مقر الديمقراطية الأول في أمريكا يُحاصر من متظاهرين غاضبين، يقتحمونه ويعبثون بمحتواه ويسرقون مقتنياته. قد يبدو هذا المشهد منطقيًا نوعًا ما في دولة حديثة العهد بالديمقراطية وبعمليات الاقتراع الانتخابي التنافسية، لكن في أمريكا؛ دولة الانتخابات الأولى في العالم فنحن أمام حدث فريد من نوعه.

وصف البعض هذا المشهد النادر على السياسة الأمريكية بأنه الأول من نوعه في العملية الديمقراطية في بلاد العم سام، وهو القول الذي تنقصه كثير من الدِقة، فعلى الرغم من ترسّخ هذه الاستحقاقات التصويتية الحرّة وما ينتج عنها من مجالس نيابية تلعب دورًا مؤثرًا في عملية اتّخاذ القرار، فإن سقف الكونجرس الأمريكي شهد العديد من المعارك طوال تاريخه، بعضها اقتصر على عراك بالأيدي بين فردين وأخرى دمّرت مبنى الكابيتول بأسره، لكنها جميعًا لعبت دورًا حاسمًا في صياغة تاريخ الولايات المتحدة، وربما تاريخنا الوطني بشكلٍ غير مباشر.

معركة السيوف الخشبية

في 15 فبراير من عام 1798م، هاجم «روجر جريسوولد»، ممثل مجلس النواب الأمريكي عن ولاية كونيتيكت، ماثيو ليون، النائب الجمهوري من ولاية فيرمونت، في مجلس النواب، الذي كان يقع وقتها في قاعة الكونجرس بفيلادلفيا؛ حيث صعد جريسوولد إلى مكتب ليون، وضربه على رأسه وكتفيه بعصا خشبية (عكّاز)؛ الأمر الذي جعل ليون- ردًا على ما فعله جريسوولد- يلتقط زوجًا من «ملقط النار الخاص بالمدفأة» ليضرب «جريسوولد» بها؛ ما أدى إلى اندلاع مشاجرة بينهما، انتهت عندما أسرع أعضاء الكونجرس للفضِّ بين الاثنين.

بدأت حدة الخلاف قبل ذلك بـ15 يومًا، خلال نقاش في الكونجرس، عندما أعلن ليون- الجمهوري- نفسه بطلًا لكل مواطن، واتّهم جريسوولد ورفاقه، بالسعي لتحقيق الربح على حساب تجاهل احتياجات ناخبيهم؛ الأمر الذي دفع جريسوولد للرد على ليون بسخرية؛ سائلاً إياه عمّا إذا كان (ليون) سيقاتل من أجل ناخبيه بـ«سيفه الخشبي» (في إشارة ساخرة إلى سجل خدمة ليون خلال الثورة الأمريكية وتسريحه المُخزي من الجيش القاري خلال الثورة)، واصفًا إياه بـ«الجبان»؛ ما أثار ذلك غضب ليون الذي بصق في وجه جريسوولد.

وكان ليون قد انضمَّ إلى الجيش القاري (الذي تشكل بعد اندلاع الثورة الأمريكية) في عام 1776م، ونال تسريحًا غير شريف بعد نزاع في معركة على الحدود الشمالية، ومع ذلك استمر ليون ككشاف عسكري حتى استقال من الجيش في عام 1778م.

سعى الفيدراليون لطرد ليون- المناهض للفيدرالية بشدة- من مجلس النواب، وقضوا أسبوعين في مناقشة هذه القضية. وعند جمع الأصوات على أسس حزبية في 14 فبراير من نفس العام، فشل الفيدراليون في الحصول على أغلبية الثلثين التي يحتاجونها لتمرير القرار. وفي اليوم التالي، دافع جريسوولد عن شرفه باستخدام عصاه.

وزاد من اشتعال الحادث بين كلا النائبين دعم جريسوولد المستميت للدبلوماسية المتشددة لإدارة «جون آدامز John Adams» (الرئيس الثاني للولايات المتحدة) تجاه فرنسا، والتجهيزات العسكرية التي أمر باتخاذها حال وقوع هجمات عدائية مع فرنسا، في الوقت الذي عارض فيه ليون هذه الاستعدادات الحربية معتبرًا أنها ليست في مصلحة أمريكا لأنها ستؤدي في النهاية إلى «حربٍ شاملة».

رسمة كارتون هزلية تسخر من المعركة البرلمانية

سخرت الصحافة من ذلك الصراع الذي حدث، ولفتت الرسوم الكاريكاتورية التي ناقشت هذا الشجار انتباه الرأي العام إلى «انقسام الكونجرس على أسس حزبية» لأول مرة.

أبرزت تلك الواقعة مدى احتدام الخلافات السياسية في مجلس النواب، في الوقت الذي لم تكن الأحزاب السياسية الرسمية قد تشكلت بعد وقتها، وهو ما كان بداية لصعود الفصائل السياسية في الكونجرس الأمريكي.

البريطانيون يُدمِّرون مبنى الكابيتول

في أغسطس من عام 1814، احتلت القوات البريطانية بقيادة الجنرال «روبرت روس Robert Ross»، واشنطن، لمدة يومين، وشرعت في تدمير المباني العامة في المدينة، بما في ذلك مبنى الكابيتول، ليكون هذا الخراب واحدًا من أقسى نتائج الحرب التي اندلعت بين البلدين عام 1812م، بسبب النزاع على الحقوق البحرية بينهما، ومن حينها لم تتوقف المناوشات العسكرية بينهما.

في صيف عام 1814،شعر فيها البريطانيون بتفوقهم بحريًا، فأرادوا استغلال ذلك لإحداث تأثير مدمر في «خليج تشيسابيك Chesapeake Bay» (يقع قبالة الأراضي الأمريكية)، وداهموا مزارع التبغ، وشجعوا السكان على الانضمام إلى صفوفهم؛ ما زاد من خوف الأمريكيين من ظهور «انتفاضة عبيد» محتملة.

وفي أغسطس من العام نفسه، أبحرت قوة بحرية بريطانية بقيادة نائب الأدميرال السير «ألكسندر كوكبيرن Alexander Cockburn» عبر «نهر باتوكسينت The Patuxent River» في شمال خليج تشيسابيك، ونزل 4500 رجل بالقرب من قرية بنديكت في ماريلاند.

لم يتضح في البداية للأمريكيين أين يعتزم البريطانيون شن الهجوم، وكانت واشنطن على بُعد 30 ميلًا فقط منهم، لكنها لم تكن ذات أهمية استراتيجية وقتها، ولم يتم تجهيز الدفاعات اللازمة لحمايتها كما يجب. حاولت القوات الأمريكية وقف تقدم البريطانيين في بلادينسبورج (بلدة تقع في ولاية ماريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية وتبعد ستة أميال شمال شرقي مبنى الكابيتول)، واشتبكا معًا، لكن فرَّ كثيرٌ من رجال الميليشيات الأمريكية من ميدان المعركة.

وعندما تقدمت القوات البريطانية إلى ساحة الكابيتول، لم يُواجهوا صعوبة تُذكر إلا من بعض القناصة تم تصفيتهم سريعًا واستحوذ الإنجليز على مبنى الكابيتول والذي قرّروا حرقه تأديبًا للأمريكان.

واجه البريطانيون صعوبة في حرق المبنى نفسه؛ حيث كان السقف من الحديد والأرضيات والجدران من الحجر، فشرعت القوات البريطانية في تجميع الأثاث والكتب والأوراق الموجودة داخل المبنى، وأشعلت النيران فيها، وتم تدمير معظم الأجزاء الداخلية بالكامل للمبنى، وانهار السقف، وأنارت ألسنة اللهب سماء المدينة طوال الليل، لدرجة أن دبلوماسيًا فرنسيًا كان يقيم في الولايات المتحدة- آنذاك- هو «لويس سيرورييه Louis Sérurier» قال: «لم أرَ أبدًا مشهدًا أكثر رعبًا من ذلك».

وصف تخيلي لحريق الكونجرس نشرته صحيفة أمريكية

وبعد يومين، انسحبت القوات البريطانية، لكن أدى ما حدث إلى نتائج عكسية على البريطانيين؛ لأنه خلق كثيرًا من التعاطف مع القضية الأمريكية في أوروبا. ونجا مبنى الكابيتول، الذي كان تصميمه مرنًا للغاية، وظل الهيكل سليمًا، وبعد خمس سنوات فقط من إعادة الإعمار، تمكن الكونجرس مرة أخرى من عقد اجتماعاته هناك.

معركة على العبودية

في 22 مايو 1856، أصبح الكونجرس منطقة قتالية مُجددًا، بعد ما دخل أحد أعضاء مجلس النواب إلى غرفة مجلس الشيوخ، وضرب عضوًا في مجلس الشيوخ بوحشية حتى أفقده الوعي.

قبل ثلاثة أيام من هذا الصدام، خاطب السيناتور «تشارلز سومنر Charles Sumner»، الجمهوري المناهض للعبودية عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، مجلس الشيوخ، بشأن تصنيف كنساس في الاتحاد كدولة عبودية أو دولة حرة.

ألقى سومنر» خطابًا طويلاً لمدة 5 ساعات من 112 صفحة مكتوبة بخط اليد أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، عُرف بِاسم «الجريمة ضد كنساس»، حمل كلمات نارية تحدثت نيابة عن «العبيد المحرومين»، ما جعله واحدًا من أكثر الخطب إثارة وخطورة في التاريخ الأمريكي.

كان هدف سومنر من الخطاب هو قانون «كانساس- نبراسكا»، الذي أعطى مواطني الأقاليم المنشأة حديثًا «سيادة شعبية»، والحق في التصويت لصالح أو ضد العبودية، وخلال حديثه بالغ الطول استهدف تشارلز زميله «أندرو بتلر Andrew Butler»، واعتبره مؤيدًا متعصبًا للعبودية.

يقول «مانيشا سينها Manisha Sinha»، مؤلف كتاب «قضية العبد: تاريخ الإلغاء The Slave’s Cause: A History of Abolition»، وأستاذ التاريخ في جامعة كونيتيكت: «أعلن الجنوبيون أن دُعاة إلغاء العبودية، أوغاد ومجرمون. كانت هناك قوانين في الولايات الجنوبية تقول إنه من الممكن أن تسجن لتحدثك علانية ضد العبودية؛ لذا فإن شخصًا مثل (سومنر) عندما يتحدث في الكونجرس سيثير الكثير من الغضب».

وبعد يومين، ردَّ النائب «بريستون بروكس Preston Brooks»، عن ساوث كارولينا، من أقارب «بتلر» دفاعًا عن عمه وشرف ولايته؛ حيث هاجم «سومنر» في مكتبه بمجلس الشيوخ، مستخدمًا عصا خشبية برأس ذهبية، راح يضربه بها حتى انكسرت عصاه.

 

فرضت محكمة محلية على «بروكس» غرامة قدرها 300 دولار، دفعها أنصاره في الجنوب. وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء مجلس النواب طالبوا بطرد «بروكس»، فإنهم لم يتمكنوا من الحصول على أصوات كافية لذلك، لكنه بعدها آثر الاستقالة احتجاجًا على مطالب طرده، وقال في خطاب استقالة غير اعتذاري: «إذا كنت أرغب في قتل السيناتور، فلماذا لم أفعل ذلك؟ تعرفون جميعًا بأنه كان في قبضة يدي. ومن أجل تجنب إزهاق الأرواح، استخدمتُ عصا عادية»!

في النهاية اتّضح أن الهدف من هذا الهجوم لم يكن القتل فعلاً وإنما نقل رسالة؛ بعدما اكتشف المحققون أن بروكس اختار أن يضرب سومنر بسلاح ذي مغزى، وهو عصا تُستخدم لمعاقبة العبيد.

وعلى الرغم من أن رد فعل الكونجرس كان ضعيفًا نسبيًا على ذلك الحادث، فإن تأثيره على الدولة ككل كان كبيرًا؛ حيث أثنت الصحف الجنوبية وأصحاب المزارع على «بروكس»، بينما أشاد الشماليون بـ«سومنر».

وأثار الهجوم مئات من «لقاءات الغضب» عبر الشمال. وأعطت تلك الاجتماعات، المواطنين، طريقة رسمية وغير حزبية للتعبير عن ردود أفعالهم. ونظرًا لفعالية تلك التجمعات في جذب الرأي العام، مال الحزب الجمهوري الناشئ إلى تنظيم تجمعاته الخاصة بنفس طريقة «اجتماعات الغضب».

وكتب المؤرخ «مايكل وودز Michael Woods»، في «صحيفة التاريخ الاجتماعي Journal of Social History»: على الرغم من أن الناخبين الشماليين لم يحققوا أبدًا إجماعًا تامًا، إلا أن اجتماعات الغضب شجعت الوحدة السياسية في جميع أنحاء الولايات الحرة، ما أشار إلى أن (الشمال) ظهر ككيان سياسي قوي.

كما كان للهجوم تداعيات سياسية، إضافة إلى أخرى شخصية؛ ففي مايو 1858 اختار أهالي ماساتشوستس «سومنر» للاحتفاظ بمقعده في مجلس الشيوخ، حيث استمرت هجماته الشرسة على خصومه.

وعندما اندلعت الحرب، أخيرًا، بين الشمال والجنوب، وعلى إثرها استقال الجنوبيون من مجلس الشيوخ، أصبح «سومنر» رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية، وضغط على «لينكولن Lincoln» من أجل تحرير العبيد؛ كوسيلة لمنع بريطانيا من الاعتراف بالكونفدرالية وتزويدها بالدعم المالي، كما صرح علنًا بأن الهدف الأساسي للحرب هو «إلغاء العبودية» وهو ما تم في نهاية الأمر.

شجار صنع التاريخ

اندلع شجار بين النائب الديمقراطي عن ولاية كارولينا الجنوبية، «لورانس كيت Laurence Keitt»، والنائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا، «جالوشا جرو Galusha Grow»، عندما كان الأعضاء يناقشون «دستور ليكومبتون Lecompton Constitution» المؤيد للعبودية في ولاية كنساس الأمريكية.

بدأ الأمر بين النائبين عندما اعترض جرو على طلب مقدم من النواب الديمقراطيين في مجلس النواب حول الدستور، دخل النائبان في مشادة كلامية تبادلا خلالها الشتائم والإهانات، ثم تطورت بعد ذلك إلى «توجيه الضربات» لبعضهما.

رسم تخيلي للمعركة نشرته صحيفة أمريكية

وذكرت صحيفة «الكونجرس جلوب the Congressional Globe» (بمثابة السجل الرسمي الذي يحوي إجراءات ومناقشات الكونجرس)، تلك الواقعة، قائلة إنها «لحظة كان مجلس النواب فيها يعيش أكبر حالة من الارتباك»، موضحة أن أكثر من 30 عضوًا شارك في المشاجرة؛ حيث انضم الجمهوريون الشماليون، وأعضاء «الحزب الحر Free Soilers»- حزب سياسي مناهض للعبودية- إلى الصفوف ضد الديمقراطيين الجنوبيين.

تلك المشاجرة أوضحت وجود انقسامات بين الأمة الأمريكية بشأن تأييد أو رفض العبودية ما أدّى إلى تغيير مسار تاريخ كنساس.

أسرع رئيس مجلس النواب- آنذاك- «جيمس أور James Orr»، وهو ديمقراطي من ولاية كارولينا الجنوبية، لضرب مطرقته بغضب، في محاولة منه لفرض النظام، ثم أصدر تعليماته إلى الرقيب «آدم ج. جلوسبرينر Adam J. Glossbrenner» باعتقال الأعضاء غير الممتثلين للنظام.

وعندما استأنف مجلس النواب الانعقاد بعد يومين من الواقعة، منع ائتلاف من الجمهوريين الشماليين وأعضاء «الحزب الحر Free Soilers» إحالة «دستور ليكومبتون Lecompton Constitution» إلى «لجنة الأقاليم بمجلس النواب the House Territories Committee»، وبعدها دخلت كنساس الاتحاد الأمريكي عام 1861 كدولة حرة.

دماء على سلالم الكونجرس

في 28 فبراير من عام 1890، أطلق «تشارلز كينكيد Charles Kincaid»، مراسل إحدى الصحف، النار على عضو الكونجرس السابق «ويليام تولبي William Taulbee» عن ولاية كنتاكي، بسبب خلافات نشأت بينهما بسبب «قصة صحفية».

كان للرجلين تاريخ مضطرب بدأ في عام 1887؛ وقتها كان ويليام تولبي، ديمقراطيًا ذا شعبية وطموحًا. وبدأ نجمه في الصعود، وكان يعاد انتخابه كلما اختار الترشح؛ حتى جاء «كينكيد» بقصة قلبت خطط «تولبي» رأسًا على عقب، بعد ما نشر أخبارًا قال فيها إن عضو الكونجرس ويليام تولبي شارك في أعمال غير أخلاقية، مستفيدًا من منصبه، وكان الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو اكتشافه أن «تولبي» كان على علاقة غير شرعية مع امرأة شابة تعمل في الحكومة الفيدرالية، وبسبب تلك القصة تركته زوجته على الفور.

وشاعت بين الناخبين والصحف وقتها أخبار «الكشف عن خيانة سياسي مهم لزوجته»؛ الأمر الذي دفع «وليام تولبي» إلى عدم الترشح لولاية ثالثة بالمجلس. وبدلاً من ذلك، اتبع ممارسة مألوفة وقتها وهي أنه أصبح عضوًا في جماعة الضغط (اللوبي).

بالطبع لم يغفر «تولبي» لـ«كينكيد»، أنه كان سببًا في فقدان زواجه ومسيرته السياسية، وتحول غضبه ذلك إلى هاجس، وكان عمله عضوًا في «اللوبي» يُبقيه على مقربة من «كينكيد»، الذي كان يغطي أخبار الكونجرس لصالح صحيفة «لويزفيل تايمز Louisville Times»؛ فكان الاثنان دائمًا يتقابلان في مبنى الكابيتول الأمريكي ويتواجهان فيما بينهما. وفي يوم إطلاق النار، اشتبك الاثنان؛ ما دفع عمال المجلس إلى الإسراع لفصل الرجلين، بعدها ذهب «كينكيد» إلى منزله لإحضار مسدسه وأطلق النار على خصمه.

غطت وسائل الإعلام ذلك «الحدث المروع» على نطاق واسع، وقالت إنه «لأول مرة في التاريخ، يُسمَع صوت طلق نارٍ في مبنى الكابيتول الوطني اليوم، وتتلطّخ درجات السلم الرخامية للمجلس بدماء بشرية».

توفي «تولبي» في النهاية متأثرًا بجراحه في 11 مارس 1890، وبرّأت هيئة المحلفين لاحقًا كينكيد بدعوى «الدفاع عن النفس».

سببت تلك القضية صدمة للرأي العام وأشعلت حملة لإصلاح الكونجرس، وعنها، يقول «جوليان زيليزر Julian Zelizer»، مؤرخ بجامعة بوسطن: «أصبح القلق بشأن الفساد، والقلق من اللباقة والتعامل داخل الكابيتول، من الأمور التي بدأ الرأي العام في التفكير فيها فجأة».

في النهاية، عاد كينكيد إلى كنتاكي، وحصل على الثناء لتميزه كمراسل، وشغل منصبًا في حكومة الولاية، وخدم في السلك الدبلوماسي.

المزارعون يقتحمون قاعة التصويت

في 1 مارس عام 1954، بينما كان أعضاء مجلس النواب يجتمعون في قاعة المجلس؛ للتصويت على إجراء لإعادة تفويض برنامج يسمح لعمال المزارع المكسيكيين المهاجرين بالعمل في البلاد، دخل 3 رجال وامرأة واحدة مُسلحين إلى صالة المعرض، الموجودة فوق القاعة، وجلسوا في المقاعد بهدوء، وكان الأربعة ينتمون إلى الحزب القومي البورتوريكي، وسافروا قبل ساعات فقط من مدينة نيويورك إلى واشنطن العاصمة.

في ذلك الوقت، كان لدى الكابيتول القليل من البروتوكولات الأمنية التي لم تتضمن وجود أجهزة للكشف عن المعادن مثلما نرى الآن، وهو ما سهّل دخول القوميين البورتوريكيين الأربعة إلى المعرض مسلحين بمسدسات. وفي نحو الساعة 2:30 مساءً، أطلقوا النار بشكل عشوائي داخل المبنى، ورفعوا علم بورتوريكو، كهجوم احتجاجي عنيف يهدف إلى لفت الانتباه إلى مطلبهم الفوري باستقلال بورتوريكو.

 

وكانت الولايات المتحدة قد ضمت بورتوريكو في عام 1898، وهو ما تسبّب في خلافٍ طويلٍ مع الحكومة الفيدرالية لفترة طويلة؛ بعدما دافع آخرون- مثل هؤلاء الأربعة في مجلس النواب في ذلك اليوم- من أجل أن تكون «بورتوريكو مستقلة».

جُرح في الحادث 5 نواب نجوا جميعًا على الرغم من إصابة واحدٍ منهم بشكلٍ خطير، وضُبط الأربعة أعضاء من الحزب القومي البورتوريكي، وقضوا 25 عامًا في السجن، وفي عام 1979م أطلق سراحهم الرئيس «جيمي كارتر Jimmy Carter».

 

بسبب ذلك الهجوم، فكّر مجلس النواب في تعزيز التشديدات الأمنية الموجودة لديه، ووُضع زجاج مضاد للرصاص حول رواق معرض الزوار المُطلُّ على غرفة مجلس النواب.