محتوى مترجم
المصدر
The Guardian
التاريخ
2011/03/29
الكاتب
Kristin Aune

النسوية، كما يقول المُبشّر والمذيع الجمهوري بات روبرتسون عام 1992، «هي حركة سياسية اشتراكية، تعادي الأسرة، تشجع النساء على ترك أزواجهن، إجهاض أطفالهن، ممارسة السحر، تدمير الرأسمالية، وأن يصبحن مِثليّات». جاء ردّ النسويات حاسمًا ومتهكِّمًا عبر شعار وجد طريقه إلى التي شيرتات، على الثلاجات، على مصدَّات السيارات، قائلًا: «آسفة، لقد أضعت الكنيسة بينما كنت مشغولة بممارسة السحر والتحوُّل إلى امرأة مثلية جنسيًا».

حين يتعلق الأمر بالدين، ربما كان روبرتسون على حق، ربما تقود النسوية النساء لرفض الدين التقليدي فعلًا.

حين يتعلق الأمر بالدين، ربما كان روبرتسون على حق، ربما تقود النسوية النساء لرفض الدين التقليدي فعلًا.

لذلك، فمن أجل كتابنا حول انبعاث النسوية في القرن الحادي والعشرين في بريطانيا: «استرداد عالم نون النسوة: الحركة النسوية الجديدة»، أجرت كاثرين ريدفرن وأنا معها استطلاعًا شمل تقريبًا 1300 نسوية. لقد أردنا معرفة من هن النسويات الجدد، ما أوجه ارتباطهن بالحركة النسوية، ما هي قضايا الجنس التي تشغلهن، وما إلى ذلك.

كان أحد الأسئلة التي طرحناها هو: «من فضلك صف لنا رؤيتك الدينية/الروحية (شمل ذلك اللادينيين/الملحدين/اللاأدريين)»؛ (الأمر يستحق الذكر حيث أن الصيغة التي يتم بها طرح السؤال تؤثر على النتيجة، كما أن المناقشات حول مسألة الدين تكشف الكثير). وقد أظهرت النتائج، مقارنة بتعداد الإناث بشكل عام، أن احتمال تدين النسويات احتمال ضعيف، ومع ذلك فإن عددًا قليلًا منهن مهتم بأنواع بديلة من الروحانيات غير المؤسسية.

عند طرح نفس السؤال: «ما هو دينك؟» عام 2001 على شريحة من النسويات، كان ثلاث من كل أربع نساء ينتمين لدين عالمي رسمي. في استطلاع أصغر منه أجرته مؤسسة «بريتش سوشل أتيتيودز British Social Attitudes» عام 2007 (والذي طُرح فيه السؤال بشكل أكثر صراحة)، قالت 60% من النساء أنهن يتعبرن أنفسهن منتميات لدين ما.

لكن في الاستطلاع الذي أجريناه، فإن واحدة مِن كل عشر نساء فقط عَرَّفت نفسها بأنها تنتمي لدين ما عالمي (غالبًا كان المسيحية). فيما عرَّفن أكثر من نصف من شملهن المسح أنفسهن بأنهن ملحدات أو لادينيات. بينما كانت واحدة من كل ست نسويات لاأدرية. اعتبرت أيضًا واحدة من كل 12 نسوية نفسها ذات قناعات روحية، لكن ليس تلك القناعات التقليدية، وقد جاوبت الباقيات إجابات على نفس المنوال (فمثلًا: كان هناك ملحدتان وثنيتان، إحداهما مسيحية في الأصل والأخرى بوذية).

فالنسوية على ما يبدو توحي للنساء برفض الدين.

وقد كان روبرتسون قلقًا بشأن أن الحركة النسوية تتحدى القيم المسيحية التقليدية – على الأقل، تلك القيم التي اعتبرها مسيحية. وقد استنتج العديد من الليبراليين والنسويات، القلقين إزاء صعود الأصولية الدينية وتآكل حقوق المرأة، أن النسوية والدين ليس بينهما العديد من القواسم المشتركة. كما يوضح كاث إليوت:

وبعيدًا عن الجدل الدائر حول ما إذا كان الدين يقمع فعلا النساء (فقد فندت كريستينا أودن -كاتبة إنجليزية كاثوليكية متدينة- ادِّعاءات أوفيليا بنسون وجيرمي ستانجروم الأخيرة بشأن هذا -أصدرا عام 2009 كتابًا بعنوان: هل الإله يكره النساء؟-)، لكن من المهم أن نسأل لماذا تفكر النسويات على هذا النحو. هل قمن فعلا بفحص عقلاني لهذه الادعاءات في مختلف الأديان ووجدن أنها أديان ناقصة؟.

مما لا شك فيه، أن بعضهن قد فعلن هذا، لكن هناك تفسيرات أخرى تعلل كراهية النسويات للدين.

السبب الأول هو العلمانية – بعبارة أخرى، لقد أصبح التراجع الديني واضحًا في كل أنحاء أوروبا، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين. فمعدلات تأثير الكنيسة في تراجع، والشباب الصغار (الذين يشكلون معظم من جرى عليهم الاستطلاع) احتمال تدينهم ضعيف لأن عددًا قليلًا جدًا منهم رُبي على التعاليم الدينية. أضف هذا إلى الطبيعة الجندرية للعلمانية –فإن العلمانية تُجنّب الدين إلى المجال الخاص والعائلي، وتسحق الدين تمامًا من الحياة العامة– لذلك فإن سبب أن النسويات أقل تدينًا من غيرهن يصبح أكثر وضوحًا.

ليس هناك «توافق طبيعي» بين حياة النسويات العامة النشطة والدين التقليدي.

لقد تحدت النسويات الخطاب المسيحي التقليدي الذي ربط الأنثوية بخدمة الأسرة والكنيسة، فدافعت النسويات عن حق المرأة في العمل براتب مناسب في المجالات العامة. جادلت النسويات أن الزواج ليس الغاية والهدف من حياة المرأة، بل لها الحق في اختيار ما إذا كانت تريد أطفالًا ومتى تريدهم. بعبارة أخرى، النسويات لسن من أولئك النسوة اللاتي تُعدهن المؤسسة الدينية التقليدية للعمل بشكل أساسي في المجال الخاص: كنساء متزوجات غير ملتزمات بوظائف ذات دوام كامل. فليس هناك «توافق طبيعي» بين حياة النسويات العامة النشطة والدين التقليدي.

أمرٌ آخر، هو أنّ نسبة النسويات اللاتي لا يمِلن للذكور مرتفعة، حوالي 40%. ونظرًا لميل العديد من المؤسسات الدينية لشجب المثلية الجنسية، فإن أولئك النسويات المثليات أو المخنثات لن يشعرن بالراحة مع تلك المؤسسات غالبًا.

ثانيًا، لطالما كانت المفكرات النسويات البارزات غالبًا علمانيات. فكما يجادل الفيلسوف روزي بريدوت، فإن النسويات الأوروبيات هن ورثة العقلانية التنويرية النقدية التي توجَّهت بالنقد للدين، حتى أن النسوية الاشتراكية (بنبذها للدين) هي واحدة من الفروع الرئيسية للنسوية البريطانية التي كانت موجودة من أواخر الستينات وحتى السبعينات.

النسويات الأوروبيات هن ورثة العقلانية التنويرية النقدية التي توجَّهت بالنقد للدين.

حتى اليوم، تميل الأكاديميات النسويات للتغاضي عن عامل الدين باعتباره غير مهم ولا يستحق الدراسة. ومن المرجح أن تلك العلمانية هي ما أثرت على النسوية اليوم، وربما دون أن تلاحظ النسوية هذا. (وسواء كان لتلك العلمانية شيء ما تقدمه لملايين النسوة اللائي كُنَّ متدينات عبر التنشئة الاجتماعية أو الاختيار الحر، فتلك مسألة غيبية أثارها نُقاد ما بعد الاستعمار [ما بعد الكولونيالية اتجاه أكاديمي برز فيه إدوارد سعيد وطلال أسد وآخرون]).

ثالثًا، يظهر اهتمام النسويات بالدين في هيئة انجذاب لمصادر بديلة للروحانية مثل اليوجا، الريكي/ العلاج بالطاقة أو الزِن للتأمل عبر الديانات الوثنية مثل الويكا. تُظهر تلك الأشكال من الروحانية على أنها تساوي بين الجنسين، ربما لهذا السبب تميل لها النسويات. وعلى النقيض من النظرة التي ترى أن الأديان التقليدية تقلل من جسد المرأة، خلق ممارسو تلك الأشكال من الطاقة الروحية صورة إلهية عن المرأة، حيث ينظرون لطقوس الحمل والولادة نظرة إيجابية، حتى أنهم منحوا المرأة مناصب في السلطة الروحية.

في الحقيقة، فإن ما يعوزنا معرفته أكبر بكثير من أن تخبرنا به دراسة حول كيفية تشكل المواقف الدينية لنحكم هل تلك الفرضيات على صواب أم لا.

في القرن الحادي والعشرين، أصبح الدين مرئيًا مرة أخرى. وفي كل دول العالم، فإن نهج الدولة نحو الديني والعلماني ينعكس على رفاهية المرأة، لذلك فمن المهم أن تنظر النسويات بعناية نحو نهجهن الديني، من أجل غيرهن من النساء، إن لم يكن من أجل بلادهن.