محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2019/03/13
الكاتب
جريج رايت

أمست هدنة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في حال يُرثى لها. فقد أعلنت الصين في 13 مايو/آيار أنها ستفرض تعريفات جمركية جديدة على واردات أمريكية، ردًا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع الرسوم الجمركية الخاصة بواردات صينية بقيمة 200 مليار دولار.

وربما يبقى التفاوض بين البلدين جاريًا، لكن الحرب التجارية التي أشعلها ترامب في يناير/كانون الثاني 2018 عادت تُضطرم من جديد، حاملة وعيدًا بمزيد من الخسائر للشركات والمستهلكين في كلا البلدين معًا.

وكاقتصادي متخصص بالتجارة الدولية، أعتقد أن ثمة أسبابًا ثلاثة ستحول دون أن تضع هذه الحرب أوزارها لأمد طويل.


أصول اللعبة

تنبئ الدلائل كلها بأن المفاوضين لم يحققوا تقدمًا كبيرًا على طريق تسوية المسائل الخلافية الرئيسية بين الصين والولايات المتحدة.

ومن بين المسائل الأكثر إلحاحًا، ثمة ملامح بنيوية عميقة في اقتصاد الصين، ليس لدى الأخيرة الحافز –أو القدرة في بعض الحالات– لتغييرها. وباختصار، تعتقد الولايات المتحدة أن الحكومة الصينية تتدخل بشكل زائد عن اللزوم ولا تتدخل بشكل كاف – في آن معًا– في اشتغال اقتصاد بلادها.

والمسألة الأكثر خلافية والأقدم عهدًا هي أن الاقتصاد الصيني يدين بالفضل في تطوره السريع خلال العقود الأخيرة للدعم الحكومي لشركات وصناعات بعينها، وتريد الولايات المتحدة أن تفصح الصين بشفافية عن حجم هذا الدعم، وأن تخفضه.

في الوقت عينه، لا تقوم الحكومة الصينية بما يكفي لحماية الملكية الفكرية الأجنبية على أراضيها. ولم تزل جهود فرض حقوق التأليف والنشر دون المطلوب، والشركات الأمريكية مجبرة على نقل التكنولوجيا لنظائرها الصينية، كشرط لدخول السوق الصينية، وهذا يكلف الشركات الأمريكية خسائر بمئات المليارات من الدولارات سنويًا.

ولا تبدو الصين عازمة على قطع الدعم الحكومي للصناعة، أو التشدد في تطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية في المدى المنظور، ويمكن تبرير ذلك جزئيًا بأن الاقتصاد الصيني ينمو الآن بوتيرة أبطأ من أي وقت مضى خلال العقدين الأخيرين، وأي تغيير كبير في السياسة ينطوي على مخاطرة غير مأمونة.

ولربما اقتنعت الصين بالتحول عن هذا النموذج الاقتصادي على المدى الطويل، إذا ما قُدمت لها الحوافز المناسبة، لكن يبقى أمامنا أن نعرف ما إذا كان لدى إدارة ترامب ما يكفي من الصبر لإبداء المرونة فيما يتعلق بالأهداف قصيرة المدى، في سبيل خلق ميدان للمنافسة الاقتصادية أكثر اعتدالًا وتوازنًا.


العصا والجزرة

لطالما اعتمد المفاوض الأمريكي على العصا أكثر من الجزرة؛ فحتى قبل الحرب التجارية، حُمّلت الشركات الصينية تعريفات جمركية باهظة عند التصدير إلى الولايات المتحدة، وبعض هذه التعريفات يعود تاريخ فرضه إلى ما قبل انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2000، ولا يبدو أن هناك نية لدى الولايات المتحدة لإلغائها، بغض النظر عما ستسفر عنه المفاوضات.

ويُسوَغ كثير من هذه التعريفات الجمركية باعتبارها «رسوم إغراق»، تُفرض حين يُباع منتج أجنبي في الولايات المتحدة بأسعار مخفضة عمدًا لمنافسة البدائل الأمريكية، وتبلغ قيمة هذه الرسوم ضعف قيمة التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب حتى الآن في غمار الحرب التجارية.

وتفعل الصين كل ما بوسعها كي لا يبدو عليها الألم جراء الضغوط الأمريكية، حتى بينما تتحمل تكلفة تعريفات باهظة وغير قابلة للتفاوض، ولذا فما لم تقرر الولايات المتحدة تقديم جزرة من نوع ما للصين، مثل تخفيض هذه الرسوم الضخمة، لا شك أن المباحثات ستطول ولن تُحقق الكثير.


ضغوط أكثر ومكاسب أقل

رتبت الحرب التجارية أكلافًا ثقيلة على طرفيها حتى الآن، بيد أنها مرشحة للتردي لما هو أسوأ، وهذا بحد ذاته يضع عراقيل أكثر تعقيدًا في طريق التسوية.

ربما لم يشعر المستهلكون حتى الآن بأثر التعريفات الجمركية، لأنها موزعة على آلاف المنتجات، وفي بعض الحالات قبلت بها الشركات الأمريكية راضية لأسباب تتعلق بالمنافسة، لكن مع ذلك وجب القول، إنها تكلف كل أمريكي نحو 11 دولارًا شهريًا، وفقًا لدراسة حديثة شارك في إعدادها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وجامعتا كولومبيا وبرينستون، وهو ليس مبلغًا تافهًا على كل حال.

وفي الحقيقة، قدمت إدارة ترامب – من حيث لم تقصد- حالة اختبار نموذجية لحساب مثل هذه التكاليف، حين فرضت تعريفات على غسالات مستوردة في يناير/كانون الثاني، وتبين لاحقًا أن هذا القرار ساهم في خلق 1800 وظيفة في الولايات المتحدة، وكان هذا بالتحديد الهدف المرجو من القرار.

لكن على الجانب الآخر، رتب ارتفاع أسعار الغسالات – ومعها أجهزة التجفيف بالصدفة– تكلفة على المستهلكين الأمريكيين تُقدر بمليار ونصف المليار دولار، وهذا يعني أن كل وظيفة وفرها هذا القرار تكلفت 815 ألف دولار، ويمكن القول بثقة إنها طريقة باهظة الثمن وغير فعالة لمكافحة البطالة.

وبينما لم يشعر المستهلكون بأثر التعريفات السابقة، فالأرجح أنهم سيشعرون بوطأة التعريفات التي فرضها ترامب في 10 مايو/آيار، متوعدًا بفرض تعريفة على كل منتج صيني وارد خلال الأشهر المقبلة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق ما، وهذا بدوره سيُفقد معدل نمو الاقتصاد الأمريكي نصف نقطة مئوية عام 2020، وسيقضي على 300 ألف وظيفة، بحسب شركة «أوكسفورد إيكونوميكس».

ومع تراكم التعريفات ومضي الوقت، تغدو الحاجة أكثر إلحاحًا إلى تنازلات أكبر من جانب الصين لتبرير هذه السياسة المكلفة، وتغدو احتمالات تقديم الصين هذه التنازلات أقل. ولعل ذلك سبب رئيسي لإجماع الاقتصاديين على أن الحروب التجارية «لا يسهل الفوز بها»، كما قال ترامب بنفسه.