اتصل بصديقيه ليطلب منهما مشاركته في جولة سياحية بالقاهرة لمشاهدة أجولة الياميش والمكسرات، وفي جولتهم وجدوا شاباً يلتقط «سيلفي» مع اللوز والفستق والكاجو والمكسرات التي وصل سعرها إلى 500 جنيه، في حين ألقى والده السلام عليها قائلاً: «إلى اللقاء في جنة الخلد إن شاء الله».

مع بداية شهر رمضان يبدأ المواطنون حساب أسعار الياميش الذي سيشترونه، وتبدأ الحكومة حساب قيمة الياميش الذي سيشتريه المواطنون؛ لتثبت أن المصريين «بياكلوا كتير»، ودائماً ما تبرز الحكومة توفيرها للسلع الرمضانية، وزيادة الدعم لبطاقات التموين، وفي نفس الوقت تبرز مدى جشع التجار، وزيادة إقبال المواطنين على الشراء.

أسباب ارتفاع أسعار الياميش
أسباب ارتفاع أسعار الياميش

إجراءات حكومية رمضانية

تعلن الحكومة أن التجار يستغلون المواطنين برفع الأسعار خلال المواسم التي يزداد فيها استهلاك السلع، وبخاصة شهر رمضان، كما تعلن أن التجار يحجبون السلع لزيادة أسعارها، وتواجه الحكومة هذه الأمور بالعديد من القرارات والإجراءات لضبط الأسواق، وحماية المواطنين من جشع التجار، وضمان بيع السلع بأسعار مناسبة، وذلك بطرحها بالمجمعات الاستهلاكية، بكميات كبيرة وأسعار موحدة.

وفي رمضان تعلن الحكومة عن صرف منحة بقيمة تصل إلى 50% من قيمة الدعم المخصص للفرد على البطاقة التموينية؛ وذلك لتخفيف العبء على المواطنين، كما أن الحصول على السلع المدعمة سيقلل الطلب على شرائها من السوق الحر، وهو ما سيمنع غلاء الأسعار، من وجهة نظر الحكومة.

إلى جانب ذلك تعلن وزارة التموين عن توفير كافة المنتجات من خلال معارض «أهلاً رمضان»، ومنافذ المجمعات الاستهلاكية بالمحافظات، بنسبة تخفيضات من 15% إلى 25%، وكذلك الاتفاق مع السلاسل التجارية وكبار المنتجين على تقديم تخفيضات في الأسعار، إلى جانب زيادة كميات السلع ومنتجات اللحوم والدواجن طوال رمضان دون زيادة الأسعار، كما تُعلن عن توفير كافة السلع من خلال السيارات المحملة بالمنتجات الغذائية والدواجن واللحوم والأسماك؛ وذلك في المناطق التي لا يتوافر بها منافذ للمجمعات الاستهلاكية.

وفي 2017،صرّح رئيس شركة مجمعات الإسكندرية التابعة لوزارة التموين، بطرح «ياميش رمضان» ضمن سلع فارق نقاط الخبز، وهي السلع التي تُصرف للمواطنين مقابل ترشيدهم في استهلاك الخبز المدعم، هذا التصريح الذي دفع أحد النواب إلى التعليق عليه بأنه «كلام فاضي»، محذراً المواطنين من شراء تلك السلع، لأنها مخزّنة من العام الماضي، مطالباً بتوفير السلع الأساسية (الزيت والسكر والأرز)، وليس الياميش الذى يُعتبر ضمن السلع الاستفزازية التي يجب الابتعاد عنها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

ودائماً تؤكد الحكومة أن الأجهزة الرقابية ستضمن توفير السلع للمواطنين طوال شهر رمضان، وتضمن الرقابة على الأسواق، وذلك بالتنسيق مع مباحث التموين، وجهاز حماية المستهلك. والجديد هذا العام هو إعلان الحكومة عن تفعيل القرار الوزاري بإلزام التجار والمنتجين بكتابة الأسعار على العبوات؛ من أجل ضبط الأسواق، وضمان عدم زيادة الأسعار في حال نقص السلعة.

بعد كل ذلك يمكننا أن نتساءل: هل الحكومة تضخ كل هذه السلع لكي تبور؟ ولماذا توفر الحكومة هذه المنتجات ثم تتهمنا بالتبذير و«الطفاسة»؟

استهلاك المصريين في رمضان
استهلاك المصريين في رمضان

من الحكومة للشعب: «بلاها ياميش»

تناشد الحكومة المواطنين عدم شراء السلع الاستفزازية، ومنها الياميش، لكن الأمر لا يتوقف عند المناشدة، بل تصاحبها تصريحات من مسئولين باعتبار الياميش من السلع الاستفزازية؛ لأن شراءه أصبح قاصراً على الأثرياء في ظل الأحوال المعيشية الحالية، إلى جانب مطالبة عدد من نواب البرلمان بوقف استيراد ياميش وفوانيس رمضان؛ لتوفير العملة الصعبة، ودعم الصناعة الوطنية، وتشجيع المنتجات المحلية، بدافع أن ارتفاع سعر الدولار بعد تعويم الجنيه يتطلب وعياً من الشعب للحفاظ على العملة الصعبة و«ياريت نساعد البلد شوية، الياميش لو مأكلنهوش مش هنموت… وفيها إيه لو رجعنا للفانوس أبو شمعة بتاع زمان وتراثنا الجميل»، على حد تعبير النواب.

وتصاحب تلك المطالبات نشر أخبار عن قيام جمعية «مواطنون ضد الغلاء» بإطلاق حملة تحت شعار «نقدر نعيش من غير ياميش»؛ للتأكيد على أن طبقات الشعب الكادحة تستطيع العيش من غير الياميش الذى يتم استيراده بمبالغ باهظة، أو حملات أخرى لمقاطعة الياميش بسبب استيراده من تركيا، مما يجعلها تسيطر على أموال المصريين، لذا تجب مقاطعته «حتى لا نسلّم دولاراتنا لمن يريدون ذبحنا في تركيا»، وكذلك مطالبة بعض الكتاب بالحديث عن ضرورة منع استيراد الياميش؛ «لحرمان الأثرياء من تلك اللذة الخارقة التي يشعرونها حين ينهشون صواني الكنافة أو القطايف، أو حين يعبّون دوارق قمر الدين، أو يلهطون أطباق الخشاف»، على حد تعبير أحد الكتاب.


من الجاني: الحكومة أم المواطنون أم التجار؟

الحكومة تلقي باللوم على التجار والمواطنين، وفي مقابل ذلك يصرخ التجار من قلة البيع والشراء بسبب أن الدولار «خرب بيوتهم»، وارتفاع الأسعار جعل المواطنين يعزفون عن الشراء ويكتفون بالتقاط «سيلفي» مع المكسرات، ويؤكدون أنهم مجني عليهم، ولا يحصلون إلا على ربح قليل؛ حتى يتمكنوا من بيع بضائعهم للمواطنين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على شراء «ثُمن كيلو ياميش»؛ لإدخال البهجة على نفوسهم ونفوس أبنائهم مرة واحدة في العام.

إذن الأمر يتعلق بارتفاع الأسعار وارتفاع سعر صرف الدولار، وهما نتاجا التضخم الناتج عن تعويم الجنيه، والذي هو قرار حكومي، إذن فالاتهام يوجه للحكومة، والسؤال المنطقي: لماذا لا تمنع الحكومة استيراد الياميش؟


الحكومة لا تستطيع منع الياميش

استهلاك المصريين في رمضان 2
استهلاك المصريين في رمضان 2
عام 1986، حينما حظرت استيراد الياميش، عزمني الرئيس مبارك على الإفطار، وقال لي: «أهو قدامك ما فيش أي ياميش، وقرارك أنا أول واحد نفّذته».

علي لطفي، رئيس الوزراء الأسبق.

يعد عام ‏1986‏ هو العام الوحيد الذي منعت فيه الحكومة استيراد الياميش، حيث قام علي لطفي، رئيس الوزراء حينها، بإصدار ذلك القرار؛ ليوفر على الدولة ملايين الجنيهات. وهنا يبدو السؤال منطقيًا: لماذا لا تكرر الحكومة ذلك؟

يجيب عن ذلك السؤال، وزير التجارة والصناعة، الذي يؤكد أن الأمر ليس بيد الحكومة؛ إذ لا تستطيع منع السلع الاستفزازية –ومنها الياميش-بسبب توقيع مصر على اتفاقية منظمة التجارة العالمية، التي تحول دون ذلك، «حتى لا تتعرض مصر لآثار عكسية مع بعض الدول التى تصدّر تلك المنتجات».

إلى جانب ذلك فإن حركة تداول السلع في رمضان تُمكّن الحكومة من ترويج إنجازاتها الاقتصادية والتجارية التي تعيشها البلاد، في ظل زيادة الإقبال على شراء السلع، وهو ما يمكنها من إخفاء عجزها عن ضبط الأسواق.

كما أن تعبير «سلع استفزازية» لا يعد تعبيراً اقتصاديا أو تجارياً، إنما هو تعبير إعلامي تروّجه الحكومة لإلقاء المسئولية عن كاهلها بحجة أن «الشعب عاوز كده»، وليبقى الشعب دائماً مقصراً ومتهماً، وغير مدرك لمتطلبات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد بفعل الظروف الاقتصادية، والتي هي ناتجة عن مغامرات الحكومة الاقتصادية التي تستورد هذه السلع وتعرضها بالأسواق ثم تتهم المواطنين بالمسئولية.

وهنا يجدر التساؤل: مَن يستفز مَن؟ المواطن يستفز الحكومة؟ أم الحكومة هي التي تستفز المواطن؟