محتوى مترجم
المصدر
إيكونومست
التاريخ
2016/03/12
الكاتب
إيكونومست

عندما ذهبت هند العتيبي إلى محكمة الرياض للأحوال الشخصية لتطلب حكمًا قضائيًا بإلغاء ولاية والدها عليها، بدا على القضاة تعاطفهم معها. فقد اغتصبها والدها وأحدث بجسدها كدمات، حسبما أخبرت العتيبي المحكمة، التي كانت مراهقة عندما حدث ذلك. فرفض السماح لها بالسفر إلى الخارج، حتى لحضور جنازة أمها، وعندما هربت من المنزل، أقنع «الخدمة الاجتماعية» بإعادتها إلى المنزل. وبعد نظر القضية، حكم القضاة العام الماضي بأن يظل والدها، وهو إمام من منطقة نجد، ولي أمرها؛ ولكن له سلطة الموافقة على زواجها فقط.

القضاء السعودي فى طريقه لتحرير المرأة من العبودية

إن أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم، قد يطيح بالصرح القانوني للسيطرة الذكورية، حيث سيجرد «أولياء الأمور» من سلطاتهم المرتبطة بدراسة أو سفر نسائهم، أو فتحهن لحسابات بنكية. يعد الأمر «تحررًا من العبودية»، حسبما وصفته العتيبي.

في السنوات الأخيرة، تحسنت أحوال النساء السعوديات. فقد أصبح عدد متزايد من المولات التجارية، المجتمعات المغلقة، وحتى الشواطئ الخاصة، التي تستبدل فيها النساء البرقع (الإجباري للنساء) بثياب السباحة (البيكيني)، خارج نطاق مراقبة الأعين المتطفلة للشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

أرسلت الحكومة عشرات آلاف النساء إلى خارج المملكة للدراسة في الجامعات الغربية، حيث يمكنهم تجربة حرية الحركة، اختيار الملابس، وقيادة السيارات مثلما يحلو لهن. أما هؤلاء اللاتي بقين داخل المملكة فيمكنهن الاستمرار بالتحديق بالفارق بين عالمهن، والعالم الافتراضي الذي يهرب إليه الكثير من السعوديين لساعات يوميًا.عاد الكثير منهن، متسلحات بدرجات الدكتوراه، ليجتحن سوق الوظائف. ففي عام 2012، أصدرت المحاكم أول ترخيص لمحامية لمزاولة المهنة. وفي ديسمبر الماضي، دافع السيدات لأول مرة عن حق مشاركتهن في انتخاب المجالس المحلية. كما أسست بيان الزهران، وهي محامية مقيمة في جدة، أول شركة محاماة تقودها امرأة، وتخرج كليات القانون بالجامعات النسائية المزيد من المحاميات.

يعمل 18 بالمئة فقط من السعوديات البالغات لسن العمل في مقابل 65 بالمئة من الرجال

ومع ذلك، يظل عددهن ضئيلًا. حيث يعمل 18 بالمئة فقط من السعوديات البالغات لسن العمل (مقابل 65 بالمئة من الرجال)، وهي إحدى أضئل النسب على مستوى العالم. ورغم جميع تلك العناوين الإخبارية، لدى المملكة 67 محامية فقط (من أصل 3400 محامٍ)، و21 مستشارة فقط (من أصل 3150 مستشار).

تقول المحاميات إنه يتعين عليهن التعامل مع القضاة، الذين يأمرونهن بالجلوس عندما يقفن لتمثيل وكلائهن. ولكن بمرور الوقت، يبدو أن الأفعال المحرمة على النساء في العلن آخذة في البلاء. «تصبح المرأة أفضل ممثلة عن غيرها من النساء، لأن النساء يثرثرن أكثر من الرجال، ويفهمن بعضهن بشكل أفضل»، حسبما علق القاضي فيصل عوراني، مباشرة بعد أن حكم على شارب للويسكي بالجلد 80 جلدة. يعارض عوراني تنصيب قاضيات إناث، ويضيف، «لكن بمرور الوقت، قد يتغير أي شيء. ربما سأتغير أنا أيضًا».

يستمر الفصل الكئيب بين الجنسين في المملكة. حيث تبقي البنوك على مداخل منفصلة لكلا الجنسين، يحظر «ستارباكس» جلوس النساء بشرفته المفتوحة ويحدد مطعم الوجبات السريعة، «ماكدونالدز»، صفين مختلفين لكلا الجنسين لطلب الطعام. وفي الرياض وجدة، رغم عدم حدوث ذلك في أماكن أخرى قليلة أكثر تحررًا مثل القطيف، منع الشيوخ – الذين عارضوا دائمًا مشاركة المرأة في الانتخابات – المستشارات الجديدات من الجلوس في قاعات المجالس مع الرجال.ولكن ما يزيد ذعر الشيوخ أن النساء (مغطيات الوجه) يعملن حاليًا صرافات في «أيكيا»، الشركة السويدية المختصة بالأثاث، في جزء أفقر من الرياض، ويقف الرجال والنساء في صفوف مختلطة. وبجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية خارج جدة، يحضر الطلاب الذكور والإناث ذات المحاضرات ويختلطون بحرية. وينشئ المعماريون مباني المكاتب الجديدة مع وجود دورات المياة للذكور والإناث بذات الطابق.

لم تحصل أغلبية السعوديات حتى الآن على الحريات المتعلقة بغطاء الوجه التي حصل عليها نظيراتهن الإيرانيات

لم تحصل أغلبية السعوديات حتى الآن على الحريات المتعلقة بغطاء الوجه التي حصل عليها نظيراتهن الإيرانيات. «سيعترض والداي إن لم أغط وجهي»، وفق ناظرة لمدرسة تعليم أساسي، والتي تتوق بالفعل إلى نزعه عن وجهها. ولكن عددًا متزايدًا من طالبات المدارس الثانوية يرتدين حجابًا للرأس فقط، بغض النظر عن اعتبار الأكبر منهن سنًا ذلك الفعل مخزيًا. وفي جدة، وهي مدينة ساحلية أكثر تحررًا، تصمم الخياطات العباءات بألوان ساطعة، وتدخن النساء الشيشة خارج المنزل.

ولكن ما يثير القلق هو أن إصلاحات الملك عبد الله تبدو معطلة، بل ويتم التراجع عنها تحت حكم خليفته، الملك سلمان. يقول ابنه، محمد، الذي تولى معظم مقاليد الحكم، إنه حريص على زيادة الانتاجية السعودية، وعلى خفض معدلات الولادة، عبر جذب المرأة إلى خارج منزلها ودفعها إلى سوق العمل. ولكن مع ذلك، يبدو أنه قلق بصدد مواجهة المؤسسة الدينية. التي يعتمد عليها حكام آل سعود للإبقاء على شرعيتهم. وقد تم إبعاد الكثير من مصلحي عهد عبد الله؛ وعادت مجموعة من المتشددين. كمل أقيلت الوزيرة الوحيدة، وزيرة التعليم، بعد وصول سلمان إلى العرش.مُنعت النساء الأربعة اللاتي تحدين بشكل علني القانون الذي يمنع النساء من القيادة، الذي لم يتم إصلاحه بعد، من خوض الانتخابات المحلية. ويذكر المتسوقون في جدة أن الشرطة الدينية قد عادت إلى الظهور، وتطالب المتاجر بتعتيم أي لمحة لامرأة غير مغطاة الوجه والرأس على أكياس التعبئة. وتقول مديرة تنفيذية بإحدى الشركات الدولية للخدمات المالية إن الشرطة المتطفلة قد نفذت ثلاث تفتيشات لمكتبها العام الماضي لفحص أي علامات على اختلاط الجنسين. ما يجبرها مجددًا على الدخول من المداخل الجانبية عندما تزور العملاء، بينما يدخل نظرائها الذكور من الأبواب الأمامية، ويتضطرون للسفر إلى الاجتماعات في سيارات منفصلة.داخل البيئة الجديدة الأكثر تشددًا، تتعلق أفضل الآمال بالنسبة للنساء بأن البلاد ربما تعيد اكتشاف تقاليدها. يعجب مسؤول كبير بصورة لمؤسس المملكة، عبد العزيز، أثناء عقده للمحكمة في مكة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، بينما تجلب النساء الراكبات على ظهور الخيل سلعهن إلى السوق.وفي مهرجان جدة السنوي، يعرض المنظمون الأردية الملونة التي اعتادت النساء ارتدائها قبل أن يفرض المتشددون «العباءات» السوداء، التي اعتادت نساء المنطقة الوسطى فقط ارتدائها، على جميع نساء القطر. ولكن الأكثر لفتًا للنظر هو مطلب النبي محمد نفسه بأن يؤدي النساء والرجال الحج إلى مكة سويًا، وأن تدور النساء حول الكعبة، أكثر المواقع الإسلامية قدسية، مع إظهارهن لوجوههن. ربما على الحكام الجدد للمملكة أن يحاطوا علمًا بذلك.