في كل مرةٍ أرى فيها رجل الأمن، يقشعر بدني، أتحسس حقيبتي، أحاول التذكر هل أحمل بطاقتي الشخصية أو لا؟ أفكر ماذا سيحدث إذا أخبرني أن أذهب معه، أنا لم أرتكب جرمًا، ولم أكن يومًا هاربة من شيء ما، لكن الخوف من هذا الرجل يبدو وكأنه يسري داخل دمي، عربة الترحيلات تثير فيّ الذعر كلما مرّت بالصدفة أمامي. أعرف الآن أن الأمر منطقي بالنسبة لشابة عشرينية تعرف أن المعتقلات لا تفّرق بين أحد. لكن لماذا على طفل الخامسة أن يخشى رجل الأمن؟


العسكري

في غرفة العرض، كان باب الطوارئ بارزًا بلونه الرمادي المحفوف بالأحمر، يصعب عليك أن لا تلاحظه وكان طفلي الصغير يتعلق به كل يوم صارخًا، (الحرامي وراء الباب). وفي كل مرة أقف مذهولة كيف لطفل تحت الثالثة من عمره، أن يفقه معنى (الحرامي)، ناهيك عن خشيته؟

في غرفتنا المظلمة أثناء الليل، كانت والدتي تخبرنا أن العسكري يأتي ليلًا ليراقب الشارع، وينظر في أمر الأطفال الذين لا يغلقون أضواء الغرفة في الليل. كنت من محبي الظلام، فلم تجد هذه الكلمات طريقها لدي، لكن شقيقتي كانت تخشى العسكري لمدة طويلة، ولم تغلق ضوء الغرفة مطلقًا.


بناء يتهدم

أثناء تعاملنا مع الأطفال، كمعلمين أو آباء نحاول جاهدين طمأنة الطفل حين يكتسب بعض المخاوف غير المنطقية، نجد من آن لآخر طريقة لتعريفه على العالم بشكل آمن، لنخبره كيف أن العالم آمن ولا يحتاج إلى الخوف. لأن وظيفتنا الأساسية أن يشعر الطفل بالأمان، نبتلع مخاوفنا الخاصة، حتى يطمئن الطفل. نحن نعلم بكل تأكيد أن العالم مليء بالمخاوف الحقيقية، نرتجف رعبًا من أن يختطف طفلنا أو أن يتعرض لاعتداء، لكن علينا أن نتجاهل كل ذلك لنربيه في أمان.

لذلك لا عجب أني أقف مندهشة أمام عبارات التخويف التي تقال أمام الطفل بعمد تخويفه، أتساءل كيف يمكن لنفس الأم أن تخبره أن هناك وحشا سيأكله إذا لم يلخد إلى النوم، وفي ذات الوقت ستأتي لتتساءل كيف يمكنها حل مشاكل التبول اللاإرادي/الخوف من الظلام/ التمسك بها وقت النوم.

كيف يمكن أن نستخف بهذا المجهود وندمره فلا نجد غضاضةً أن نربي فيه مخاوف غير مجدية عن الوحوش التي تنتظره حتى ينام، وعن الشرطة التي تنتظر أن تأخذه بعيدًا عن المنزل؟ وحيث إن الطفل لا يفقه فروقات الخيال والواقع، والشك في التخلي عنه يغلب اليقين، فسيبتلع خوفه بصمت، حتى لا يتم التخلي عنه.

وكنت أظن أن هذه الممارسات فردية، حتى وجدت على صفحات التواصل، دعاية لتطبيق الهاتف (وهو تطبيق قديم بالمناسبة)، يدعى (شرطة الأطفال)، التطبيق الذي يحتوي على أصوات مسجلة بجميع اللهجات العربية- يمكنك بسهولة تخمين أنه لا يوجد لغة غير العربية- لصوت تهديدي للطفل بأن الشرطة قادمة لتأخذه ما لم يفعل ما يؤمر به. قوبل الحديث عنه بالضحك والفكاهة، واقتراح البعض أنه من المفيد استخدامه.

بينما بدأ الغضب يتسلل إلي، والمشاعر التي أحتفظ بها نحو رجل الأمن، في كل مرة أظن أنه قد يصيبني الأذى، ولا أفكر مطلقًا أن أستعين بأحدهم، أفكر بجدية، ماذا لو أن طفلي قد فقد طريقه إلي، هل سيستطيع التوجه لرجل الأمن؟ أم أنه سيخشى أن يزّج به رجل الأمن في السجن، لأنه لم ينه صحن غدائه اليوم؟

فكرت كثيرً إلى أي حد أصبح الخوف كتربية مترسخًا في المجتمع، حتى يصل بشخص/أشخاص على قدر ما من العلم يسمح له بابتكار تطبيق لهاتف ذكي، وهو الأمر الذي يحتاج منه مجهودًا ووقتًا ليس بالقليل، ليخرج بهذه الفكرة؟ إلى أي حد تسلسل العنف ضد الطفل ليصبح واقعًا، وحقيقة. وغيرها هو الغريب. حتى أجد نفسي أناقش أحدهم في بديهيات مثل العنف الجسدي/اللفظي.


التربية بالتخويف

كنت أشاهد فيلم رسوم متحركة، تتحدث طفلة بكل بساطة عن أن تركها وحدها يعد جريمة لأنها طفلة. لم تكن الجملة الأولى التي تثير انتباهي، ولكن أغلب الحوارات على لسان الأطفال، في الدراما/السينما، الغربية. الطفل يعرف حقوقه جيدًا. يعرف كيف يجب أن يعامل، يعرف أرقام الطوارئ، يعرف كيف يتصرف حين تسوء الأمر. وأتساءل أيهما أسوأ، أن طفلي سيخشى الاتصال بالأمن؟ أم أن الأمن لن يجيب اتصاله؟

التربية بالتخويف مألوفة في مجتمعنا العربي، ليس فقط من رجل الأمن، بل من الطبيب والمعلم وحتى الأب.

– إذا لم تفعل ذلك سأذهب بك إلى الطبيب وسيحقنك بالإبرة المخيفة.

– سأخبر معلمتك وأصدقاءك عما فعلته اليوم.

-إن لم تفعل فسأخبر والدك.

كل الراشدين حول الطفل تحولوا من أشخاص يجدر الوثوق بهم، إلى مصادر رعب، بدلًا من أن يثق بالطبيب حين يمرض، سيتخيل الإبرة العملاقة التي ستخترق جسده. بدلًا من الركض نحو أبيه بلهفة، سيتخيل الصفعات التي سيتلقاها حين يعرف ما فعلت.

ماذا تتوقع أن يصبح طفلك حين يكبر خائفًا/مرتجفًا من كل ما حوله؟ وأن يفقد الثقة مبكرًا في أهل الثقة؟ لا أريد منك التخيل.

نظرة واحدة حولك وستعرف دون تدخل، المجتمع الذي يعيش على الخوف والرعب، يمكننا بكل سهولة تخيل المجتمع الناتج عن سياسة الخوف والرعب، حيث تصبح سلطة الأمن مصدرًا للرعب بدلًا من الحماية.