انتهت منذ عدة أيام صفقة انتقال مهاجم المنتخب الإيطالي جرازيانو بيلي إلى نادي شاندونج لونينج في صفقة كلفت النادي الصيني 9.5 مليون جنيه تسترليني. وسيتحصل الدولي الإيطالي بموجب هذا الانتقال على ما مقداره 40 مليون جنيه استرليني خلال مدة عقده والتي تمتد إلى سنتين ونصف.

بيلي ليس النجم الأول الذي يقرر ترك الدوريات الأوروبية والانتقال إلى الصين، وإذا ما قمنا بمراجعة تاريخ الدوري الصيني سنستطيع أن نضع قائمة مطولة من النجوم الذين قرروا الذهاب إلى الدوري الصيني؛ بدءً من النجم الإفواري ديديه دروجبا الذي يعتبر أحد الذين فتحوا الباب أمام باقي نجوم القارة السمراء عندما انتقل إلى نادي شانجهاي في عام 2012، ومن بعده جاء كل من الكاميروني ستيفان امبيا والسنغالي ديمبابا ونجم روما السابق جيرفينيو والغاني أسامواه جيان والنيجيري أوبا مارتينيز. أما من القارة الأوروبية فنجد أن أبرز من انتقلوا هم نجم الميلان السابق جيلاردينيو ولاعب فيورينتينا ديامنتي إضافة إلى سالف الذكر بيلي.

أما الأمة البرازيلية الكروية فتحظى بنصيب الأسد من اللاعبين المتواجدين في الصين حاليًا، بدءً من نجم الريال والميلان السابق روبينيو ولاعب تشيلسي السابق راميريز ولاعب توتنهام باولينيو مهاجم المنتخب هالك وريناتو سانشيز والمنتقل حديثًا من شاختار دونتيسك أليكس تيكسيرا في صفقة قياسية تجاوزت الــ 37 مليون جنيه استرليني. كما يتواجد النجم الكولومبي جاكسون مارتينيز ونجم باريس سان جرمان السابق الأرجنتيني لافيتزي ولاعب إنتر ميلان السابق الكولومبي جوارين.

لم ينتقل هؤلاء اللاعبين إلى الصين من أجل قوة المنافسة أو بناء مجد كروي لم يستطيعوا تحقيقه في أوروبا، لكن الذي حركهم كانت الأموال الضخمة التي يتلقونها كمرتبات سنوية والتي لن يستطيعوا الحصول عليها في أنديتهم السابقة، إضافة إلى أن بعض هؤلاء اللاعبين يعتبر نفسه في نهاية مشواره الكروي فيسعى للحصول على أكبر راتب ممكن نظير المشاركة في بطولة كالدوري هناك.

لكن كيف تم بناء المنظومة الكروية الصينية ؟

هناك مرحلتان رئيستان مرت بهما الكرة الصينية في الأربع سنوات الماضية.


المرحلة الأولى: فلنرضي شغف الرئيس

هناك الكثير من العوامل الممكن ذكرها، لكن العامل الأوضح هو أن «الدولة الصينية تريد ذلك». عند النظر إلى تاريخ الصين الكروي لن نجد سوى إنجازًا وحيدًا وهو التأهل إلى كأس العالم 2002، أما حاليًا فتحتل الصين الترتيب الـــ 93 في تصنيف الفيفا، وهما الأمران اللذان لا تقبلهما الحكومة الصينية الحالية بعد تولي شي جين بينج مقاليد الحكم في 2013. ويبدو أن الرئيس، المشجع الكبير لنادي مانشستر يونايتد، قد ضاق ذرعًا بالفشل الذريع للكرة الصينية وعدم الاهتمام بها كصناعة يمكنها أن تدر مليارات الجنيهات على الاقتصاد، إضافة إلى أن تطوير هذه الصناعة ستعتبر نوعًا من عرض قدرة الصين الكبيرة على تنظيم واستضافة محافل رياضية ضخمة.

وبناء على ذلك فلقد أصدر الرئيس الصيني أوامره من أجل تطوير شامل وعاجل للكرة الصينية. فتم وضع خطة كاملة للاقتصاد الرياضي الصيني تهدف إلى مضاعفة حجمه بقدوم عام 2025 عن طريق الاستثمارات الخاصة من جهة واستثمارات الدولة من جهة أخرى. حيث يريد الرئيس إعطاء دفعة كبيرة إلى الرياضة الصينية وتحديدًا كرة القدم، مما سيجعل الصين بلدًا جذابًا لرؤوس الأموال الأجنبية.

وقد بدأ الأمر بعد إعطاء المسؤولين المحليين أوامرهم بزيادة بالاهتمام بالفئات السنية الأصغر سنًا ومحاولة زيادة نسبة مشاركتهم في الألعاب الرياضية وتهيئة مراكز الشباب وتزويدها بالملاعب والصالات والأجهزة الرياضية لاستضافة أكبر عدد ممكن من الشبان. حيث يستهدف برنامج الحكومة أن يصل عدد الملاعب التي يلعب فيها الأطفال كرة القدم بشكل أسبوعي إلى 20 ألف مدرسة بحلول 2017.

وبعد أن أعطى الرئيس إشارة البدء، قامت السلطات الصينية باستغلال صلاحياتها الواسعة وقامت بدفع شركات كبرى ورؤوس أموال ضخمة على الاستثمار في سوق الكرة في الصين، حيث قامت هذه الشركات بشراء عدد كبير من الأندية المحلية في خطوة تمهيدية لفتح الباب أمام استقدام النجوم. وبالفعل فلقد بدأت عملية الشراء حيث قامت مجموعة إيفرجراند عملاق سوق المقاولات الصيني بشراء 60 % من قيمة نادي جوانزو بينما تكفل بالـ ـ40% الباقية شركة «علي بابا» لمالكها جاك ما. وتم كذلك بيع نادي جيانغ سو إلى مجموعة سونينج التجارية العريقة في صفقة ما زالت قيمتها طي الكتمان. وقامت مجموعة سي آي تي آي سي الاستثمارية ،والتي تدار من قبل الدولة فيما تعود ملكيتها إلى الشعب الصيني، بشراء الحصة الأكبر من نادي بكين جوان.

وغيرها من عمليات الشراء هذه. لتنتهي بذلك ما يمكن تسميته بالمرحلة الأولى من بناء الكرة الصينية في ثوبها الجديد.


المرحلة الثانية: صناعة المجد

تقوم المرحلة الثانية على استقدام النجوم والمدربين لإعطاء شهرة للدوري المحلي تجذب أولًا المواطنين الصينيين، الذين يبلغ عددهم 1.4 مليار نسمة، إلى التلفاز ومن ثم إلى مقاعد المدرجات. فبدأت عمليات شراء اللاعبين بشكل تدريجي وبأسعار متوسطة، تهدف في البداية إلى لفت أنظار العالم بالكرة الصينية ومن ثم تقوم بالتوسع في شراء اللاعبين من أجل بناء دوري قوي.

في نهاية 2012 قام نادي بكين جوان بشراء النجم الدولي السابق في المنتخب المالي عمر كانوتيه ومن في ذات الشهر قام نادي شانجهاي جرين لاند بشراء النجم الإيفواري ديديه دروجبا، ليلتفت العالم بعدها إلى الدوري الصيني، لكن أحدًا ما لم يتوقع أن يستمر المسلسل الصيني في اجتذاب النجوم وبأرقام مرتفعة نسبيًا، حيث أبرمت الأندية الصينية بعدها عدة صفقات كبرى وهنا أعلى عشر صفقات من حيث القيمة المالية:

  • تيكسيرا: المهاجم البرازيلي الشاب انتقل من شاختار دونتسيك بمقابل 50 مليون يورو إلى نادي جيانغ سو.
  • جاكسون مارتينيز: 42 مليون يورو، من نادي أتليتكو مدريد الاسباني إلى جوانزو.
  • راميريز : 30 مليون يورو، من نادي تشيلسي الانجليزي إلى نادي جيانغ سو.
  • اليكسون: 18.5 مليون يورو في صفقة انتقال داخلية صينية قياسية من نادي جوانزو ايفرجراند إلى نادي شانغهاي.
  • جيرفينهو: 18 مليون يورو، منتقلًا من نادي روما إلى نادي نادي هيبي فورتشون.
  • باولينيو: 14 مليون يورو، منتقلًا من نادي توتنهام هوتسبيرز الإنجليزي إلى نادي جوانزو.
  • ديمبا با: 13 مليون يورو، منتقلا من نادي بيشكتاش التركي إلى نادي شنغهاي شينهوا.
  • جوارين: 13 مليون يورو، منتقلا من نادي الانتر الايطالي إلى نادي شنغهاي شينهوا.
  • جيوفانيو: 11 مليون يورو، من نادي سانتوس البرازيلي إلى نادي تيانجين كوانجيان.
  • جينهاو بي: 10 مليون يورو، وهو اللاعب الصيني الأغلى في التاريخ حيث انتقل قلب دفاع نادي هينان جياني الى نادي شانغهاي.

وهناك عرض خيالي مقدم الآن للاعب نادي تشيلسي البرازيلي أوسكار للانتقال إلى الدوري الصيني قيمته 75 مليون يورو، وإذا ما تمت هذه الصفقة فإنها ستكون الأكبر في تاريخ النادي اللندني.

الأمر لم يقتصر على اللاعبين فقط، بل امتد إلى المدربين أيضًا، حيث تعاقدت الأندية الصينية مع مدربين مرموقين أمثال المدرب البرازيلي سكولاري الفائز بمونديال 2002 مع البرازيل ومارسيلو ليبي الفائز بكأس العالم 2006 ومدرب المنتخب الإنجليزي السابق سيفين جوران إريكسون.

كل هذه الأفعال أتت بثمارها حتى الأن، حيث تم شراء حقوق بث الدوري الصيني الموسم المقبل بمقابل تاريخي وهو 200 مليون يورو بينما كان في الموسم المنصرم 9 مليون فقط، كما أن متوسط عدد الحضور في المباراة الواحدة في الدوري الصيني تقترب من 22 ألف متفرج، وبهذا الرقم فإن الدوري الصيني يأتي خلف كل من إيطاليا وفرنسا بفارق 200 مشجع فقط. ويستهدف أن يصل متوسط عدد الحضور بقدوم 2018 إلى 25 ألف متفرج، أي أن تصل إلى المركز الثالث خلف كل من الدوري الإنجليزي والألماني.

يبدو أن المد الصيني لن يتوقف قريبًا، حيث أن الإرادة السياسية، والشغف والقدرة على التنفيذ موجودون وهو ما قد يؤدي إلى تآكل السوق الأوروبي الكروي.