غالبًا ما تحكم المصالح والروابط التاريخية العلاقات بين الدول والشعوب، فالسياسة الخارجية لم تعد تؤثر فقط على العلاقات الدولية، ولكن على العلاقات بين الشعوب، وربما بدرجات أكبر.

بدا ذلك جليًا عندما قامت السعودية بالتصويت لصالح الملف الثلاثي الأمريكي المكسيكي الكندي في مقابل الملف المغربي، لاختيار الدولة المستضيفة لكأس العالم لكرة القدم عام 2026. بيد أن القرار السعودي لم يكن مفاجئَا للبعض، فقد كانت مؤشراته تلوح في الأفق منذ أن صرح تركي آل شيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة بالسعودية، في إحدى الصحف الأمريكية، حول دعم السعودية للملف الثلاثي المشترك، فضلاً عن استضافته لرئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم ومسئول الملف الثلاثي المشترك، وتعبيره عن سعادته بلقائه مغردًا على تويتر:

ملف قوي لاستضافة كأس العالم 2026.

هذه التصريحات لاقت حينها انتقادات واسعة من قبل الجمهور المغربي وتعجب شديد، إذ كيف لدولة عربية أن تدعم ملف دول غربية على حساب شقيقتها؟

لكن مع ظهور نتيجة التصويت تجدد الجدل واستشاط المغاربة غضبًا من جديد، وتأرجحت مواقفهم بين التندر والسخرية من السعودية، ودعوة البعض إلى مقاطعة الحج والعمرة، بل ومطالبة بلدهم بقطع علاقاتها مع السعودية.


السياسة تحكم

ذهب بعض المحللين المغاربة إلى اعتبار موقف السعودية سياسيًا بالمقام الأول لا رياضي، مستحضرين مواقف السعودية ضد المغرب منذ الأزمة الخليجية القطرية، عندما همشت السعودية والإمارات دور الوساطة المغربية وتعاملوا معها -في نظرهم- كإمارة صغيرة تدور في فلكهم. فالمغرب لم تصطف إلى جانب دول المقاطعة ضد قطر، بل قامت بإرسال المساعدات الغذائية إليها رغم حصار السعودية وحلفائها لها، فضلاً عن زيارة الملك المغربي محمد السادس لقطر ساعيًا لحل الأزمة رغبةً منه في التوسط. ليس هذا فحسب، بل أن حركة التبادل التجاري بين البلدين قد زادت وازدهرت أكثر من أي وقت مضى.

لهذا، دأبت السعودية ووسائل إعلامها على استغلال قضية الصحراء الغربية للهجوم على المغرب وتصويرها كقوة احتلال، بل وتقديم جبهة البوليساريو كدولة وتسميتها بـ «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية».

ويرى المحللون أن ملف المغرب تم تسييسه من قبل تركي آل شيخ، وهو الذي استفز المغاربة في أكثر من مرة من خلال تغريداته على تويتر، التي عبر فيها عن استهتاره بالملف المغربي. الأمر الذي أعطى للسجال الرياضي بعدًا سياسيًا على حد قول الكاتب المغربي «نور الدين مفتاح».

الأمر ليس فقط بسبب توتر العلاقات السعودية المغربية والتزام المغرب الحياد في الأزمة الخليجية القطرية، بل أيضًا بسبب التقارب السعودي الأمريكي، الذي بات يلقي بظلاله على السياسات السعودية منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للرياض وتوقيعه صفقة القرن. إذ أصبحت السعودية منذ ذلك الوقت تتحين اللحظة المناسبة لخطب ود الولايات المتحدة، وهو ما جعل تصويتها لصالح الملف الثلاثي فرصة لذلك.


دعوات لقطع العلاقات مع السعودية

هكذا ردد الكثير من المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عقب إعلان نتائج التصويت التي فاز فيها الملف الثلاثي بـ 134 صوتًا، شمل أصوات دول عربية وإسلامية، في مقابل 65 صوتًا للمغرب. إذ اعتبروا في تصويت دول عربية ضدهم خيانة وغدرًا، وبالأخص السعودية التي كانوا يعتبرونها دولة حليفة للمغرب.

وفي مقال للكاتب المغربي «الطاهر بن جلون» بعنوان «السعودية ليست دولة صديقة أو بلدًا شقيقًا» على صحيفة «le 360» قال إنه «لا يوجد شيء أسوأ من خيانة الصداقة»، مضيفًا أنه «بفضل هذا التصويت، يعرف المغرب الآن من هم أصدقاؤه الحقيقيون والوهميون»، إذ على الرغم من توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب بسبب نزاع الصحراء الغربية، إلا أن الجزائر نحّت تلك الخلافات جانبًا وصوتت لصالح ملف المغرب.

تحدث البعض عن وقوف المغرب إلى جانب السعودية في مواقف الشدة، لكنها لم تصن الجميل وبدلاً من ذلك تركت وسائل إعلامها تضرب المغرب في وحدتها الوطنية في الصحراء، مستغلة انشغال المغرب بحراك الريف. لهذا فقد الكثير من المغاربة الثقة في العلاقات التي كانوا يعتبرونها تاريخية مع السعودية، لتأتي نتيجة التصويت لتثبت لهم حقيقة ما تملكهم من شعور.

فقد أشار الكاتب «نور الدين مفتاح» إلى أن «خدمة مصالح بلد ما لا تأتي عبر الكفر بالقضايا المصيرية كفلسطين وتشجيع الانقلابات الداخلية والدوس على أحلام الشركاء»، كما عبر الصحفي المغربي «عبد الصمد ناصر» على تويتر عن غضبه من الموقف السعودي قائلاً إن: «تفوق الملف الفائز بتنظيم مونديال2026 حقيقة، ولكن هناك حقيقة أخرى هي أن دولاً عربية وإسلامية دعمت الملف الثلاثي وخذلت (شقيقها) #المغرب بأمر من سيدها ترامب خوفًا على العروش. شكرًا لـ (جامعة الدول الأمريكية) و(منظمة التعاون الأمريكي). ما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل»، في إشاره منه إلى السعودية وأشقائهم من العرب ممن صوتوا لصالح الملف الثلاثي.

من هذا المنطلق دعا عدد من الكتاب والمحللين المغاربة إلى ضرورة مراجعة المغرب لمواقفها الإستراتيجية وعلاقاتها «المهزوزة» التي لا عمق لها بل ومراجعة انتمائها للعالم العربي الذي في نظر الكثير منهم لا يفيد في أي شيء، مشجعين قرار الملك محمد السادس حين أعلن التوجه نحو عمق المغرب أي أفريقيا .

فقد عبر الباحث الاقتصادي المغربي «إدريس الفينة» عن الموقف السعودي قائلاً إنها «هزيمة بطعم النجاح»، مشيرًا إلى ضرورة إسراع المغرب في استخلاص الدروس ووضعها لمصالحها الاقتصادية على رأس أولوياتها و«تحديد الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم اقتصاديًا وسياسيًا مستقبلاً، والاستمرار في تنفيذ البرامج التي تم تخطيطها في إطار تنظيم هذه البطولة العالمية».

في حين دعا الكاتب المغربي «عادل بن حمزة» إلى التريث في مقال له بعنوان «العلاقات المغربية السعودية: هل تخرج الأزمة الصامتة إلى العلن؟» على موقع أدار المغربي قائلاً: «إن الدبلوماسية المغربية بحاجة إلى تطويق بقعة الزيت التي أطلقها تركي آل الشيخ، وذلك للوقوف على أحد أمرين؛ إما أن الرجل يتحدث بشكل شخصي وهو ما لا يلزم الدولة السعودية بشيء، أو يتحدث باسم جهة في القيادة السعودية، أو أنه يصرف موقفًا رسميًا سعوديًا سيأتي الوقت لإعلانه، وعند حصول القناعة بأحد الأمرين،فإن المغرب لن يتردد في إعلان الموقف المناسب».


تشجيع المنتخب الروسي «الشقيق»!

ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند.
يبدو أن جموع الشعب المغربي سيشجع غدًا الفريق الروسي تعبيرًا عن سخطه على تصويت آل سعود لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
تعليق لأحد المواطنين المغاربة على مقال نشر في صحيفة مغربية.

كرد فعل على قرار تصويت السعودية للملف الثلاثي بل وحشدها لدول عربية أخرى من أجل التصويت لهذا الملف، دعا عدد من النشطاء المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تشجيع المنتخب الروسي «الشقيق» في مباراة الافتتاح مع السعودية، والتي جرت في 14 يونيو/حزيران 2018، في صورة من صور التندر والسخرية، داعين إلى التركيز في مباراة الافتتاح لأن المنتخب الروسي الشقيق في حاجة إليهم!

وفي تصويت أطلقته إحدى الصحف المغربية على صفحتها على فيسبوك، تساءلت فيه عن من سيشجح المغاربة في مباراة الافتتاح، بلغت نسبة المصوتين لروسيا 87% في مقابل 13% لصالح السعودية. وبعد الهزيمة التي تعرض لها المنتخب السعودي في مباراة الافتتاح على يد المنتخب الروسي بخمسة أهداف مقابل صفر، عمد الآلاف من المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى السخرية من هزيمتهم بل والشماتة فيها وإظهار الفرح والسرور. عبرت عنه صحيفة مغربية قائلة إن

حجم الشماتة بخسارة المنتخب السعودي يستحق التوقف والمراجعة، فما كان لصورة السعودية أن تكون في هذا المكان لولا سياسات من يقودها؛ من قضية القدس وصفقة القرن التآمرية وحصار الجارة قطر في رمضان وثورات الربيع العربي، وأخيرًا في ملف المغرب في كأس العالم، فتقف للأسف علنًا ضد شقيق وتفرح لخسارته.

لذا فمن الواضح أن الشعب المغربي لم يفصل بين الشعب السعودي والدولة السعودية، فهم لا يطالبون دولتهم بضرورة مقاطعة السعودية أو مقاطعة الحج والعمرة فحسب، بل ذهبوا إلى تمني خسارة المنتخب السعودي والشماتة في خسارتهم، ودخلوا في سجال مع مواطنين سعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ كل منهم يدافع عن دولته ويتهم الأخرى.