ليس كل الكُتَّاب سواء في استمطار الإبداع وإنتاج المحتوى. فالإبداع عزيز وليس كلما أراد الكاتب أن يكتب ضغط على زر فانهمرت عليه الأفكار والكلمات، بل إنَّ كثيرًا ما يحتاج الأمر إلى احتيال ومداعبة للنفس وللظروف المحيطة حتى يتهيأ أمر الإبداع.

في هذا الصدد، فإنّ كثيرًا من مشاهير الكُتَّاب لديهم عادات غريبة عندما يكتبون. فمنهم من كان يستنشق رائحة العطب الناتجة من التفاح الفاسد ومنهم من كان يكتب على أوراق من نوع خاص، ومنهم من حبس ملابسه وجعل نفسه رهينة في بيته ريثما ينتهي من الكتابة.

شيلر يستنشق التفاح الفاسد

كان الأديب الألماني فريدريش شيلر ينشط للكتابة الإبداعية بعد أن يشم رائحة تفاح قد أصابه العطب يحتفظ بكومة منه في دُرج مكتبه، كما حكى ذلك عنه صديقه شاعر الألمان الكبير يوهان فولفانج فون جوتهJohann Wolfsn Von Goethe. فذات مرة عندما مرَّ جوته على صديقه شيلر في بيته ولم يجده، فقرر أن ينتظره. واستثمارًا للوقت، فبينما هو ينتظر جلس على مكتب صديقه شيلر ليكتب شيئاً خطر له. وأثناء الكتابة وجد جوته نفسه مضطراً لأن يتوقف بسبب رائحة غريبة كريهة.

فبشكل ما قد تسربت رائحة مزعجة إلى الغرفة. تَتَّبع جوتة هذه الرائحة ليصل إلى مصدرها الذي كان حيث يجلس. إنها كانت تنبعث من دُرج مكتب صديقه شلر. فتح جوته الدرج ليفاجأ بكومة من التفاح المتعفن. لقد أدت الرائحة من فرط بشاعتها إلى إصابة جوته بدوار في رأسه؛ مما ألجأه إلى الفرار إلى النافذة ليتنفس بعض الهواء النقي.

عندها سأل جوته شارلوته زوجة شيلر عن هذه الكومة من القمامة، فكانت إجابتها الصادمة بأن زوجها شيلر يدع التفاح كي يتعفَّن عن عمد، لأن رائحة التفاح العفن تلهمه، وبالتحديد – وفقاً لكلام زوجته: «هو لا يستطيع العيش أو العمل من دون ذلك».

إقامة جبرية من دون ملابس

أحيانًا قد يضطرُ الكاتب إلى التحايل على نفسه واستدراجها، بل وإجبارها إجباراً على الكتابة حال عدم الرغبة. وهذا ما فعله صاحب أحدب نوتردام. بدأ الأديب الفرنسي المشهور فيكتور هوجو يكتب أحدب نوتردام استعداداً للموعد الذي كان يبدو مستحيلاً أن ينتهي فيه وذلك في خريف 1830. فقد اشترى هوجو محبرة ووضع نفسه تحت الإقامة الجبرية في بيته لشهور مستخدماً تقنية مقاومة الهروب الغريبة: فقد أمر خادمه أن يُخفي ملابسه كي يتجنب أي رغبة للخروج خارج المنزل، وترك نفسه من دون أي ملابس، ما عدا شال رمادي كبير، لقد اشترى هذا الرداء المحبوك -الذي كان يغطيه إلى تحت أصابع قدميه– خصيصاً لهذه المناسبة، وظل زيه الموحد لعدة شهور.

وبالفعل أُجبِر هوجو على البقاء حبيس بيته وتمكَّن من إنهاء كتابه قبل الموعد المتفق عليه. وفي سبيل ذلك نفدت المحبرة التي قد اقتناها خصيصاً لهذا الغرض، لدرجة أنها كان ينتوي تسمية كتابه «ما جاء من زجاجة حبر». وفي النهاية اختار عنوانه الأقل تجريداً والأكثر تعبيراً: أحدب نوتردام.

حيوانات وحشرات لاستلهام الكتابة

نحن نعلم مدى ارتباط الكثير من كُتَّاب المشاهير بالحيوانات الأليفة، بل إن الحيوانات أحياناً هي جزء من عملية الإبداع والكتابة. فكان الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو يعتبر قطته كاترينا الراعي الأدبي له، وقد وصف إلهامها إيّاه بأنها «كانت تخرخر (الخرخرة: صوت الهر الذي فيه شعور بالارتياح) وكأنها تُعبِّر عن استحسانها لما يدور في العالم تحت إشرافها».

أما الكاتبة الأمريكية فلانري أو كونر فكان لها شغفُ بالطيور والحيوانات أيضاً، وكانت تستعين بكلبها في آلية غريبة عندما يداهمها التسويف عند الكتابة. كانت كونر تقوم بفحص فروة كلبها الفرنسي سوسي فحصاً دقيقاً وتُزيل البراغيث من ظهر سوسي، وتظل هكذا تلاحق البراغيث على ظهر الكلب حتى تتحفز وتنطلق في الكتابة.

راكبون ملهمون

كانت الكاتبة الأمريكية التي كانت تعيش في باريس جيترود شتاين يأتيها إلهامها للكتابة في السيارة وبالتحديد عند قضاء مصالحها خارج المنزل والتسوق مع زوجها، فينما كان زوجها ينزل من السيارة ليشتري من المحلات، كانت تجلس هي في السيارة وتخرج ورقة وقلم وتكتب. كانت تستجلب الإلهام من ازدحام شوارع باريس حيث كانت السيارات تتوقف ثم تعمل بإيقاع كان له أثراً في شعرها ونثرها.

لم تكن جيترود شتاين وحدها من تحب الكتابة وهي تركبُ، بل كانت كذلك الكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي، التي كانت تحلو لها الكتابة أثناء ركوبها المواصلات في طريقها لرعاية والدتها، وكذلك كان الشاعر والكاتب المسرحي الاسكتلندي والتر سكوت يكتب شعراً فوق صهوة الحصان.

غرفة في فندق في كل مدينة للكتابة

لا تحب الكاتبة والشاعرة مايا أنجلو – الشهيرة بمارجريت آن جونسون- الكتابة في المنزل. وإذا ما أرادت أن تكتب فإنها تستأجر غرفة في فندق في منطقتها، وتمكث هناك على سريرها تكتب من السادسة والنصف صباحًا وحتى وقت الغداء. وفي حديثها مع باريس ريفيو سنة 1990 صرحت مايا أنجلو بأنها لها غرفة فندق محددة تمارس فيها الكتابة في كل مدينة عاشت فيها.

قرطاسية مثيرة للإبداع

بعض الكتاب لايروق لهم إلا الكتابة بالقلم بدلاً من الرقم مباشرة على الحاسوب. فباراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق كتب مؤلفه الضخم (760 صفحة) –الذي يحكي فيه مذكراته الرئاسية- كاملاً بيده على أوراق دفتر تدوين الملاحظات الذي يستخدمه المحامون (Yellow Legal Pads) باستخدام القلم بدلاً من الحاسوب!

يقول أوباما في كتابه أرض الميعاد: «ما زلت أحب كتابة الأشياء باليد، فالكمبيوتر يُضفي بريقاً على المسودات التي لم تكتمل بعد ويُلبس أفكاري غير الناضجة قناعًا زائفاً من النظام والترتيب».

لم يكن أوباما وحده هو من يرتبط تدفق الأفكار والإبداع بأدوات مكتبية محددة، فقد كان كذلك الأديب الفرنسي ألكسندر دوماس يكتب رواياته على أوراق ذات درجة معينة من اللون الأزرق، وكان يكتب شعره على ورق أصفر، والمقالات على ورق زهري اللون. وفي إحدى جولاته في أوروبا، نفدت أوراقه ذات الدرجة المفضلة من اللون الأزرق مما اضطره إلى أن يكتب في مفكرة ذات لون كريمي، وكان ذلك بالنسبة له معاناة أثرت على روايته.

الإلهام من الوضع مقلوبًا كالخفَّاش

للأديب الأمريكي دان براون –المشهور برواية شفرة دافنشي- عادة غريبة تساعده على تدفق الأفكار، وهي أنه يعلِّق جسمه مقلوباً كالخفَّاش (رأسه لأسفل وقدمية لأعلى). وبحسب ما كشف دان براون لصحيفة صنداي تايمز أنه كي يفعل ذلك فإنه يرتدي حذاء جاذبية (Gravity Boots) ويعلق نفسه في إطار التمرين (Excercise Frame) حتى يتمكن من التفكير. وأضاف دان براون أنه «هذه الطريقة فعَّالة، لأنه يجب على المرء أن يسترخي ويدع الأمور تسير، وكلما فعل المرء ذلك كان قادراً على ترك الأمور تسير، وبسرعة يجدها رائعة».

يكتب بالليل ويراجع بالنهار

أما عادات الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد تشتمل على تفاصيل صرح بها لجريدة الشرق الأوسط. وصف إبراهيم عبدالمجيد عاداته الكتابية بالبسيطة ومن أبرز معالمها أنه لا يغير محتويات غرفة مكتبه، ولديه ثلاثة دواليب من الكتب، إذا امتلأت وفاضت بما تحتوي أهدى منها لأصدقائه.

وعندما تأتي عبدالمجيد لحظات عدم الرغبة في الكتابة، فإن عبدالمجيد يتغلب عليها بالسفر والموسيقى. يسهر عبدالمجيد طوال الليل يكتب، وبالتحديد يبدأ الكتابة بعد منتصف الليل وحتى شروق الشمس، وينام بعد أن يرى ضوء الشمس، وعندما يستيقظ بالنهار فإنه يراجع ما كان قد كتبه بالليل. وأثناء السهر بالليل يستمع إلى إذاعة البرنامج الموسيقي التي تبث موسيقى كلاسيكية وخفيفة طول الليل.