بدأت الحكاية عندما وجد مازن إعلانًا على صفحة بموقع فيسبوك عن تدريب في ريادة الأعمال لطلبة الجامعات، تعلن الصفحة عن برنامج تدريبي تفاعلي داخل جامعته في إجازة نهاية العام يهدف إلى بناء قدرات الطلاب على المفاهيم الأساسية في مجال الابتكار وريادة الأعمال. لم يسمع مازن عن مثل هذه البرامج التدريبية سابقًا، ولم يتطرق لسمعه من قبل مصطلح مثل ريادة الأعمال، فما كان عليه إلا أن قام بالبحث عن موقع هذا البرنامج ليجمع أكبر قدر من المعلومات يساعده على فهم ماهية التدريب وما الذي قد يُستفاد منه.

وجد مازن نفسه في عالم جديد كليًا عن ما يدور داخل جامعته، تدريب يفتح له الطريق تجاه مجتمع من المفكرين، والمبدعين، وذوي الخبرة في مجالات عديدة، وكذلك أصحاب شركات ناشئة. قرر مازن أن يخوض التجربة ويشارك بالتدريب؛ إذ ربما تتواجد هناك فرص جديدة خلف أبواب هذا البرنامج تحسن من فرص عمله بالمستقبل.

انتعش مازن بعد التدريب لما وجد فيه من اكتساب معرفة ومهارات جديدة، وكذلك القدرة على التفكير والإبداع مما يجعله يعجب كثيرًا بمجال ريادة الأعمال. استمر في البحث عن الفرص المتوفرة بهذا المجال الجديد له، فوجد خبرًا عن تقرير من كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة يتحدث عن ارتفاع شعبية هذا المجال عند المصريين، وأن هناك 73% من المصريين يجدون في هذا المجال فرصة جيدة للعمل رغم العوائق التي ترتبط به، مما دفع رغبته أكثر تجاه العمل في إحدى الشركات الناشئة عند التحاقه بسوق العمل.

بكل تأكيد يمتلك عالم ريادة الأعمال العديد من الميزات، يتلخص بعضها في أنك تعمل غالبًا في بيئة عمل ذات طابع إبداعي مرن، كذلك أغلب الموظفين ذوي مهارات وكفاءة جيدة جدًا مما يساعد في إنجاز العمل بشكل جماعي وفي أفضل صوره الممكنة. بداخل كثير من الشركات الناشئة، لا تتوقف أبدًا عن التعلم والاستفادة والإلمام بتفاصيل كثيرة بواقع سوق الأعمال الذي يشكل لك معرفة أساسية جيدة جدًا، كما أنها تكسبك مهارات جديدة نتيجة العمل بمهام متعددة تجعل منك موظفًا جيدًا مقارنة بزملائك في مجتمعات العمل الأخرى.

لكن على مازن وأقرانه الحذر، فالأمر ليس كليًا ممتعًا وذا منفعة، فهناك جانب سيئ لا يتطرق له الكثيرون بمن فيهم رواد الأعمال أنفسهم أثناء حديثهم عن شركاتهم الناشئة وعن طبيعة العمل بداخلها.

الرواتب ليست كما يتخيلها البعض

يسعى أي شخص عند بحثه عن وظيفة ما أن يحصل منها على راتب وامتيازات جيدة، يختلف الأمر كثيرًا داخل الشركات الناشئة، فهنا ستجد مساحة ضيقة جدًا للتفاوض على الراتب وأي امتيازات أخرى مثل التأمين الاجتماعي والصحي وغيرهما. إذا حالفك الحظ أن تعمل بشركة ناشئة ذات وضع مالي جيد حصلت لتوها ربما على فئة من فئات التمويل، سيكون مرتبك جيدًا، أما إن كانت الشركة ما زالت في مرحلة النمو فتأكد أن راتبك سيكون محدودًا مع احتمالية تغير الراتب كل فترة مرتفعًا أو منخفضًا على عكس ما يحدث في الشركات العادية.

إذن ما الذي قد يدفع المرء لتقبل وضع كهذا؟ قد تكون البداية أن الشخص لا يستطيع أن يحصل على وظيفة جيدة بعض الشيء بسهولة، فيتجه البعض إلى القبول بالوظيفة خوفًا من البطالة والبقاء بلا عمل. يرتضي البعض الآخر بوظيفة بهذا الشكل عندما يرغبون في تغيير العمل الوظيفي من مجال إلى مجال آخر، مما يجعلهم يتنازلون قليلاً عن متطلباتهم المادية كنتيجة حتمية لدخولهم مجال جديد لا يملكون به خبرة جيدة.

يرى البعض أن قبول عرض مالي منخفض من شركة هو أمر طبيعي عندما تكون هذه الوظيفة هي وظيفة الأحلام بالنسبة لهم، أو عندما تكون لديهم رغبة شديدة بالعمل بشركة محددة على الرغم من انخفاض الرواتب داخلها. لا يتعلق إذن الأمر بالمال فقط، إنما يتعلق أحيانًا برغبات الفرد ذاته وطموحاته لنفسه.

يعتمد الأمر في النهاية على رغباتك ورؤيتك لظروفك ووضعك المالي حتى تقرر إن كانت وظيفة داخل شركة ناشئة في بدايتها بأجر منخفض متغير مناسبة لك أم لا. يعتمد الأمر أيضًا على مهاراتك في التفاوض، فإذا كنت تمتلك مجموعة من المهارات الفريدة والمعرفة المطلوبة لإحدى الشركات، ستكون هذه فرصة مناسبة لتتفاوض على راتبك أو ربما منافع أخرى غير المال لكونك تمتلك مهارات لا يمتلكها الكثير من حولك.

ضغط العمل سمة أساسية لدى الشركات الناشئة

لا يكاد يمر يوم داخل شركة ناشئة دون التعرض لمستوى عالٍ من ضغط العمل. تحول الشركات الناشئة أغلب موظفيها إلى ماكينات عمل لا تتوقف ولعدد كبير من الساعات طوال اليوم تصل أحيانًا إلى 12 ساعة وذلك في إطار التغلب على عامل الوقت. لا يكتفي هذا النوع من الشركات بعدد ساعات العمل فقط، إذ يتطلب الأمر إنجاز المهام طوال اليوم أحيانًا من أجل تحقيق نتائج معينة قبل نفاد الأموال أو إرضاءً للمستثمرين.

ستجد مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني أو الاتصالات الهاتفية تأتيك في أيام إجازتك أو أثناء جلوسك أمام التلفاز ليلًا، ويتوقع منك إيقاف ما تفعله والعمل على المهام الموكلة لك وتسليمها. عندما يقوم زملاؤك بالعمل بتفويض شيء ما لك لتعمل عليه، فإنهم يتوقعون منك أن تفعل كل شيء من أجل إتمام المهمة دون طرح الكثير من الأسئلة أو تقديم شكوى ما عن العمل في غير الساعات الرسمية.

يسبب ذلك العديد من المشكلات الصحية بكل تأكيد، كما أنه يمنعك من التمتع والاسترخاء وأداء الكثير في باقي ساعات يومك بدءًا من الجلوس مع العائلة، وتلبية متطلبات منزلك والذهاب لنزهة ما. فإذا كنت غير مستعد للعمل في مثل هذه الظروف، يتوجب عليك إذن البحث عن وظيفة أخرى؛ أما إذا كنت قادرًا على العمل أو مجبرًا على ذلك، فلربما تساعدك بعض من هذه النصائح على تخفيف هذا الضغط.

• حافظ دائمًا على أخذ قسط من الراحة، يعتبر هذا الأمر حيويًا للغاية لتستطيع أن تحافظ على إنتاجيتك طوال اليوم، وأن تفصل قليلاً عن العمل، يساعدك على الاستعداد جيدًا للتعامل مع تحديات العمل اليومية.

• روما لم يتم بناؤها في يوم واحد، لذا عليك أن تتقن فن تبسيط العمل وتوزيع المهام على مدار يومك وأسبوعك. تعتبر ظاهرة الإفراط في إنجاز أكبر عدد من المهام ظاهرة شائعة، يتخيل البعض أنه قادر على أداء عدد ما من المهام خلال يومه ولكنه سريعًا ما يلاحظ صعوبة إتمامه لهذه المهام، وإن أتمها فتكون النتيجة غير مرضية، لذا يجب على الشخص أن يتم المهام التي في متناول اليد والعاجلة، ثم يتجه بعد ذلك لأداء مهام إضافية وفقًا لقدراته.

• تبعًا لعملك في شركة ناشئة، فكثيرًا ما تكون بدايات هذه الشركات بإمكانيات محدودة. يتبلور دورك في كيفية استخدام محدودية هذه الموارد وتسخيرها بطرق ذكية وابتكارية طبقًا لظروف العمل وطبيعته لتحقق أكبر استفادة ممكنة.

الاستقرار المالي ليس كما يجب أن يكون

يتغير كل شيء في التو واللحظة عند الحديث عن الشركات الناشئة، هناك كثير من الموظفين الذين عملوا بشركات ناشئة وكانوا يتقاضون رواتب جيدة جدًا، يمتكلون مكانة ممتازة داخل الشركة. فجأة، توقف المستثمرون عن ضخ الأموال، أو ينتهي التمويل المخصص للشركة فيبدأ الوضع في الاهتزاز تمامًا، وتلقى الموظفين يخرجون واحدًا تلو الآخر من الشركة بحثًا عن فرصة جديدة في مكان آخر.

واحدة فقط من كل عشر شركات ناشئة هي التي يمر مركبها بسلام من نفق الفشل، يصير الأمر غاية في الصعوبة عندما نتحدث عن نجاح الشركات الناشئة حديثة الولادة لأن احتمالية فشلها وإغلاق أبوابها عالية للغاية. إذن كيف يمكننا التعرف على الشركات الناجحة للعمل بها حتى نقلل من مخاطر العمل بشركة تتجه للإغلاق؟

هناك العديد من الخصائص التي تتسم بها الشركات الناشئة الناجحة، من أول الأسباب هو تقديم منتج أو خدمة مناسبة للسوق، فكثير من الشركات تقدم خدمات ومنتجات لا يريدها أحد. تذكر إحدى الدراسات أن 42% من رواد الأعمال ذكروا سبب عدم ملاءمة المنتج الخاص بهم للسوق واحتياجات المستهلكين على قمة أسباب فشل شركاتهم. فإذا كنت ترى في الشركة التي تطمح للعمل بها ملاءمة منتجها للسوق وقوة قيمته المضافة فذلك أمر جيد للغاية، لكنه ليس جيدًا بشكل تام.

أن تمتلك منتجًا جيدًا وفريق عمل قوي لا يمثل ضمانة لنجاح شركتك الناشئة، يجب على المرء ألا يتجاهل عمليات الشركة وقضاياها لمجرد أنها ليست وظيفته، لأن ذلك سيؤدي إلى حرمانهم من أي مستقبل للشركة.
 توماس باريسوت  – مدير إحدى الشركات الناشئة التي تعرضت للفشل

يثق الرئيس التنفيذي في كثير من الشركات الناشئة أن وظيفته تكمن فقط في قيادته للشركة، ويؤمن مدير التسويق أن دوره هو التسويق فقط، ومدير قسم التطوير يرى أن دوره يكمن في البرمجة وتطوير المنتج، لكن مسؤوليات الشركات الناشئة لا تقسم بذلك الشكل أبدًا. تتداخل المسؤوليات لدى الشركات الناشئة خاصة في بدايتها، إذ يمكن للأشياء الصغيرة أن تتراكم وتتحول إلى معوقات كبيرة تفرض نفسها على الشركة بشكل سلبي. يظهر بعض من هذه المعوقات في العمليات الداخلية للشركة، نموذج العمل التي تتحرك به ومدى قابلية الشركة للتوسع. لذلك لابد لرواد الأعمال وإن انشغلوا بالاجتماعات وإنهاء الصفقات ومراجعة كافة رسائل البريد الإلكتروني أن يركزوا على العمليات الداخلية والتجارية للشركة ليضمنوا أن الأمور تسير في نصابها الصحيح، هذه السمة مهمة جدًا أن تجدها في مكان عملك الجديد.

وأخيرًا، إذا حالفك الحظ للعمل بشركة ناشئة ناجحة، ستجد أن فريق عمل الشركة عامل في غاية الأهمية. لا تنحصر المميزات لدى فريق العمل على امتلاك كل منهم مهارات جيدة بشكل متنوع، لكن يتطلب أن يمتلك أفراد الفريق عقلية جيدة ومرنة. تساعد هذه العقلية في دعم قدرة فريق العمل على تغيير المنتجات إذا تطلب الأمر ذلك، والتكيف مع بعض السقطات التي قد تتعرض لها الشركة، وكذلك سرعة الاستجابة لاتباع نسق تسويقي جديد، أو إن تطلب الأمر هدم الشركة وبناء الكيان من جديد. يتعلق الأمر كله هنا على التعافي من الضربات الموجعة حيث تمتلك الفرق القادرة على التعافي السمة الفريدة للانسجام في العمل في الأوقات الصعبة مما يساعد على تخطيها.

قلة الموارد لدى الشركات الناشئة

لو قدر لك العمل بإحدى الشركات الكبرى يومًا ما، ستجد أنها تمتلك العديد من الموارد والأقسام داخل الشركة بدءًا من قسم الموارد البشرية وقسم تكنولوجيا المعلومات إلى فريق التسويق والماليات وغيرهما. إذا كنت لا تعرف كيفية القيام بشيء ما وتحتاج إلى تطوير مهاراتك، سيتاح لك الاستفادة من ميزانية للتدريب لتصقل مهاراتك من خلال دورات تدريبية أو ورش عمل وخلافه. على عكس الشركات الكبرى، ستجد نفسك داخل الشركات الناشئة تقوم بالعديد من المهام، وإن واجهت شيئًا يحتاج إلى تعلم معرفة أو مهارة جديدة، سيتوجب عليك أن تعلم نفسك بنفسك من خلال منصات التعلم الذاتي أو القنوات المتخصصة داخل موقع اليوتيوب، وإذا كنت تريد أي شخص لمساعدتك ستجد صعوبة شديدة في الأمر حتى في ذلك.

ثقافة الشركة ما زالت قيد التطوير

تتكون ثقافة الشركة من الطريقة التي يتفاعل بها أعضاء الفريق مع بعضهم، والممارسات اليومية التي يقومون بها، وكذلك طريقة عملهم مع بعض والطريقة التي يتعاملون بها مع بعض القضايا. ستجد داخل الشركات الناشئة أن هذه الثقافة لا زالت قيد التطوير، وكنتيجة أن عملية تغير الموظفين ذات معدل مرتفع داخل هذه الشركات، ستشهد أنه من الصعب إقامة أي نوع من أنواع الثقافة؛ أما عن الشركات الكبرى، سيتم تقديمك كموظف جديد إلى ثقافة قائمة بذاتها كنتيجة لإرساء القواعد داخل الشركة من مدة طويلة، هذا الأمر الذي يعطي للشركة جوًا ذا طابع مستقر وآمن.

هذه مجموعة من الأسباب التي تجعل من الشركات الناشئة على عكس المثالية التي يتم تصويرها بها. إذا كنت تنوي العمل بمثل هذا النوع من الشركات، فعليك دراسة هذه الأسباب والتأكد من تقبلك إياها بصورة جيدة.