كان ويليام هارفي (1 أبريل/ نيسان 1578 – 3 يونيو/ حزيران 1657) طبيبًا إنجليزيًا، وصاحب مساهمات مهمة في مجالي التشريح وعلم وظائف الأعضاء. كان أول من وصف الدورة الدموية الكبرى بالكامل وبالتفصيل، موضحًا خصائص الدم المدفوع بواسطة القلب إلى المخ والجسم، وهو ما قدم عنه كتاب سابقون كـ«جاك دوبوا» نظريات مبدئية. وبعد موته، شيدت مستشفى باسمه في مدينة أشفورد الصغيرة على بعد عدة أميال من مسقط رأسه فولكستون.


اسرته

والده «توماس هارفي» موظفا بمكتب عمدة فولكستون عام 1600. السجلات والأوصاف الشخصية تظهره كرجل هادئ عموما، مجتهدا وذكيا. أولاده قدسوه واستشاروه ووثقوا به، حيث عينوه أمينًا على ثرواتهم وعقاراتهم حين حصلوا عليها. ومن جانبه هو فقد حافظ ووظف ونمى مكاسبهم إلى أقصى حد. صورته يمكن رؤيتها على وسط حائط بغرفة الطعام في رولز بارك بتشيجويل في إيسيكس.


بداية حياته وجامعة بادوفا

تلقى تعليمه المبدئي في فولكستون حيث تعلم اللاتينية، ثم التحق بمدرسة الملك في كانتيربيري، حيث ظل يدرس هناك لمدة خمس سنوات، بعدها التحق بجامعة جونفيل وكايوس بكامبريدج عام 1593. تخرج هارفي حاصلًا على بكالوريوس الأداب من كايوس عام 1597. ثم طاف ببلدان فرنسا وألمانيا وأخيرا إيطاليا، حيث إلتحق بجامعة بادوفا عام 1599. خلال سنوات الدراسة هناك، تعرف على فابريسيوس وقرأ له كتاب «عن صمامات الأوردة».

تخرج هارفي كطبيب في سن الـ24 من جامعة بادوفا يوم 25 أبريل/ نيسان 1602. ومما ذكر في التقارير «أنه بذل مجهودًا رائعًا في الامتحانات، وأبدى من المهارة وقوة الذاكرة والعلم ما تخطى بكثير ما توقعه منه ممتحنيه».


عودته

بعد تخرجه من بادوفا، عاد من فوره إلى إنجلترا حيث استقر في لندن، وتزوج من إبنة لانسيلوت براون الذي كان طبيبًا للملكة إليزابيث الأولى. وعند عودة هارفي أصبح طبيبًا للملك جيمس الأول. إنضم إلى الفريق الطبى بمستشفى سانت بارثولوميو، وأصبح باحثًا في التشريح والجراحة. استمر أيضًا في دراسة الأوعية الدموية، وفي عام 1616 أعلن اكتشافه للدورة الدموية داخل الجسم. إلا أن كتابه «تشريح حركة القلب والدم في الحيوان» لم ينشر إلا عام 1628 في فرانكفورت.


أبحاثه واكتشافاته

شرح هارفي كيفية سريان الدم في اتجاه واحد خلال الجسم، وأن تحول الدم الوريدي إلى الدم الشرياني يحدث داخل الرئتين. ولطالما اعتقد جالين أن الكبد هو مركز الدورة الدموية داخل الجسم. ولقد لمح بعض الأطباء إلى رفضهم لهذه الفكرة، لكن هارفي كان أول من أثبت خطئها، ووضع بحثه في وثيقة مكتوبة.

لقد كان هارفي محظوظًا لأنه عاش في هذه الحقبة بالذات. ففي عام 1553، قام طبيب إسباني يدعى ميجيل سيرفيدو «سيرفيتوس» بنشر بحثه «رد المسيحية» والذي عارض فيه أفكار جالين، الذي كان يحظى بدعم الكنيسة الكاثوليكية آنذاك، وحذى حذو هارفي قبل سنوات عديدة. فتم حرقه بتهمة الهرطقة.

وكما فعل سيرفيدو، فعل رجال أمثال ليوناردو وفيساليوس وسيزالبينو، وإقتربوا من إثبات ما تمكن هارفي من إثباته. لكن ما ميز هارفي حقيقةً هو قيامه بالكتابة بعمق ووضوح عن إكتشافاته. ودعم إكتشافاته بشرح تجارب قام بها. وأوضح أن القلب ما هو إلا مضخة تعمل بقوة عضلية.

وكتب هارفي عما لاحظه خلال تجاربه، كانقباض جدران غرف القلب عندما يضخ الدم ثم إنبساطها عندما تمتلئ بالدم. كما لاحظ ووصف ما شاهده عندما انتفخ وريد أسفل مكان ربط فيه. لقد كان بحثه تقدمًا عظيمًا في معرفة الإنسان لجهاز القلب والأوعية الدموية. بلغ هارفي من الشهرة ما جعله طبيبًا للملك تشارلز الأول الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا في أبحاثه على الدورة الدموية.

في عام 1651، تم نشر ثاني أهم أبحاث هارفي ألا وهو «جيل من الحيوانات»، حيث ركز هارفي في هذا البحث على علم الأجنة، وقد استمد أهميته من شرحه لنظرية «التخلق المتوالى»، والتي تنص على أن الكائن الحي لا يخلق كما هو في صورة دقيقة داخل البويضة، لكنه ينمو عن طريق بناء تدريجي لأجزائه. لقد أكد هذا فون باير فيما بعد في القرن التاسع عشر، إلا أن الأخير إمتاز عن هارفي باستخدام المجهر الذي لم يكن قد اخترع بعد.

لكن هارفي أخطأ خطأ واحدًا كبيرًا فيما يتعلق بعملية التخصيب، ألا وهو اعتقاده بخضوعها إلى الغموض وما وراء الطبيعة. فشبه التخصيب بالمغناطيسية المنقولة من قطعة معدن إلى أخرى. لكنه من المؤكد أن استنتاجه هذا كان سيختلف تمامًا لو أنه امتلك مجهرًا.

توصل هارفي إلى اكتشاف طبي عظيم؛ إلا أن الأعظم منه ربما كان اعتقاده في أن التجارب قد تثبت أو تنفي ما نفكر فيه. ولقد أثر عمله في أناس أمثال روبرت بويل، روبرت هوك، وريتشارد لوير. توفي ويليام هارفي عام 1657.