأسهل للإدراك


هيرتزشبرنج وراسل يرسمان مخططًا لدورة حياة النجوم

مخطط هيرتزشبرنج-راسل، لاحظ النسق الأساسي
مخطط هيرتزشبرنج-راسل، لاحظ النسق الأساسي

لفهم أي مجموعةٍ من الأشياء يجب علينا أن نفهم العلاقة بينها، كالعلاقة بين اللون والمسافة، الحرارة والحجم، وذلك بالضبط ما قام به إينار هيرتزشبرنج وهنري راسل، حيث درسا كل تلك الصفات، اللمعان والحرارة واكتشفوا روابط بين هذه الصفات، ونتيجةً لهذا العمل حصلا على مخططٍ يظهر تلك العلاقة، مخطط هرتزشبرنج-راسل.

يدعوه فيل بلايت “المخطط الأهم في علم الفلك“، يُظهر هذا المخطط النجوم المشعّة في الأعلى بينما تتواجد الخافتة في الأسفل، كما توجد النجوم الحارة الزرقاء في اليسار، والحمراء الباردة على جهة اليمين.في هذه المخطط، يتواجد خطٌ بشكلٍ قطريّ، تكون النجوم الأكبر على الجهة اليمنى العلويّة من الخط، بينما تتواجد المجموعات الأصغر أسفل وأيسر هذا الخط، بعد زمنٍ طويلٍ استطعنا فهم المعنى الحقيقي وراءه، ووراء هذا المخطط.

اكتشفنا أنّ هذا المخطط يشرح لنا دورة حياة النجوم، حيث تقع معظم النجوم فوق الخط القطري المائل، والذي يسميه الفلكيون اليوم “النسق الأساسي” Main Sequence، هو فعلًا ليس “نسقًا” لكن هذا ما استخدمه الفلكيون، وكعادة التسميات فإنها تثبت وتبقى بغض النظر عن صحتها.

تتوزع النجوم على هذا الخط حسب الطاقة التي تنتجها واللمعان الذي تشعه، فالنجوم التي تحوّل الهيدروجين إلى هيلوم بشكلٍ أسرع من شمسنا، ستكون أكثر سخونةً لأنّها تنتج طاقةً أكبر ويعتمد معدل إنتاجها على مقدار الضغط المطبّق على مركز النجم، أيّ أنّ النجوم العملاقة تستطيع أن تضغط على المركز بشكلٍ كبير لتسرّع الاندماجات النووية الحاصلة داخله.

تقضي النجوم معظم حياتها محوّلة الهيدروجين إلى هيليوم، مما يفسّر أنّ معظم نجوم متواجدة على النسق الأساسي، لكن ماذا عن المجموعات المتبقية بعيدًا عن النسق الأساسي؟

في الزاوية اليسرى السفلية نجد النجوم الساخنة، الزرقاء-البيضاء قليلة اللمعان، أيّ أنها لا بدّ أن تكون صغيرة، ونطلق عليها اسم “الأقزام البيضاء” “White Dwarfs” بينما، نرى في الزاوية اليمنى العلويّة النجوم العملاقة الشديدة الإشعاع، لكنّها باردة، تُسمى هذه المجموعة “العمالقة الحمراء” Red Giants، هذه المجموعة تمثّل مرحلةً من مراحل موت النجوم المشابهة لشمسنا.

أعلى تلك المجموعة، نلاحظ العمالقة الضخمة الحمراء، وهي نجوم ضخمةٌ بدأت في مرحلة الموت، بينما نرى في الزاوية اليسرى العلوية نجومًا شديدة اللمعان، هذه النجوم تُسمى “العمالقة الضخمة الزرقاء” Blue Super Giants، وهي نادرةٌ لكنها تعتبر نهاية مراحل موت النجوم أيضًا.

ليست تلك فقط الطريقة الوحيدة التي تموت بها النجوم، فنحن نعرف أنّ الثقب الأسود هو نهاية النجوم ذات الكتلة الكبيرة، أو إنها قد تسلك طريقًا آخرًا بالوصول إلى حالة “النجم النيوتروني”، وربما تعود النجوم أيضًا إلى السدم مرةً أخرى بعد مرورها بمرحلة العملاق الأحمر،لتشكّل السدم الكوكبيّة Planetary Nebulae، أما العمالقة الضخمة الحمراء فتسلك طريقًا أكثر روعةً وتألقًا لتنفجر كمستعرٍ أعظم ( سوبرنوفا).


إذًا في هذا المقال ناقشنا النقاط التالية:

  • عدم مقدرتنا على رؤية النجوم الخضراء والبنفسجية، بسبب صعوبة إدراك هذه الأطوال الموجية للعين، ورؤيتها لها باللون الأبيض.
  • مخطط هرتزشبرنج-راسل وأهميّته في تصنيف النجوم حسب لمعانها وحرارتها، بالإضافة إلى أهميّة “النسق الأساسي” الذي تقع حوله معظم النجوم التي نلاحظها، ومن خلاله نستطيع تحديد عمر النجم ومرحلته التطوريّة.

نتابع في المقالات القادمة مسيرة تطوّر النجم بعد ولادته في السديم، لنفرّق النجوم حسب كتلتها، نجوم عالية الكتلة وأخرى منخفضة الكتلة ونقارن بين الطريق التطوريّ لكلّ منها والنهايات المختلفة لكلّ من هذه النجوم.

المراجع
  1. Star
  2. Why Are There No Purple or Green Stars?
  3. Stars: Crash Course Astronomy #26